ومنذ وقت طويل كان استنزاف الطاقة الشبابية يمضي وكأنه قدر، وعندما كنت تسأل ابن السويداء ماذا سيعمل ابنك في المستقبل؟، كان يجيبك: إنه سيسافر!.
واتخذ السفر صورة التعددية الطبقية والعائلية والسياسية، فمنهم من ولّى وجهه شطر أمريكا الشمالية ومنهم الجنوبية ومنهم أستراليا... والبعض كانت قدراته كافة تحمله إلى ليبيا القريبة والكثير إلى الإمارات ممن حملوا شهادات، وآخرون ممن تعلموا حرفة.
كانت الأنوثة في ظل ذلك تعيش مأزقاً قاهراً، إذا يفضل ابن الموحّد أن تقضي أخته أو ابنته عازبة على أن تُزوج لغريب، وكثيراً ما تعرضت الجريئة على تلك الخطوة لمصير ظالم أقلّه النكران، وقد يكون في غالب الأحيان القتل!.
وفي سنوات الثورة أو الحرب.. يبلغ الأمر حدّ أن تصبح الكليات إناثاً في معظمها، والوظائف أيضا.. الحرب رسمت المصائر قتلاً وتهجيرا... وكأن ما ينقص الإناث تلك الأقدار!
إلى حد كبير تناقص عدد الذكور وفي إحصاء شبه رسمي بلغت النسبة حدا مخيفا جدا، وعلى حسب المصدر فإن كل أربعين أنثى تقابل بواحد من الذكور، ولك أن تتصور قتامة النتيجة على الاقتصاد أولا، وحرمان المجتمع من قوى عاملة ومنتجة ومنجزة ثانيا.. وإفقار حدّ تجاوز كل الخطوط المحرمة، إلى كارثة اجتماعية تهدد بارتفاع قوائم العزوبية وندرة الحياة الزوجية.. وليس ذلك فقط بل... تبعة الأمر على مسار التقليد والعادة والممنوع والمسموح!
إذاً ستنفلت الحياة من قبضة الطائفة، وستُسجل المساكنة أرقاما معينة، مؤكدة أن نمطا أخرجته الحرب والأزمة يعيش إلى الجوار من العصابات المسلحة وتجار الكبتاغون والقنّب... وأن مجتمعا عمل على التحريم والتجريم يبدو عاجزا.... أمام سيل جارف لفقد مروع وتعويض فيه من الخلل والشطط حدود واسعة!
والمدهش أن تجلس مجاورا لمثقف في ندوة أو مبادرة أو ممثلاً لفئة معينة معارضة أو موالية، ويشبعك كلاما عن الوحدة والوطنية وتجاوز الطائفية، ثم ينتفض برعونة إذا سولت نفس أحدهم الحديث عن زواج مختلط؛ حينها ليذهب كل شيء إلى الجحيم، فلا عقيدة ولا وطنية ولا قومية ولا تمدن.. وليصبح كل مجتمعنا من الإناث، وليعشن مقهورات معزولات أو ضحايا حالات تعويضية.. لكن حذار من تخطي الطائفة!
هنا أبلغكم أن التحرر ليس طقساً، فكل أهل السويداء أصحاب شكيمة وأحرار، ولا يُجبرون الأنثى على الحجاب، لكنهم يقيمون جداراً من حديد للحيلولة دون الزواج المختلط... ويعيبون هذا الزواج بل هو عار أحيانا لا يوازيه أيّ عار.
وأخيرا، حين نتحدث عن مشكلة الزواج وحقوق النساء ومأزق الأنوثة القاهر الذي تعيشه اليوم.. كم تظهر المسافة مبتورة بيننا وبين الوعي والمعرفة والفضيلة الحقيقية.
التعليقات (7)