مناشر الحجر بالشمال السوري: مهنة خطرة والإنتاج يغزو قبرص واليونان ومصر وبلجيكا

مناشر الحجر بالشمال السوري: مهنة خطرة والإنتاج يغزو قبرص واليونان ومصر وبلجيكا
عشر سنوات من الحرب في سوريا، كانت كفيلة بمسح الكثير من أنماط الحياة وتدمير معالم الحضارة وإرث الأجداد، مدن بأكملها هجرت، ومنشآت كاملة دُمرت، ومعامل ومصالح أغلقت، ومئات من المهن والورشات أُهملت وآلاف من الحرفيين حُرموا مصدر عيشهم.. كل هذا بفعل آلة القتل والإجرام لنظام أسد وحلفائه من الميليشيات الإيرانية وجيش الاحتلال الروسي الذي اتبع سياسة الأرض المحروقة. رغم هذا كله تبدو إرادة السوريين المجبولين على حب العمل أقوى من أن تستسلم للخراب.. ولأن الحياة لا تقف عند أحد ولا بد لعجلتها من الاستمرار، تشهد المناطق المحررة مؤخراً حالة من النهوض في مختلف المجالات ولا سيما الصناعية منها وفي مقدمتها "مناشر الحجر" والتي عادت للظهور إلى الواجهة  نظراً للحاجة الملحة لها في عمليات البناء. 

من (خان السبل) المهجرة... إلى (سرمدا) المستفيدة دوما!

مع الهدوء النسبي الذي تشهده المنطقة المحررة بالعموم، وفي مدينة إدلب وريفها الشمالي على وجه الخصوص، عادت مهنة حجر النشر المشغول للازدهار من جديد تلبيةً لطلب السوق المحلية المتزايد، نتيجة للحركة العمرانية الكبيرة التي نشطت على قدم وساق بسبب ارتفاع أعداد السكان وضيق المساحة الجغرافية المعدة للسكن. 

حول هذا الأمر تحدث لأورينت نت (عبد القادر الشعار) صاحب أحد مناشر الحجر في مدينة (سرمدا) قائلاً:  "لطالما حظيت مهنة حجر النشر باهتمام واسع وحرفية دقيقة جعلت من الحجر السوري من أولى متطلبات السوق المحلي والعالمي وأكثرها طلباً نتيجة لجمالية الحجر ودقة شغله، وكانت مدينة (خان السبل) بريف إدلب الجنوبي تحتل المرتبة الأولى بالحرفية وفرادة النوع المشغول عندهم، ومع سيطرة ميليشيا أسد الطائفية على تلك المنطقة حمل قسم من الحرفيين معداتهم ومنشآتهم إلى الشمال السوري ليتم العمل بها واستثمارها بعد توقفها لفترة معينة بسبب شدة القصف وعدم استقرار المنطقة أمنياً، ناهيك عن إغلاق معابر التصدير".

وأضاف (الشعار) حالياً وبعد انخفاض وتيرة القصف، وتراجع حالة القلق من تقدم عسكري محتمل لنظام أسد نحو المناطق المحررة، عادت معظم المناشر للعمل، إضافةً لتلك التي نزحت مع أصحابها إلى مناطقنا، الأمر الذي أوجد تنافسا حرفيا في الإنتاج، وكمية كبيرة تغطي أي طلب، وزاد في الازدهار السماح بالتصدير عبر معبر باب الهوى لدول العالم".

عشرات المناشر والآف العمال

في الأشهر الأخيرة ارتفع عدد المناشر وزاد عدد العاملين فيها حيث بلغ حوالي 150 منشرة يعمل فيها أكثر من 7000 عامل، وذلك بحسب (سعيد باشا)  صاحب إحدى مناشر الحجر في بلدة "كللي" بريف إدلب الشمالي والذي قال "تشتهر منطقتنا بالحجر الأرمنازي بلونيه الزهري والعسلي، حيث يأتي بمقدمة حجر التصدير المعد للتلبيس، نظراً لجودته المميزة ودقه شغله الرائعة، بينما يحتل حجر قرية (الشيخ بحر) الأصفر وحجر مظينة (سرمدا) الأبيض المرتبة الثانية في التصدير عبر معبر باب الهوى إلى دول اليونان وقبرص بالدرجة الأولى وإلى مصر وبلجيكا ودول الخليج بالدرجة الثانية، وبالمقابل يتم استيراد الحجر التركي والمعروف ب "المولي" ويليه الغرانيت المصري والهندي، حيث يدخل بطبليات صخرية كبيرة جداً، ليتم بعدها إخضاعه لعملية "الشرح" والتصنيع الدقيق بعد مرحلة الفرز والتنقية، ويترواح سعر الحجر المشغول الجاهز للاستخدام مابين 2 إلى 13 دولارا أمريكيا للمتر الواحد، بحسب جودته ونوعه ولونه أيضاً"

معبر باب الهوى.. تشجيع وتسهيلات 

وكغيرها من السلع والمنتجات، تخضع عملية الترانزيت للحجر المشغول وكذلك الخام لآلية معينة تضمن سلاسة العملية بشكل أفضل، وعن عملية الاستيراد والتصدير ودور المعبر في ذلك تحدث لأورينت نت (مازن علوش) مدير العلاقات العامة والإعلام بالمعبر قائلاً: "يعمل باب الهوى على تشجيع الحركة الصناعية، ويدعم الإخوة الصناعيين والحرفيين لتصدير منتجاتهم عبر تركيا إلى شتى بقاع العالم، ويعد حجر النشر كغيره من السلع المسموح بإدخالها إلى المحرر إو تصديرها منه، وليس لها أي معاملة خاصة أو مميزة، ويشهد المعبر حركة تصدير أكثر بكثير من الاستيراد خاصة خلال السنتين الماضيتين، ضمن شاحنات نقل  مخصصة، وتم تصدير مايقارب 2400 شاحنة محملة بحوالي 65 ألف طن من الحجر المشغول خلال النصف الأول من العام الجاري، وهناك رسوم رمزية قابلة للخفض والرفع بحسب قرارات إدارة المعبر خلال فترات معينة من السنة فأحياناً تكون خمس دولارات للطن الواحد وأحياناً أخرى ترتفع لعشر دولارات للطن وبعدها تنخفض لخمس دولارات وهكذا..".

مهنة خطرة... ولكن

وتبقى مناشر الحجر من المهن الشاقة والخطيرة في آن واحد، كونها على تماس مباشر مع أدوات وآلات حادة وخاصةً المعروفة بـ "القصاصة" ويتوجب الحذر عند التعامل معها، وذلك بحسب (غازي العليان) أحد العاملين في منشرة للحجر في ريف إدلب الشمالي حيث قال "أصبت بجروح بليغة مرتين في كف يدي اليمنى كوني أعمل "بالصاروخ" فالعمل بالمنشرة خطير وطويل يستهلك ساعات كثيرة، ولكن مع تلك الخطورة والصعوبة يبقى العمل أفضل من البطالة، وتؤمن المناشر فرص عمل لابأس بها كونها تحتاج ليد عاملة في كل مرحلة من مراحل العمل و الإنتاج، وأجرة العمل اليومي لا بأس بها في ظل الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه الغالبية".

والجدير بالذكر أن مدينة إدلب وريفها تشهد حركة عمرانية مزدهرة،  ماجعل الحاجة للحجر المشغول في ازدياد، والتي تتجلى فيها اللمسة السورية وبراعة الحرفيين الإبداعية، بعيداً عن حضن الأسد الذي يمتهن التدمير بعكس من ثار في وجهه.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات