"حكومة الإنقاذ" تمنع استيراد الخضار و"أورينت" تستوضح: هل أضحت إدلب "دولة مستقلة"؟

"حكومة الإنقاذ" تمنع استيراد الخضار و"أورينت" تستوضح: هل أضحت إدلب "دولة مستقلة"؟
أصدرت ما تسمى (حكومة الإنقاذ) العاملة في مدينة إدلب وريفها المحرر في الآونة الأخيرة، قراراً صادماً ومثيراً للجدل يقضي بمنع استيراد بعض المنتجات الزراعية سواءٌ من تركيا مصدر الاستيراد الرئيسي عبر معبر باب الهوى، أو من منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون السوريتين المجاورتين لإدلب، ما طرح تساؤلاً استنكارياً: "هل أضحت إدلب دولة مستقلة تعتبر قدوم منتجات زراعية من أراض سورية أخرى "استيراداً"؟!!!

القرار أثار امتعاضاً في أوساط المستهلكين، خاصة مع ارتفاع أسعار تلك المنتجات بعد صدور قرار منع استيرادها، وما زاد الطين بلة هو الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي الذي يعانيه أغلب سكان المحرر.

أورينت نت.. تابعت القضية، وحاورت حكومة الإنقاذ للوقوف على حيثيات القرار ودوافعه، كما رصدت نسب ارتفاع الأسعار بعد إصدار هذا القرار وردة فعل السوريين حوله.

حكومة الإنقاذ: قرار المنع يصب في مصلحة المنطقة

الملوخية والبطاطا والبصل، ثلاثة منتجات زراعية تصدرت قائمة المنتجات الممنوع استيرادها، إضافةً لعدة أصناف أخرى وذلك بموجب القرار رقم 292/ص تاريخ 10/7/2021 الصادر عن حكومة الإنقاذ السورية.

بدورها تواصلت (أورينت نت) مع حكومة الإنقاذ، للوقوف على القرار ودواعيه، حيث صرح المهندس (أحمد الحمود) المدير العام للزراعة قائلاً:

 "إن قرار المنع يصب في مصلحة المنطقة بشكل عام على المدى المتوسط والبعيد، نتيجة التشجيع على الزراعة، وخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لكثير من الناس"، وأضاف: "تم منع دخول عدة أصناف من الخضروات نتيجة توفرها في مناطق حكومة الإنقاذ، وذلك دعماً للمنتج المحلي واستمرار المزارع بالزراعة بعد حصوله على هامش ربح بسيط".

ورداً على سؤالنا عن سبب ارتفاع سعر المواد الممنوع استيرادها أكثر من غيرها بشكل مفاجئ ، وأعلى من معدلاتها السنوية، أجاب (الحمود):

 "إن منع الدخول لم يكن السبب الرئيسي والوحيد لارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، حيث إن المزارع يبيع سلعته بسعر التكلفة أحياناً، بل ودون سعر التكلفة أحياناً أخرى، وتم استغلال القرار من قبل التجار والباعة، وقاموا برفع الأسعار بشكل غير مقبول، فكان لزاماً علينا حماية المنتج المحلي، وفعّلنا دور مديرية التموين في ضبط الأسعار ما بين أسواق الهال والباعة، وسيستمر العمل بقرار منع الاستيراد لعدة أصناف مختلفة ومدد زمنية متفاوته حسب مايلي: البصل اليابس والبطاطا يبدأ المنع من تاريخ 1/6/2021 حتى تاريخ 1/10/2021، الكوسا والخيار والجبس يبدأ المنع من تاريخ 1/6/2021 حتى تاريخ 30/8/2021، الفليفلة يبدأ المنع من 15/7/2021 لغاية 15/9/2021، الملوخية يبدأ المنع من تاريخ 1/8/2021 حتى تاريخ 15/9/2021".

قرار المنع.. ومصلحة المزارع

يُعد المزارع الحلقة الأولى من سلسلة الإنتاج الزراعي وخاصة مع ضيق المساحة المزروعة وعزوف كثير من المزارعين والفلاحين عن مهنتهم الأساسية نتيجة لظروف القصف والنزوح وضعف "ذات اليد" والضائقة المادية العامة وغلاء مستلزمات الزراعة والإنتاج بشكل خاص، ولكن يبقى قرار منع استيراد بعض المواد الزراعية متباين المصلحة ما بين "ممنون" و"مظلوم" حسب العائدية الاقتصادية لكلّ منهما. (أحمد  العوان) أحد المزارعين تحدث لأورينت نت عن إيجابية القرار قائلاً: "يصب القرار في مصلحة المزارع المحلي والإنتاج الداخلي كونه يعطيه حقه في السعر المناسب قياساً بتكلفته المادية ويجعل منه صنفاً واحداً في السوق المحلية دون منافسة المستورد الذي قد يؤثر سلباً على تدني سعر المنتجات نتيجةً لكثرة العروض والأصناف". من جهة ثانية قلّت أعداد المزارعين والأراضي الصالحة للزراعة وترك أغلب المزارعين مهنتهم  كونهم يخسرون فيها أو "يرسملون"، أي بمعنى أنهم لا يحققون الربح المرجو.

 فعلى سبيل المثال تبلغ تكلفة دونم البطاطا من الألف إلى الياء حوالي 400 دولار والعام الماضي كثير من زارعي البطاطا خسروا كثيراً أو ربحوا شيئاً قليلاً لا يتناسب مع جهدهم، وهذا القرار قد يصب في مصلحتنا ويمنح سعر منتجاتنا ما يستحقه لضمان الاستمرار بالزراعة". 

بينما يشعر الحاج (أبو احمد) بالظلم نتيجة القرار حيث قال موضحاً: "يجب أن يكون القرار مسؤولاً عن تثبيت أسعار جميع المنتجات الزراعية وليس فقط المنتجات المدرجة بقرار المنع، فسعر الفليفلة مثلاً يناسب زارعيه قياساً مع الباذنجان، والذي أزرعه أنا ويبدو أنني لن أحقق منه أي ربح لهذا العام إذا بقي سعره متدنياً، حيث يبلغ حالياً نصف ليرة تركية، على الرغم من زيادة الطلب عليه في أيام التموين الصيفي".

بين إدلب وعفرين.. أسعار مختلفة لصنف واحد 

"تختلف أسعار المنتجات الزراعية بين إدلب وعفرين بشكل متفاوت لدرجة كبيرة مع أنهما منطقة جغرافية واحدة ومحررة من نظام أسد،  تختلفان عن بعضهما بالجهة المسيطرة على كلّ منهما فقط، وعادةً تكون أسعار سوق إدلب أعلى من سوق عفرين بشيء بسيط نتيجة لتكلفة الشحن، ولكن حالياً ترتفع أسعار إدلب لأكثر من أسعار تكلفة الشحن والنقل بكثير"، وذلك بحسب (أبو نورس) أحد تجار سوق الهال في إدلب، والذي تابع قوله: "من المعروف أن الأسعار تهبط بكثرة البضائع وأنواع الصنف وقلة الطلب، ولكن مع قرار منع الاستيراد وجدنا أنفسنا أمام صنف واحد مجبرين على تسويقه وبالسعر الذي يحدده سماسرة السوق وعدم وجود أي بديل آخر لبعض الأصناف الزراعية، وتحكموا بسعرها بما يناسبهم، الأمر الذي أحدث الاختلاف الكبير بين أسواق إدلب وعفرين، فمثلاً سعر الكيلوغرام من البطاطا في سوق عفرين 1،25 ليرة تركية، وفي سوق إدلب 2 ليرة تركية، والبصل بـ 30 قرشاً وبإدلب 85 قرشاً تركياً، والخيار والجبس في عفرين بـ 1 ليرة وبإدلب 2 ليرة تركية، والملوخية في عفرين 75 قرشاً وفي إدلب 1،25 ليرة تركية، والقرار يصب في مصلحة المزارع بالمرتبة الأولى حيث إنه ضاعف هامش ونسبة ربحه المعتاد، على خلاف المستهلك، ناهيك عن ضعف الإقبال والحركة الشرائية".

المستهلك الحلقة الأضعف!

يعاني غالبية سكان محافظة إدلب من ارتفاع اسعار المنتجات بشكل عام والخضروات بشكل خاص، قياساً مع ضعف المردود المادي نتيجة للأوضاع المعيشية الصعبة، ولا سيما مع قدوم فترة التموين الصيفي وازدياد الطلب على الخضروات بالدرجة الأولى، حيث بدت تعابير الوجوه وعبارات التذمر واضحة على أغلبية المواطنين "المستهلكين" الذين سألناهم عن الأسعار بعد قرار المنع خلال إجراء التحقيق في سوق هال مدينة إدلب، وتكلم بلسان حالهم (أبو حسن)  النازح من ريف إدلب الجنوبي بقوله: "يهمني جهز مونتي ومابهمني مصدرها.. مستحيل الفقير يقدر يمون حالياً فالأسعار ما بتناسب أغلب الناس وكل سنة أكثر من سنة، ومن المفترض أن يكون هناك تبادل تجاري ما بين إدلب ومناطق عفرين والباب وحتى تركيا للتخفيف عن المواطن وليس العكس، ودعم المزارعين لا يكون على حساب المستهلكين أبداً، فكل دولة أو حكومة تقوم بالأساس لخدمة المواطنين فقط".

الجدير بالذكر أن معظم الأهالي ينشطون في مثل هذا الوقت من السنة لتجهيز "مونة الشتاء" كالملوخية "وقديد" الباذنجان ودقة الفليفلة، كصبغة تراثية وتدبير وقائي لوضع الشتاء القاسي، ولكن مع الوضع الحالي ،بغض النظر عن المشكلة أو السبب والمسبب، تغاضى كثير من السوريين عن تلك الموروثات مجبرين، ليطبقوا مقولة "باكل اليوم ولبكرا يفرجها الله".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات