شيخ عقل في "خيمة وطن" : أدار رأسه للعقل والنبل والشجاعة!

شيخ عقل في "خيمة وطن" : أدار رأسه للعقل والنبل والشجاعة!
في نهاية المشهد المريع، الذي تخلله قتلٌ وتهجير وموت تحت التعذيب وثقافة الطوابير، اجتذبتني خيمة انتصبت وقحة على مفرق من شرف وأخلاق ووعي. لست أدري إذا كان هذا الحدث هو خارج النواميس وحدود النفس والعقل، أم أنّ من جلس تحتها خضع لتحولاتٍ مرعبة لاستغراق الأزمة سنوات طويلة، سنوات انفلت فيها كل شيء من عقاله ولم يعد العقل هو حارسٌ أمين على بوابة اللاشعور. كم تمنيت أن أغوص في أعماق نفس الإنسان التي غابت عن المنظور واختبأت مكبوتة في سحيق الروح. 

في السويداء إنتاج كبير للإثم المستمر وممن؟ 

من شيخ شذّب لحيته لتغطي خطاياه التي دأب على سترها وتوارى خلف توزيع أعطيات من تبرّع من أهل الجولان والمغتربين ككفارة رمزية عن الخيانة للنفس والأخلاق. لقد فتحت الخيمة أمامي باباً واسعاً لم يغلق بعد، واعتبرت الخيمة رمزاً عميق الدلالة، يمثّل الابتعاد...بل الانفلات والانزياح عن كل نتاج تخلّق ومنجز حضاري، وصعقة جعلت العقل الباطن الجمعي بحالة ارتباك وحيرة.

خيمة تحتها شيخ يقود ملّة معنوياً، ويرافقه زعماء جماعات مسلحة تحت مسميات مختلفة ابتغت كلّ رغبات النفس السفلية، أمّا المشاعر الإنسانية فقد تحللّت إلى درجة أصبحت مثل بقايا جيفٍ. 

تألمت لأنني قابلت هذا الشّيخ قبل فترة، وقد أقنعني أحد أكبر المغفّلين أن الحوار هو طريق العقلاء وهو طريق شفّاف وحساس يقرّبنا من بعضنا لنصبح أكثر وضوحاً وصدقاً وحكمة، وأن التمترس في قطب واحد هو كمّ معطل وسكونيّ... صدّقته في ذلك الحين وذهبت إلى مكان وجوده المستمر، في صرحٍ دينيّ يمثل رمزاً وحشداً من الأفكار الدّينية والفلسفية والأخلاقية، واعتقدت أنني سأخرج ممتلئة بتقاطعات غنيّة يمكن أن نرسم من خلالها معالم الطريق، وخرجت يائسة ورأيت بأم عيني أن من يجلس في هذا المكان أدار رأسه للعقل ولم ير قط سماء ولا عرف فروسية ولم تحيّره قضايا النبل والشجاعة. 

ألغاز محيّرة تلبّست هذه الشخصية وغموض يحيط بحركات الجسد والأدوات والطّقس، ضاق المكان على سعته عندما تهدّج صوت شيخ العقل وهو يتكلّم عن أسباب الأزمة ومن يحرك الأزمة، وعن الإرهاب الذي قضى على كل شيء ولكن النّصر كان حليفنا! 

 بالنتيجة، تغلبت عضلة اللسان التي لم تألف الحركة خارج نطاق الجشع والمصلحة والضعة، كان أداؤه وضيعاً وليس متواضعاً. انتابني حزن قبل أن أخرج مودّعة المتعمم مع الرهط، لطالما كانت مشيخة العقل سيرة مقدّسة يلعب أدوارها رجال تجمّعت لديهم خصال الحياة الفكرية والرّوحيّة، وسجلت أفعال كانت في تاريخ الجبل نور وحكمة... ووطدت النظام الروحي والمعنوي، ووضعت صيغ لكل الأمور التي تحدث في الجبل. 

ما الذي جعل رياح السموم تدخل لتخلع كل تلك الصيرورة وتزيح الثقافة والأخلاق والمعنى

كم انتقلت حكايا تلك المشيخة من جيل إلى جيل، وأصبحت ذاكرة طائفتي، وكم كانت معنوياً قوية تسيطر على النفوس والمسالك والتثقيف والتطبيع. ولمّا كانت الجذور قوية وراسخة وممتدة، كانت فؤوس الأغراب حادّة وقوية وذات بطش، اقتلعت الجذور وانهارت الظلال الوارفة وشيّدت خيم لمترحلين عابري الوطن والقيم والضمائر.  

كاتبة من السويداء

التعليقات (3)

    محمد

    ·منذ سنتين 11 شهر
    لا فض فوك أيتها الحرة النبيلة الكريمة الأصيلة. آآآآآآآآآآآآآه ما أحوجنا لأمثالك

    Ahmad

    ·منذ سنتين 11 شهر
    كلام جميل يعكس حقيقة مرة الا وهي مشكلة الانتماء

    Tmm tota

    ·منذ سنتين 11 شهر
    لَلَأّسِـفُـ سِـيِّبًقُى کْلَأّمً وٌلَأّ شُـيِّئ فُـيِّ بًلَدٍيِّ غُيِّر أّلَظُلَمً
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات