صحيفة البعث بعيدها الماسي: مدافعة عن السلطة وعاشقة للاستبداد

صحيفة البعث بعيدها الماسي: مدافعة عن السلطة وعاشقة للاستبداد
 لست أدري كيف تصنف جريدة (البعث) التي تحتفل هذه الأيام بعيدها الماسي أي مرور 75 عاما على بداية صدورها في دمشق عام 1946، هل هي منتمية إلى الإعلام إن كان بمعناه المؤسساتي أو العقائدي   وما هي خلاصة ودلالات الجريدة السياسية والأخلاقية والفكرية؟

لقد صدرت جريدة (البعث) في عهد الرئيس شكري القوتلي، أكثر رؤساء سورية – هو وهاشم الأتاسي – احتراماً لحرية الصحافة.. وصدرت في زمن كانت الساحة السورية ملأى بصحف ذات قيمة قبل أن تأتي " ثورة البعث" لتقضي عليها وتعطل صدورها في النكبة السورية في آذار عام 1963، وإذا كنا منصفين ومع ضياع النسبة والانتماء، أتعجب كيف تستمر مدونة كل هذا الزمن وهي غائبة عن القيم والأهداف والمعنى أية عدالة أن يستمر هذا الخطاب المستمر والمكرر، والذي أهمل دائماً من العامة والخاصة.. حيث عرفت جريدة البعث تاريخيا بأنها أقل الصحف السورية في كل العهود انتشاراً ومقروئية ومبيعا. حتى إن رقم توزيعها قبل ظهور الصحافة الإلكترونية وانتشارها، وحين كانت الصحافة الورقية في عز تألقها في بلدان أخرى، كان (5000) خمسة آلاف نسخة لخمسةٍ وعشرين مليون سوري. وكانت دائما تحتل ذيل القائمة بين شقيقتيها (تشرين) و(الثورة) مع أنهما ليستا أفضل حالا منها بكثير. 

صدرت جريدة (البعث) في عهد الرئيس شكري القوتلي، في زمن كانت الساحة السورية ملأى بصحف ذات قيمة قبل أن تأتي " ثورة البعث" لتقضي عليها وتعطل صدورها في النكبة السورية في آذار عام 1963

كانت (البعث) تباع بخمس ليرات في الربع قرن الأخير، بينما عدد موظفيها ومبناها وتكلفة طباعتها وانعدام مردودها يقول إنها تكلف أكثر من 50 ليرة أي أنها تكلف الدولة عشرة أضعاف قيمتها..  لا بل ..كانت لا تحظى بمتفرج ومتفحص على واجهات أكشاك بيع الصحف أو المكتبات إلا لماما،  وتحت سطوة البحث عن إعلان أو خبر أو تسلية!   

وحتى صفحات التسلية كان فيها من البلادة الحسية والقيمية والجمالية ما يجعلك مدهوشاً أمام الإصرار على طباعتها، ولست أدري من سبق بالفساد الآخر؟ أهي الجريدة الغراء أم الإعلام الخبيث الرديء، وكم حاولت أن أبحث عن مريد لقراءتها فلم أجد قسماً أدنى في البلد ولا عاماً ولا نخبوياً له فيها ضالة. إذ ليس هناك حراس للشرف والقيمة تهمهم، ولا أصحاب رغبات وكسب وباحثين عن تسلية هي مبتغاهم! 

وما يلفتك أنها واحدة انشطرت عبر خمس وسبعون عاما كل هذه النسخ، وعاصرت كل تلك الأحداث والتحولات، لكنها لم تتبدل، لم تتحول، لم تتطور، لم تسأل إدارتها يوماً عن قيمتها المعنوية، ولا استطاعتها  حتى على التجييش لخطاب البعث وأهدافه، وإن كانت تلك مهمتها  نظريا!

مثلت جريدة (البعث)، حزب البعث  المنهك الذي طارد الفكر القومي  واعتقده ناموساً  يستورد! 

ومثلت سلطة مجنونة بمفهوم السيطرة والتسلط والاستبداد. ومنتسبين يعرفون للبعث ألف وجه ما بين باطن  وظاهر.. ومؤدلجين لم تصب سهامهم جرعات مركزة من الفكر التنويري، وضاعوا تحت ركام  الممنوع والمخبوء والمسموح والممنوع.. ورأوا كل قلوب وآراء وأفكار الشعب وهي تنفر من هذه الصحيفة المكروهة شعبيا.. وغطى العمى عيونهم عن كل حق ومنطق وحقيقة  

مثلت جريدة (البعث)، حزب البعث  المنهك الذي طارد الفكر القومي  واعتقده ناموساً  يستورد! ومثلت سلطة مجنونة بمفهوم السيطرة والتسلط والاستبداد. ومنتسبين يعرفون للبعث ألف وجه ما بين باطن  وظاهر.

وأما المشروع الثوري الذي ادعته  منذ الولادة، فلم نجد له أثراً ولا ظلاً ولا إرهاصا؛ فأين البناء  والتجديد  لقد دأبت وفيةً ومخلصة لأجهزة الأمن بحرصها على استمرار التوطيد والبناء الراسخ لعقيدة البعث والأبدية السلطوية عبر تصورات نهائية غذتها بالدعاية والكذب والمرذول من تمجيد الرداءة والطقوسية والتفاهة  .

جريدة البعث تمكنت أن تكون مكاتب بيروقراطية ومركز قوى غايتها الدفاع عن السلطة والأمن والخراب والعبث والفساد، وبالمقابل تركها الشعب الموهن وكانت صلاته بها كأوهن ما تكون الصلات، فقدت الجريدة البليدة قدرتها على خلق أي نزوع نحو تنمية الأعراف التنويرية والقيم النهضوية، وكل ما أنجزته اكتمال القطيعة مع كل الشرائح والقوى، والفشل حتى في انضوائها للجسم المنوط بها وهو مؤسسة الإعلام .

جريدة البعث تمكنت أن تكون مكاتب بيروقراطية ومركز قوى غايتها الدفاع عن السلطة والأمن والخراب والعبث والفساد، وبالمقابل تركها الشعب الموهن وكانت صلاته بها كأوهن ما تكون الصلات

ولابد أن نشير إلى عقمها بتزويد المتحزبين والقراء من الشعب بأي إنتاج معرفي بل ذهب وضعها إلى عجز وشلل تام عن تجاوز الرواسخ والثوابت، وظهر نشاطها حثيثاً نحو التسمّر والتخشب، حيث التربة المغذية للنظم المستبدة الشمولية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات