دمشق في سبات
غدت اليوم دمشق خاوية على عروشها موحشة مظلمة يكسوها الظلام كل مساء وسط صمت مطبق يخيم على مدينة الياسمين بعد أن كانت تعج بالحياة والزحام.
فكيف هو الحال إذا أصبحت دمشق الخاضعة لسيطرة النظام وتشكل الثقل السكاني الأكبر عن باقي المحافظات من دون الدمشقيين فهل ضاقت عاصمة الأمويين بأهلها الذين غادروها بسبب الحرب والظروف المعيشية غير المسبوقة في ظل سيطرة النظام عليها ورغبة من تبقى من سكانها بالهجرة لا سيما فئة الشباب تفاديا للخدمة العسكرية الإلزامية.
تهميش ملامح العاصمة.
أضحت دمشق تعج بالغرباء و لاسيما الطائفة الشيعية التي تمارس طقوسها في أحياء دمشق وتعزز الفكر الشيعي عبر إحيائها لمناسبات دينية وطقوس لم يعتد الدمشقيون عليها، فلا يترك الشيعة مناسبة إلا وترى لافتات طائفية تملأ شوارع دمشق وآخرها بمناسبة ذكرى يوم عاشوراء مثل "يا لثارات حسين .. لبيك يا أبا فضل العباس ". حيث يقومون باللطم في سوق الحميدية الشهير فضلا عن الوجود العسكري في حي السيدة زينب وسط دمشق كما إنهم بدؤوا يتملكون أراضي ومنازل جنوب دمشق بسعي من الميليشيات الإيرانية لتطويق العاصمة دمشق وتهجير السنة من مدينتهم.
كيف ينظر المهجر لدمشق الآن ؟
يرى محمد نابلسي المهجر خارج دمشق أن المشكلة ليست بالطقوس الشيعية أبداً، بل بوجود الميليشيات الإيرانية التي هرولت لإنقاذ النظام من السقوط وهي اليوم منتشرة في معظم المناطق والأحياء السنية والمسيحية، كما هددت الأهالي بالحرق والإبادة وهي إلى اليوم في تمدد أكثر وتمارس عادات غريبة على المدينة لم تقتصر فقط على إطلاق شعائر دينية، مضيفا أن "الشام باختصار لم تعد لنا وعودتنا مرهونة برحيل رأس النظام ومحاكمته وإعادة الإعمار"، بحسب قوله.
لا يوجد مستقبل
علاء (30 عاما)، شاب سوري مقيم في تركيا، غادر دمشق منذ عام 2013، بالرغم أنه كان يعمل ممرضا في مشفى لكن مع ذلك الراتب لم يكن يكفيه لدفع الإيجار والمصروف، والذي يمنعه من العودة عدة أمور منها أن اقتصاد البلد منهار كليا وغلاء الأسعار فضلا عن قلة فرص العمل والتضييق الأمني الذي لا يزال موجودا، مشيراً إلى أن ظروف كورونا رغم تأثيرها الشديد على فرص عمل للشباب خارج البلد ومكوث معظم السوريين في المنازل لم يدفعهم ذلك للعودة وإن اضطروا فالمناطق المحررة وجهتهم الوحيدة بحسب قوله .
الدافع والمانع للهجرة
عدد ليس بقليل ممن هم داخل مدينة دمشق يرغبون بالهجرة خارج البلاد لأسباب عديدة أهمها انعدام أبسط مقومات الحياة كالكهرباء والمياه ووضع التعليم الذي أصبح في أدنى مستوياته والأزمات الاقتصادية بسبب تدهور الليرة السورية، فضلا عن تفشي فيروس كورونا وازدياد حالات السرقة والاختطاف وفقدان الأمان والفوضى،
ورغم سعي نظام أسد إلى إظهار انتصاره المزيف من خلال محاولة إظهار صورة دمشق بصورة مختلفة عن واقعها الحقيقي الذي تعانيه المدينة الغاضبة، في وقت يعاني سكانها حتى من الرحيل عنها بسبب ارتفاع تكاليف الهجرة إلا من استطاع إليها سبيلا وصعوبات الحصول على الفيزا أو حتى جواز السفر، وبعضهم لا يزال يتمسك بالروابط الأسرية أو يتخوف من الممارسات العنصرية التي يتعرض لها بعض اللاجئين السوريين في دول اللجوء وفق ما قالوا.
الشام لم تعد لأهلها بل للغرباء
ليلى تقي الدين عادت إلى دمشق منذ نحو سنتين وتسكن في إحدى أحياء المدينة، تقول لأورينت نت إنه ليس فقط الناس تغيرت، بل حتى الشجر والحجر تغيروا، الحرب لم تترك شيئا على حاله وتضيف أن من أكثر المشاهد اليومية والتي لم يعتد سكان دمشق على رؤيتها هي صورة الأطفال وهي تنبش في الحاويات بحثا عن شيء تأكله، ناهيك عن ملامح الرجال المتعبة وهم يحدثون أنفسهم في الطريق عن غلاء الأسعار التي صارت جزءا من معاناتهم اليومية، مشيرة أن الشام لم تعد لأهلها وأضحت للغرباء .
كمشة ذكريات … تكفينا
كمال ٣٥ عاما مهندس يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن غادر دمشق بسبب الحرب يقول "من المستحيل أن أعود إلى مدينتي، فلم يتبقّ لي شيء فيها بعد أن استحوذ النظام على منزلنا وصار باسم أحد ضباطه، وحتى الآن لا أفهم كيف حصل ذلك بعد أن دخلت قواته منطقة القدم في دمشق، كل ما يمكنني فعله أن أحتفظ بذكريات تجمعني بدمشق، ألملم بها جراح الغربة، لكن في الوقت نفسه أفرح عندما أعلم أن أحد السوريين خرج من البلد بفيزا أو بطريقة ما فلم يعد موجودا ما كنا نعيش لأجله، وإني أشجع أي شخص من سكان دمشق على مغادرتها لانعدام الحياة بها وليس الخدمات فقط، بحسب قوله.
تعز علينا ونحن غرباء عنها فكيف بأهلها
أحد أبناء مدينة حمص الذي هجر منها إلى دمشق بسبب حملة قصف النظام يقول إن مدة إقامته في دمشق لم تتجاوز السنتين، إلا أنه بسبب الغلاء و"عيشة الذل" الذي يختصرها الوقوف على طوابير الخبز والانتشار الأمني الكثيف اضطر للنزوح إلى المناطق المحررة، مضيفا "يعز علينا فراقها ونحن الغرباء فكيف بأهلها".
يحدثنا ربيع دقاق الناشط الحقوقي وأحد أبناء مدينة دمشق ويقيم حاليا في ألمانيا أن هناك مايقارب 500 ألف من أهالي دمشق وهم أصحاب رؤوس الأموال لجؤوا إلى مصر لكن بينما حوالي المليون شخص توزع بين تركيا وأوروبا، أما عن الطائفة المسيحية من أبناء دمشق فقد بلغت نسبتهم حوالي 200 ألف توزعوا بين كندا وأمريكا وأستراليا. لافتا أن نسبة كبيرة من المعتقلين من مدينة دمشق وريفها تم ردعهم من قبل النظام إما بالاعتقال أو عبر الاختفاء القسري مشيرا أن النظام نجح في إخفاء إحصائيات تشير إلى هجرة أهالي دمشق.
وصنفت العاصمة دمشق أسوأ مدن العالم بالنسبة للمعيشة، بحسب مجلة الإيكونومست العام الماضي وبحسب دراسة قدمها مركز “السياسات وبحوث العمليات” (OPC) في أيار الماضي، أسندت إلى مدينة دمشق كونها تضم “حوالي 1.8 مليون نسمة، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة في أيار عام 2020، وهي نسبة تقل عن 10% من إجمالي سكان البلاد”، وفق الدراسة.
كما أن مدينة دمشق جذبت موجات نزوح عديدة من سكان الأرياف، خلال سنوات الثورة السورية وما تبعها من تطورات حتى 2014، فكانت محافظتا دمشق وريفها قد استقبلت حوالي 42% من إجمالي النازحين داخليا في سوريا، في حين لا توجد إحصائية لعدد أهالي دمشق الذين هاجروا إلى الشتات واقتصرت الإحصائيات بحسب مكتب منسقو استجابة سوريا الذي أشار أن حوالي 200 ألف مدني من سكان دمشق هجروا قسرا إلى شمال غرب سوريا بين عامي 2016 و 2018.
التعليقات (9)