صراع الجثث

صراع الجثث
يجمع أغلب فلاسفة التاريخ على أطروحة مفادها أن التاريخ سيرورة إلى الأمام، ويضيف بعضهم أنه سيرورة تقدم، دون أن ينفوا أنّ هناك مراحل تراجع تاريخي، لأسباب كثيرة ومصادفات متنوعة، فالغزو المغولي-التتري- أدى إلى تراجع تاريخي، والحالة الأسدية حالة كارثية في التراجع التاريخي لسوريا وهكذا. 

لن ندخل في نقاش حول مفهوم التقدم الذي تنفيه المدرسة البنيوية وتؤكده المدرسة التاريخانية، ولا في عمر الدولة الخلدوني من حيث البداية والذروة والانتحار، ولكن الثابت أن التاريخ يشهد تحولات وتغيرات عاصفة مهما مر بحالات تراجع ونكوص. بل إن العواصف التاريخية الداخلية أهم علامات التغير التاريخي.

الغزو المغولي-التتري أدى إلى تراجع تاريخي، والحالة الأسدية حالة كارثية في التراجع التاريخي لسوريا

إن حدوث التغيرات العاصفة في الوعي على مستوى الكوكب، مع وجود تفاوت في درجة الوعي المطابق للثورات المعرفية بين هذه الأمة أو تلك، وانتشار المعرفة وجعلها في متناول اليد، بسبب عالم النت، قد غيّر في جوهر الوعي التاريخي الإنساني، ومعنى السيرورة التاريخية المتسارعة في العالم، غير أن التاريخ يمر في بعض الأحايين في ما سميناه في بعض مقالاتنا بالركود التاريخي. والركود التاريخي نوع من الثبات المجتمعي بسبب غياب أو تغييب قوى اجتماعية محرِّكة للتاريخ، بحيث يسود نوع من الاستنقاع الذي يخلق مع الأيام ما أسميه جثثاً مجتمعية. 

والجثث هذه بفعل الركود التاريخي قوى عمياء مؤلفة من قوى كانت مسيطرة وقامعة للسيرورة التاريخية ومحتكرة للقوة المادية، وقوى نكوصية ليس لديها وعي بالتجاوز الأرقى، وسرعان ما تتحول هاتان القوتان في حال تفسخ التاريخ الراكد إلى جثتين متصارعتين متشابهتين غير متناقضتين.

يتميز صراع الجثث هذا بحالة عنفية مطلَقة لا يؤدي ولن يؤدي إلا إلى عملية دفن الواحدة للأخرى، وإذا ما طال أمد عملية الدفن المتبادل، دون بروز قوة حية جديدة بفعل فكرة الخلاص الإنساني، تطرح البديل الأرقى وتعمل على تحقيقه، فإن الدمار الشامل سيعم البلاد والعباد. صحيح أن التاريخ الراكد يعقّد من عملية ظهور الوليد على نحو كامل، غير أن المجتمع ورغبة البشر في التحرر من الجثث التي تحول بين حريته وكرامته وسعادته سرعان ما يخلق البديل الخلاصي الواعد.

لكن البديل الأرقى، إن ظهر، وهو يظهر في الغالب كقوة خلاصية، قد يجد نفسه أمام مشكلة صعبة ألا وهي أنه على الرغم من الصراع الدامي بين الجثث فإن الجثث بدورها تقوم في مواجهة البديل الحي والمولود التاريخي الجديد، لأنه يشكل النقيض الحقيقي للتاريخ الجثة، بل تكون الجثث هذه أكثر حقداً ودموية ضد البديل من حقدها ودمويتها على بعضها.

تميز صراع الجثث بحالة عنفية مطلَقة لا يؤدي ولن يؤدي إلا إلى عملية دفن الواحدة للأخرى، وإذا ما طال أمد عملية الدفن المتبادل، دون بروز قوة حية جديدة بفعل فكرة الخلاص الإنساني، تطرح البديل الأرقى وتعمل على تحقيقه، فإن الدمار الشامل سيعم البلاد والعباد

وهكذا نكون أمام نوعين من الصراع: صراع الجثث غير المثمر، لأنه صراع المتشابهين، وصراع مثمر وهو الصراع بين الجثث من جهة وبين القوى الخلاصية الجديدة من جهة أخرى، وهو الصراع المثمر لأنه صراع بين المتناقضين.

تخلف الجثث المتصارعة وراءها بعد هزيمتها كارثة وجودية من دمار الحياة، قتل وتهديم وثارات وأحقاد، هيهات أن يتجاوزها الزمن أو يكون قادراً على محوها، بل إن عملية إعادة الحياة إلى التاريخ تتطلب جهداً هائلاً وطاقات تفوق قدرة البشر العاديين.

إن عملية إعادة الحياة إلى التاريخ تتطلب جهداً هائلاً وطاقات تفوق قدرة البشر العاديين.

ومن هنا تبرز أهمية وعي الوليد المتجاوز لخطر الصراع بين الجثث، ولخطر القوة العمياء للجثة قبل دفنها.

الجماعة المتخلفة الحاكمة في سوريا  الآن  وميليشياتها الطائفية جثث، والقوى المؤهلة للكفاح ضدها هي القوى الحية، الجسد الوليد، وليس الجثث التي هي على شاكلتها.

التعليقات (1)

    جلجامش بن اوروك

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    كثير مما قاله الاستاذ صحيح ولكن الجيش الحر عندما تكون اول مرة لم يكن ردة فعل طائفي او عنصري بل كان مجموعة من الظباط والجنود المندفعين نحو الحرية. القوى الاستعمارية والنظام الايراني جزء منها مع الاموال التي تدفقت من حانات العهر النفطي هي التي احيت كل انواع الجثث الطائفية والعنصرية والتي لاعلاقة لها بدين او بدنيا.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات