هل هناك انسحاب أمريكي من سوريا والعراق ؟

هل هناك انسحاب أمريكي من سوريا والعراق ؟
من الطبيعي أن تضع الهجمات الأخيرة التي شنها تنظيم داعش، ضد ميليشيات أسد وإيران في سوريا والعراق، الحديث عن احتمالية الانسحاب الأمريكي من البلدين في دائرة البحث مجدداً، خاصة أن الهدف المعلن لوجود الولايات المتحدة فيهما هو محاربة التنظيم.

فقد استيقظ العراقيون فجر الأحد الماضي على هجومين هما الأعنف لداعش منذ إعلان هزيمته في هذا البلد عام 2017، في كل من كركوك حيث سقط 16 من قوات الشرطة الاتحادية، وفي نينوى التي قتل فيها أربعة من أفراد الجيش، تلاه هجومان آخران في بادية تدمر، وسط سوريا، وأديا إلى مصرع ما لا يقل عن عشرة من ميليشيات أسد.

عمليات نوعية أكد من خلالها التنظيم أنه ما زال يمتلك قدرات جيدة، لكن هذه العمليات تخدم بلا شك تحفظات فريق قوي داخل الإدارة الأمريكية حيال المطالب بمغادرة سوريا والعراق، إلى درجة قد تجعل خصوم واشنطن ومنافسيها في هذين البلدين يوجّهون اتهامات لها بالتآمر في هذه الهجمات.

وسبق أن اتهمت إيران وقادة ميليشيات تابعة لها في العراق، أمريكا بالتغاضي (على الأقل) عن عمليات سابقة نفذها داعش، كما إن روسيا لم تتوانَ في مناسبات كثيرة عن توجيه الاتهام بشكل صريح إلى الولايات المتحدة بدعم التنظيم، سواء في سوريا أو حتى في أفغانستان. ورغم أن هذه الاتهامات قد توقفت على الصعيد الرسمي منذ لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الأمريكي جو بايدن في جنيف، منتصف حزيران/يونيو الماضي، إلا أنه من غير المستبعد بالنسبة للكثيرين أن تكون واشنطن مستفيدة بالفعل من الهجمات التي يشنها داعش ضد ميليشيا أسد وحلفائه في منطقة البادية السورية.

ففي شباط/فبراير 2021 قال رئيس منظمة الدفاع المدني في إيران العميد غلام رضا جلالي: إن استراتيجية الرئيس الأمريكي جو بايدن تكمن في جمع وإعادة تنظيم وتجهيز فلول داعش في المنطقة بين سوريا والعراق، مؤكدا أن هذه الاستراتيجية "محكوم عليها بالفشل".

ولعل الهجمات الأخيرة للتنظيم التي شنها في كل من العراق وسوريا على مدار الأيام الأخيرة الماضية، ستشكل مناسبة مُلهمة بالنسبة لكل من يعتقد بأن داعش على وفاق مع الأجندات  الأمريكية في هذين البلدين، وتحديداً فيما يتعلق بالمنافسة بين الولايات المتحدة وكل من روسيا وإيران.

ويرى المحلل السياسي السوري فراس علاوي أن التنظيم بات بشكل أو بآخر أحد أدوات واشنطن في عرقلة مخططات خصومها وضرب تطلعاتهما، سواء الرامية إلى إخراج قواتها من سوريا والعراق، أو منع طهران وموسكو من جني ثمار نجاحاتهما العسكرية فيهما.

ويضيف في تصريح لـ"أورينت": "تنظيم داعش لم ينتهِ تنظيمياً ولا زال يحتفظ بقوة معقولة على الصعيد العسكري، وأنا أؤمن بأن هناك استثماراً قوياً به من قبل عدة أطراف، وعليه فمن غير المستبعد بالنسبة لي أن يكون هناك غض طرف من قبل الولايات المتحدة عن تحركات أو هجمات يشنها التنظيم وتخدم أجندتها، خاصة تلك التي تستهدف خصومها، بل إن هناك تسهيلاً لانتقال عناصر وقادة في داعش من المناطق التي يسيطر عليها التحالف في غرب العراق إلى مناطق انتشار الميليشيات الإيرانية وقوات النظام في سوريا".

ويتابع علاوي: "بكل الأحوال، فإن نشاط التنظيم مؤخراً يخدم مصلحة الولايات المتحدة أياً كان توجهها، فمن جهة إذا كانت إرادة الانسحاب هي الغالبة في واشنطن بالفعل، فإن ما حصل يمكن أن يوظَّف في دوائر صنع القرار والإعلام من أجل الترويج لخطورة البقاء الأمريكي وضرورة الانسحاب بحجة المخاطر التي يمكن أن يتسبب بها التنظيم، كما إن هذا النشاط في الوقت نفسه يمكن أن يعزز موقف المسؤولين في الإدارة الأمريكية الرافضين للانسحاب من سوريا والعراق، حيث سيؤكد حجتهم بأن داعش لا يزال قوياً وأن الحاجة للبقاء من أجل استمرار مكافحته لا تزال ملحّة.

ورغم أن علاوي يختم حديثه بالإشارة إلى نقطة مهمة، وهي أن الكل مستفيد من الهجمات الأخيرة للتنظيم، بما في ذلك إيران  كقوة متدخلة في العراق بحجة محاربة داعش أيضاً، إلى جانب الولايات المتحدة بطبيعة الحال والتنظيم نفسه، حيث تبقيه مثل هذه العمليات تحت الضوء الإعلامي على الأقل، ما يرجح باستمرار نظرية التوظيف، إلا أنه مع ذلك توجد الكثير من المؤشرات المعتبَرة على نية أمريكية قوية بالخروج من سوريا والعراق، استكمالاً لاستراتيجية مغادرة المنطقة وإنهاء التدخل فيها التي يبدو أن بايدن يتبناها.

وبينما أكد مساعد وزير الخارجية الأمريكي بالوكالة لشؤون الشرق الأدنى جوي هود خلال لقائه مع مسؤولين أكراد في تنظيم ب ي د في الثالث من أيلول/سبتمبر الجاري أن "سيناريو أفغانستان لن يتكرر في العراق وسوريا،  وأن قوات بلاده لن تنسحب من هناك"، إلا أن مصادر في الإدارة الأمريكية أبلغت "أورينت" أن بقاء هذه القوات في سوريا لن يستمر طويلاً.

ويبدو بالفعل أن تصريحات هود لم تكن كافية لتطمين قادة ب ي د ، المهيمين على ميليشيا "قسد"، وإدارة مناطق شرق الفرات، حيث أبلغت إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية "مسد"، مرتين على الأقل خلال الشهر الماضي، زملاءها من المدنيين والعسكريين، بالاستعداد لسيناريو الانسحاب الأمريكي.

وبعد سماعها لتصريحات هود، استمرت أحمد في عدم التعبير عن ثقتها بهذه التطمينات، حيث أكدت في تصريحات صحفية بعد يوم واحد أنها "أبلغت الجانب الأمريكي أن الحل السياسي بسوريا لم يأت بعد، وأن وجودهم ضمانة للوصول إلى تفاهمات سياسية، وبغياب الراعي الأمريكي ستكون هناك مخاطر على مستقبل المنطقة في حال قررت الانسحاب"، مضيفة: "بالاستفادة من التجارب السابقة نحن دائماً نبحث عن بدائل، ونرى من الضروري أن يكون لدينا حلفاء وبدائل، لحماية مكتسبات شعبنا وعدم تعرضهم لانتكاسات ثانية".

البحث عن بدائل واستمرار التشبيك مع حلفاء آخرين، بمن فيهم روسيا، كان أحد الخيارات التي أفصحت عنها القيادية الكردية التي تتخوف بشكل جدي من أن يسمح الغياب الأمريكي لتركيا بسحق ما تحقق لهم في شمال شرق سوريا، خاصة أنها كانت تستعرض أمامها على الشاشات مشاهد الانسحاب الأمريكي المتهافت من أفغانستان.

إلا أن المحلل العسكري العقيد عبد الجبار العكيدي لا يبدو واثقاً من أن الولايات المتحدة تريد تكرار ما حصل هناك في سوريا أو حتى العراق، ويعتقد أن هناك خيارات أخرى يمكن لإدارة بايدن اللجوء إليها بهذا الشأن.

العكيدي قال في تصريحات لـ"أورينت": "رغم وجود مزاج أمريكي عام، على الصعيد الشعبي والرسمي، بالرغبة بمغادرة مناطق الأزمات والانكفاء عن بؤر التوتر في العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط بطبيعة الأمر، ولكن غير واضح أنه سيكون هناك على المدى المنظور انسحاب أمريكي من سوريا، ولذا فالمرجح هو عملية إعادة تموضع وتقليص عدد القوات والاستعاضة عنها بالتكنولوجيا.

وأضاف: "لا يوجد أي سبب يضغط على الإدارة الأمريكية لتنفيذ انسحاب مستعجل من سوريا والعراق كما حصل في أفغانستان، فليس هناك خسائر بشرية تجعل الشعب الأمريكي ناقماً ويطالب بإعادة أبنائه، ولا حتى تكاليف مادية لأن الوجود العسكري للولايات المتحدة في هذين البلدين مغطّى من صندوق التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وبالتالي لماذا تغادر وتخسر موطئ قدم مجانياً يتيح لها التحكم والضغط بملفين مهمين من ملفات المنطقة؟!

ومع ذلك يرى العكيدي أنه في النهاية ستغادر قوات الولايات المتحدة سوريا لكن بعد أن يتم التوصل إلى حل سياسي نهائي، لكنها لن تغادر المنطقة تماماً، بل ستنقل هذه القوات إلى الأردن.

وبالفعل يبدو أن الأردن يتحول بمرور الوقت إلى المركز الرئيسي لتجمع القوات الأمريكية في غرب آسيا، بعد تنفيذ البنتاغون عدة عمليات إعادة انتشار من قواعده في السعودية وقطر، شملت قواعد رئيسية هناك خلال الأشهر الأخيرة الماضية، ما يؤكد أن واشنطن ورغم كل ما لديها من نوايا بالانسحاب إلا أنها لا تزال متعلقة بالمنطقة.

وتجمع بين واشنطن وعمّان اتفاقية موقعة بينهما، في فبراير/ شباط 2021، و تنص على تمركز قوات أمريكية في الأردن لمدة 15 عاماً، بما يشمل إقامة 12 قاعدة جوية وبحرية و4 قواعد تدريبية، يحق للطرفين استخدامها بشكل مشترك. 

ومع تنفيذ هذه الاتفاقية، ستصبح القاعدة الصحراوية التي تبعد مئتي كيلو متر عن الحدود العراقية، الأكبر بين القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، وبمدرج يستوعب طائرات عملاقة c17 والطائرات الحربية f15 وf16وf35، بينما سيكون عدد الجنود الأمريكيين المتمركزين في القواعد الأردنية قرابة 6000 جندي، ومن المتوقع زيادة العدد بمرور الوقت.

تموضع أمريكي يبدو مرجحاً بالفعل، خاصة أنه يتيح الابتعاد عن تهديد قذائف الميليشيات العراقية الموالية لإيران في كل من غرب العراق وشرق سوريا، وفي الوقت نفسه البقاء على مقربة من البلدين، والاستفادة من تفعيل الأبراج الحدودية التي يقدر عددها بـ15 والتي تعتبر بمثابة ثكنات صغيرة الحجم، مهمتها رصد الحدود العراقية-السورية وتعطيل تمتع إيران بطريق يصل بين طهران والمتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان، ما يعني حتماً تدمير تطلعات الإيرانيين باستقرار الأمور لهم في البادية السورية التي يمر بها طريق دمشق-بغداد، فهل تمثل هجمات داعش الأخيرة في منطقة السخنة قرب تدمر خدمة لهذا الهدف؟  

سؤال لا يمكن تقديم إجابة حاسمة عنه قبل أن يتبين ماذا تريد كل من الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين الرئيسيين من تحركاتهم الأخيرة في الأردن ومنطقة البادية السورية حيث قاعدة التنف.

التعليقات (1)

    فهمان

    ·منذ سنتين 6 أشهر
    هل نسينا أفلام الكاوبوي الأمريكية؟ أمريكا لاتزال وستبقى بهذه العقلية الاجرامية. فهي لا تتنازل عن شيء ولا لأحد نتيجة خسارة لأن الخسارة غير موجودة في قاموسها. كل ما تفعله هو لمصلحتها أولا وأخيرا ولكن المخططات والطرق والأساليب تتغير وتتبدل حسب الظروف ووقتها وتوقيتها.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات