الطاغية ومملكة العبيد: أغرب "نصر" في تاريخ البشرية!

الطاغية ومملكة العبيد: أغرب "نصر" في تاريخ البشرية!
نعرّف الطاغية بأنه العبد المطلق للسلطة. وكل طاغية بوصفه عبداً يعلم علم اليقين بأن بقاء عبوديته التي هي جوهر بقائه في السلطة، رهن بتوافر ثلاثة أمور.

أولاً: القوة المادية القمعية بحدودها القصوى.

ثانياً: أدوات استخدام القوة وتنفيذ مهامها في درء الخطر المحدق بوجود الدكتاتور العبد، أدوات تتكون من عبيد خُلص، لم تتجاوز طبيعتها البيولوجية، تدين بالولاء المطلق للطاغية، وتمارس عبوديتها بوهم خادع على أنها ذات حظ من السيادة.

ثالثاً: تعميم العبودية مجتمعياً، بحيث يخضع الناس ويخنعوا للعبد الطاغية.

وهكذا تتكون مملكة العبودية: عبد طاغية، أدوات عبيد، وشعب من العبيد. فيتغير مفهوم الوطن من زمان ومكان يمنحان الشعور بالفرح والحب والكبرياء إلى مكان وزمان يبعثان فيك الخوف وعدم الأمان وكره العالم الذي تعيش فيه.

يتغير مفهوم الوطن في مملكة العبودية من زمان ومكان يمنحان الشعور بالفرح والحب والكبرياء إلى مكان وزمان يبعثان فيك الخوف وعدم الأمان وكره العالم الذي تعيش فيه

 ينقلك نظام الطاغية والعبودية من زمان تملكه إلى زمان مسروق منك، أجل سرقوا الزمان واحتلوا المكان واعتدوا على الكبرياء واغتالوا اللغة وأتوا بكل أشكال الوسخ التاريخي القاتل وقضوا على مفهوم الوطن. 

لكن الطاغية العبد وعبيده، يظنون ظناً بأنهم فلحوا في تحويل الناس المحكومين إلى عبيد، ناسين بأن الناس واعون بعبوديتهم، وبالتالي شاعرون بحريتهم.

فالشرط الأول لتحول العبيد إلى فاعل تاريخي في مسار وعي الحرية لذاتها بالمعنى الهيجلي للكلمة، هو وعي العبيد بعبوديتهم، وهذا شرط ضروري لكفاحهم من أجل حريتهم، أما العبد الذي لا يعي عبوديته، فهو والأشياء التي لا عقل لها سيان. إن وعي العبد بعبوديته يعنى بأن الأصل بحياة الكائن هذا الواعي بعبوديته، هو الحرية. وتصبح العبودية هنا سلباً للحرية، لحرية يعيها العبد. فالعبد، هنا، حر مسلوب الإرادة. 

لكن هيجل لم يتخيل شخصاً فخوراً بعبوديته، ومدافعاً عنها عبر دفاعه الواعي عن سيده.. فالسعداء بعبوديتهم لسيدهم  هم آلة الإجرام الحقيقية التي يمتلكها سيدهم كما قلت. وكما  ُيبذّر المقامر أمواله على طاولة القمار طمعاً بالربح، يبذر مالك العبيد عبيده في ساحة الحرب طمعاً بالنصر.

وعي العبيد بعبوديتهم، شرط ضروري لكفاحهم من أجل حريتهم، أما العبد الذي لا يعي عبوديته، فهو والأشياء التي لا عقل لها سيان

يحول الطاغية الوطن، كل الوطن إلى طاولة قمار، ويقحم عبيده في عالم القتل والحرب أمام الثورة الشعبية، دون أن يكترث بحجم الرأسمال البشري الذي يبذره على طاولة القمار.

وليس هذا فحسب، فإن مالك العبيد وقد خسر على طاولة القمار جل عبيده، يحتاج إلى من يمده بترياق البقاء بأي صورة من الصور.

فيستنجد بسيّد ليبقيه عبداً، والسيد هنا هو دولة قوية ذات مصالح لا تتحقق إلى عبر عبدٍ لها. أو دولة عبودية تمده بعبيد ليلعب بها على طاولة القمار.

تأمل النصر الذي حققته العبودية: إذا كان النصر هزيمة شعب بفضل قوة عالمية عسكرية همجية، ودولة دينية يحكمها ولي فقيه متخلف، وميليشيات طائفية تمثل بقايا الوسخ التاريخي، وفقدان شمال البلاد بمساحة 20 ألف كم2، وفقدان السيادة على الحدود، وتحكم غرباء في سياسة البلاد الخارجية والداخلية، ومقتل مليون سوري، وتهجير عشرة ملايين، وتدمير البنى التحتية، والبحث عن ممولين لإعمار ما دمرته الطائرات التي انهالت قذائفها على البلاد و العباد، إعمار يحتاج إلى 900 مليار دولاراً، واتساع حال الفقر بين السكان، وفقدانهم شروط الحياة من ماء وكهرباء وغاز، إذا كان هذا هو النصر الذي يُفتخر به، فهذا أغرب نصر في تاريخ البشرية، أو قل هكذا تنتصر سلطة همجية على شعب حكمته بالقوة وتريد أن تستمر في حكمه بالقوة. ألا بئس سلطة تفتخر بالخراب والدمار والقتل و فقدان الكرامة، وترى في كل هذا نصراً.

إذا كان النصر هزيمة شعب بفضل قوة عالمية عسكرية همجية، ودولة دينية يحكمها ولي فقيه متخلف، وميليشيات طائفية تمثل بقايا الوسخ التاريخي، وفقدان السيادة على الحدود، وتحكم غرباء في سياسة البلاد الخارجية والداخلية، ومقتل مليون سوري، وتهجير عشرة ملايين، وتدمير البنى التحتية، إذا كان هذا هو النصر الذي يُفتخر به، فهذا أغرب نصر في تاريخ البشرية، 

الطاغية المنتصر يمنحه النصر جثة وليس وطنا، وخراباً ودماراً وفقراً ومجرمي حرب، وأغنياء حرب، ومستعمراً ومن نوع جديد، جاء إليه بدعوة منه، الطاغية يقدم الوطن للمستعمر على طبق من ذهب.

ولأن المستعمر الجديد جاء بفضل الطاغية، ودفاعاً عن وجود الطاغية الذي منحه البلد، فلك أيها القارئ العزيز أن تتخيل طبيعة هذا المستعمر وسلوكه. 

وهذا نحصل على طاغية عبد متخلف تاريخياً، ومستعمر متأخر حضارياً، وهزيمة منكرة للعقل فتكتمل دائرة الدمار الكلي. 

وحين يطرح الشعب، عبر نخبه العقلية السؤال: كيف يمكن تجاوز هذا الدمار، والتحرر من العبودية، فإن الجواب، بوصفه تأملاً ونظراً وممارسة، لن يكون إلا جواباً تاريخياً. جواباً لا يستعجل الزمان، ويوفر الشرط الإرادي للممكن الذي اكتشفه الجواب التاريخي.

التعليقات (5)

    المدينة المنورة

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    ما بعرف شو هاي العقيدة التي يتبعها النظام وموالون له

    دراسات وحقاءق

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    القرداحة اسمها شركسي وصانعي اغا خان الاله صنعوا اله للعلويين الشركس لان دراسات هؤلاء تقول هذا. وحافظ لم يخفي صانعيه لانه كان يهرب البترول لهم.

    علوي علماني

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    كتاباتك تناقش بماء الذهب يا دكتور اللي اتعلمت العلمانية والبراغماتية على يديه بالجامعة . أما بشار الكر فما انتصر على حدا قد طائفته اللي اتقتل شبابا بسبب غباؤه وجحشنته

    مُلحِد مصيافيّ مُندسّ

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    بعد قراءة المقال الرائع، كالعادة، حاولت تخيُّل لحظة اختيار محمد الماغوط لعنوان آخر كتاب له: سأخون وطني! حيث حضر التشبيح انقرضت الوطنية .. لهيك ضروري لعن روح حافر!

    مم

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    لو مطرت حريــة لرأيت العبيد يحملون المظلات
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات