منتشر بين الذكور أيضاً.. الزواج المبكر يعود إلى الواجهة في الشمال المحرر

تقول الحصرم متحدثة لأورينت نت إنه وبعد نزوح عائلتها من مدينتهم في معرة النعمان بات ابنها جبران والبالغ من العمر 18 عاماً كثير التحدث عن المعارك والقتال، وأراد الالتحاق بالفصائل المقاتلة مرات عديدة وبصعوبة كانت تمنعه من تحقيق رغبته تلك. كل ذلك كان كفيلاً بدفع صباح إلى "استدراك الوضع قبل فوات الأوان" على حد تعبيرها، وتزويجه من ابنة عمه.

إذ دفعت الحرب في سوريا الكثير من الأهالي لتزويج أبنائهم وبناتهم في سن مبكرة لأسباب عدة، أهمها الواقع الأمني السيئ والنزوح والعادات والتقاليد، إضافة لغياب التوعية وتراجع التعليم.

وترى صباح أن قرارها لم يكن سيئاً بعد أن ظهرت نتائجه حين صلح حال ابنها وبات يشعر بالمسؤولية والالتزام " من بيته لعمله ومن عمله لبيته" على حد قولها، وباركت تصرفات ابنها التي تغيرت بشكل كبير و"أصبحت أكثر اتزاناً بعد الزواج"، على حدّ وصفها.

لكن زاوية الموضوع مختلفة تماماً عند صفاء زوجة ابن أم جبران، إذ كانت جميع أبواب الحياة مغلقة أمامها، تعيش في خيمة بالية لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء، وتقاليد تمنعها من خروج المخيم لزيارة أقاربها، فضلاً عن انقطاعها عن الدراسة بداعي الحرب والنزوح. فكان الزواج "فرصة للخلاص من المعاناة".

الجانب المرّ

إلا أن الحرب وتبعاتها السلبية جعلت الزواج حجر عثرة أمام الحجم المَهول من المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، وباتوا ضحايا للتعنيف الزوجي والضرب. فهيام الكشتو البالغة من العمر خمسة عشر عاماً وجدت نفسها فجأة عرضة للضرب والتعنيف من قبل زوجها الذي يكبرها بسنتين، تقول هيام إنها لا تعلم كيف حدث ذلك، فكل ما تعلمه أن شابا تقدم لخطبتها وهي وافقت بإقناع أهلها لها.

تصف هيام لأورينت علاقتها بـ«الصعبة والمتعثرة وقلما يتفهم منا الآخر، إنه شديد العصبية واتكالي قليل العمل والإنفاق ومع ذلك كله آثرت الصبر على حياتي معه حتى لا أغدوا مطلقة ولم أتجاوز السادسة عشرة من عمري».

تعرضت هيام لمضاعفات الحمل والإنجاب بسبب صغر سنها وبنيتها الجسدية الصغيرة والنحيلة، فحملت أربع مرات، وكتب الإجهاض لجميعها إلى أن نجحت أخيراً في إنجاب طفلتها التي ساهمت في تخفيف التوتر بعلاقتها مع زوجها رغم المتاعب التي تواجهها في تربيتها لضآلة خبرتها في تربية الأطفال.

تبعات الزواج المبكّر

وعن الآثار النفسية والاجتماعية المترتبة على الزواج المبكر، تقول المرشدة النفسية ميس عليوي إن "شريحة كبيرة من القاصرات تصاب باضطرابات نفسية خطيرة، بسبب الصدمة التي يتعرضنَ لها، فهن غير مستعدات لهذا التغيير المفاجئ في حياتهنَّ والانتقال من مرحلة الطفولة إلى النضوج بشكل مباشر، وعدم قدرتهن على اتخاذ القرارات وامتلاكهن التعليم الكافي والخبرة في التعامل مع الأطفال والحياة الزوجية".

وتبعاً للنتائج السلبية المترتبة على زواج القاصرات تؤكد المرشدة الاجتماعية على "ضرورة تنظيم حملات توعية مستمرة للأهالي، للتعريف بمخاطر هذه الظاهرة التي فرضت على المجتمع أمهات صغيرات غير مؤهلات من جميع النواحي الفيزيولوجية والاجتماعية، ما رسخ مشاكل كبيرة ليس في حياة القاصرات وحسب، وإنما في المجتمع أيضاً".

ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة نشر بتاريخ ١٧ سبتمبر ٢٠٢٠ فقد تعاظمت ظاهرة زواج الأطفال في السنوات القليلة الماضية في مناطق عدة من سوريا وخاصة في محافظة إدلب لتصل إلى مستويات قياسية حيث تخطى حاجز ٧٣ في المئة من إجمالي عمليات الزواج في المحافظة، بسبب طول الحرب السورية وما نتج عنها من فقر وعمليات تنقل ودمج مجتمعات وبطالة، إضافة إلى الموروث الشعبي الذي شجع زواج الأطفال بشكل ملحوظ.