إدارة مناطق "شرق الفرات".. فشلٌ إداري أم نهبٌ للثروات النفطية؟

إدارة مناطق "شرق الفرات".. فشلٌ إداري أم نهبٌ للثروات النفطية؟
قبل أن تتفجر الثورة السورية بسنوات طوال، سُئل عبد القادر قدورة، وكان يشغل منصب رئيس مجلس الشعب لدى النظام السوري، عن الأموال العائدة عن بيع النفط السوري، فأجاب قدورة، بأنها في أيدٍ أمينة.

الأيدي الأمينة، كانت دلالة رمزية لدى النظام، يستخدمها للإشارة لرأسه "حافظ الأسد" آنذاك. أما (الأيدي الأمينة)، التي تصلها الأموال الناجمة عن بيع وتهريب النفط في مناطق "شرق الفرات"، أي مناطق شرق دير الزور وشمال شرق سوريا، فهي لا تزال مجهولة. وهذا يمكن اكتشافه من الجهات المسؤولة عن قطاع النفط والغاز في إدارة سلطة الأمر الواقع في هذه المنطقة.

لا أحد يستطيع تقديم إحصاءات حقيقية عما تنتجه آبار النفط والغاز، ولا أحد يعرف حجم الأموال العائدة من بيع هذه الثروة الوطنية السورية، ولا كيف تتم عملية صرفها، ولا يوجد أي رقابة حقيقية على إدارة هذه الأموال، أو مجموع الواردات المالية لدى سلطات الأمر الواقع بشكل عام في هذه المناطق. 

لكن هذه الأمور، يمكن رؤيتها عبر زاوية أخرى، فلو تتبعنا الأرقام، التي صرّحت بها جهاتٌ تتبع ما يسمى (الإدارة الذاتية) في شمال شرق سوريا، سنجد أن سلطة الأمر الواقع هذه، تقوم بإنتاج أكثر من 80 ألف برميل من النفط الخام يومياً، وهذا يعني عائداتٍ سنويةً  تبلغ ما يتجاوز 1.8 مليار دولار أمريكي.

 هذه الأرقام هي في الحد الأدنى، فهناك من يقول، إن حجم إنتاج النفط من آبار "شرق الفرات"، تتجاوز واقعياً 100ألف برميل يومياً. ما عدا حجم الضرائب المفروضة على الزراعة والتجارة والخدمات، وهي أرقام مالية ليست قليلة، بل يمكن على أساسها رسم خطط تطوير هذه المناطق.

سلطة الأمر الواقع هذه، تقوم بإنتاج أكثر من 80 ألف برميل من النفط الخام يومياً، وهذا يعني عائداتٍ سنويةً  تبلغ ما يتجاوز 1.8 مليار دولار أمريكي.

واقع الحال المعاشي والاقتصادي في "شرق الفرات" يكشف عن أمور عديدة، أول هذه الأمور، هو عدم وجود سياسة اقتصادية ومالية واضحة، وكذلك عدم وجود موازنة مالية سنوية شفّافة، من حيث الواردات المالية، أو ما يخصّ النفقات وأبوابها. وعدم وجود هذه الموازنة، والرقابة عليها، يسمح بهدر أموالها، أو نهبها، بطريقة لا تخدم السكّان.

فلماذا تعتّم (الإدارة الذاتية) التي يقف خلفها حزب الPYD على هذه القضية الهامة، سيما وأن تسريبات تتم من داخل هذه الإدارة تقول: إن إدارة الملف الاقتصادي بما يخصّ النفط والغاز، هي من شأن جهات عليا في حزب الPKK، وهو حزب ليس سورياً، وقيادته لا تنتمي للسوريين، بل آتية من جبال قنديل العراقية.

التعتيم على واردات النفط، وعلى بقية ما يخصّ الملف الاقتصادي في "شرق الفرات" يعني ببساطة تجاوزاً لسكان المنطقة، ومصالحهم، وحقوقهم، هذا التجاوز، يرتبط بذهنيةٍ لدى قوات سوريا الديمقراطية، بأن البترول والغاز هو غنائم حرب، وبالتالي، تتصرف هذه الجهات بهذه الغنائم، وفق ما يخدم سيطرتها وتمدّد مشروعها السياسي، الذي يتناقض جذرياً مع مشروع الشعب السوري بدولة مدنية ديمقراطية تعددية.

لو كانت ما تسمى (الإدارة الذاتية) صاحبة مشروع وطني سوري، لكانت ذهبت إلى وضع أسس حكم حقيقية للمنطقة، وإن كان بشكلٍ مؤقت، كأن تُحدث أجهزة تخطيط حقيقية متخصصة، وتُحدث إدارة للاستثمار الاقتصادي والاجتماعي والعلمي المحلي، تُعنى بوضع وتنفيذ مشاريع استثمار اقتصادية، واجتماعية، وعلمية، تخدم تطور المنطقة.

لكن الأمور هي على غير ذلك، فمنطقة شرق الفرات، التي تفجّرت فيها موجة احتجاجات غاضبة، بعد إصدار ما سُمي القرار 119، القاضي برفع أسعار المشتقات البترولية، انكشف وضع سكانها المعاشي البائس، حيث تبيّن أن نسبة كبيرة من السكّان هي ما دون خط الفقر، رغم غنى المنطقة بالثروات الطبيعية من النفط والغاز، والزراعة بشقيها النباتي والحيواني، يضاف إلى ذلك، وفرة المياه من نهري دجلة والفرات، حيث يمر دجلة في الأراضي السورية المحاذية للعراق مسافة خمسين كيلو متراً.

إن "شرق الفرات" لم يكن ولن يكون أولوية ملموسة لدى قوات سوريا الديمقراطية، أو لدى ما يُسمى (الإدارة الذاتية)، أو لدى حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، والسبب في ذلك، هو تبعية هذه التنظيمات السياسية والإدارية والعسكرية لجهة واحدة، هي جهة حزب العمال الكردستاني، المصنّف بأنه تنظيم إرهابي لدى تركيا والولايات المتحدة وكثير من الدول الأوربية.

منطقة شرق الفرات، التي تفجّرت فيها موجة احتجاجات غاضبة، بعد إصدار ما سُمي القرار 119، القاضي برفع أسعار المشتقات البترولية، انكشف وضع سكانها المعاشي البائس، حيث تبيّن أن نسبة كبيرة من السكّان هي ما دون خط الفقر، رغم غنى المنطقة بالثروات الطبيعية من النفط والغاز، والزراعة بشقيها النباتي والحيواني

هذا الحزب، لا يعمل على مشروع وطني سوري، بل لديه أجندة سياسية عابرة لسوريا، حيث يريد بناء دولة قومية كردية، وفق منظوره السياسي والفكري، تضم كما يدّعي مناطق وجود الأكراد، في كلٍ من تركيا والعراق وسوريا وإيران.

هذه الأسباب، تقف خلف عدم نجاح (الإدارة الذاتية)، في تقديم نموذج حكمٍ محلي سياسيٍ واقتصاديٍ ناجح، لأنها ببساطة أداةٌ غير مستقلة، وتابعة لجهة غير وطنية، وهذا ما يمنعها أن تقوم بتطوير المناطق التابعة لنفوذها في الظروف الحالية.

فغياب شروط النجاح واضحة في كل مستويات ممارستها، فعلى الجانب الاجتماعي، أثبتت (الإدارة الذاتية)، أن قرارها المرقّم ب119، والذي اضطرت إلى سحبه تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية الواسعة، لا يختلف عن بنى قرارات نظام الأسد، من حيث كيفية التخطيط  لنهب لقمة عيش السكان في هذه المناطق، أو من حيث إفقارهم المخطط له، أو التضييق الخطير على حقوقهم في التعبير عن رأيهم، أو رفضهم لسلطة الأمر الواقع، المحتمية بالوجود الأمريكي، والدليل هو فتح النار على المتظاهرين السلميين العرب في الشدّادي وقراها.

كذلك يحق التساؤل عن تفرّد هذه السلطات بإدارة شؤون المنطقة، بعيداً عن مشاركة حرّة لسكانها ومكوناتها، فهي تقدّم فتات الإغراءات لبعض من يرتضي الالتحاق بسلطتها، وفق بنية هذه السلطة وشروط عملها.

 الدليل على ذلك، يكمن بالفشل الذريع الذي لحق بالحوار بين مكوني الكرد السياسيين، (المجلس الوطني الكردي، ومجموعة جبهة حزب الاتحاد الديمقراطي)، أو الحوار الذي جمع مجلس سوريا الديمقراطية(الذراع السياسي لقوات سوريا الديمقراطية مع هيئة التنسيق الوطنية السورية المعارضة، والذي انتهى إلى الفشل، بسبب رفض حزب الاتحاد الديمقراطي التوافق على حقوق السوريين في نفط "شرق الفرات، أو  حول النظام التربوي والتعليمي، الذي تحاول سلطات الأمر الواقع فرضه على السكان غير الكرد.

لم تنجح (الإدارة الذاتية)، في تقديم نموذج حكمٍ محلي سياسيٍ واقتصاديٍ ناجح، لأنها ببساطة أداةٌ غير مستقلة، وتابعة لجهة غير وطنية!

سياسة سلطات الأمر الواقع في شمال شرق سوريا وفي شرقها، تقوم على مبدأ التغيير الديمغرافي لسكان المنطقة، وإحلال سكان جُدد بدلاً عنهم، من خارج سوريا، وهذا الأمر جرى في أكثر من منطقة من مناطق الجزيرة السورية، والغاية منه خلق قاعدة انطلاقٍ للمشروع العابر للوطنية، الذي تقوم على أساسه سياسة حزب الPKK، وتابعه حزب ال PYD.

إن انتهاج مثل هكذا سياسات، يتعارض مع مصالح الشعب السوري، ومع حقوق ومصالح سكان "شرق الفرات"، ولهذا لن تستطيع هذه السياسات تحقيق أي نجاحاتٍ، بسبب تعارضها، وتناقضها، مع المصالح الوطنية السورية.

إن الفصل بين مساري حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني صار ضرورة للمكون الكردي السوري، لأن استمرار هذا المسار، سيقود إلى صراعات بين المكونات السورية في المنطقة، وإلى صراعات بين هذا المسار ودول إقليمية في مقدمتها تركيا، التي تتوجس خطراً منه.

فهل ينجح الوطنيون الكرد في حزب الاتحاد الديمقراطي بهذه الخطوة، ويعملون على إبعاد شبكة كوادر حزب العمال عن سوريا، أم أنهم سيتورطون أكثر فأكثر في وحل صراعاتٍ، لا حاجة للمكون الكردي السوري أو للسوريين بها أبداً؟

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات