في الثورة والإحباط وفرض اعتراف النخب الوطنية

في الثورة والإحباط وفرض اعتراف النخب الوطنية
تعاني أكثر النفوس المتمردة في الوطن العربي التي انتفضت لتجاوز الواقع الزفتي وبخاصة في سوريا، تعاني هذه اﻷيام من توتر مُحبِط مرده إلى الهوة التي تفصل بينهم وبين العالم كما يجب أن يكون، بينهم وبين العالم الذي ناضلوا من أجلهم ورسموه  في ذهنهم وهم يثورون على الواقع.

توتر يقود بعضهم إلى التأفف الشديد من سلبيات الحالة الثورية، تأفف يصل حد طرح السؤال عن جدوى ما أقدموا عليه أو التشاؤم من اﻵتي.

لا شك بأن الأمور لم تجر بما يشتهون، لكن نزقاً كهذا يجب أن لا ينسينا أموراً مهمة وكثيرة:

أولاً: إن جزءاً من القوى التي ساهمت  في تحطيم القديم هي جزء من إرادة التاريخ اللاواعية، ولَم تكن ولن تكون في حال من الأحوال جزءاً من العالم كما يجب أن يكون في نهاية الأمر. بل ستتحول سريعاً إلى قوى الثورة المضادة. وهذا جزء من الحال الطبيعي لسيرورة الثورات. والعامل الذي يحدد مصير قوى الثورة المضادة هو الغاية الأساسية من قيام الثورة وبنية الواقع المنهار. فكل بديل لا يتجاوز على مستوى الحرية الواقع المنهار، أو يكون أكثر سوءاً منه هو صورة للثورة المضادة المقبلة. وهذا عامل سلبي في مسار صناعة العامل الجديد.

ثانياً: إن الخبرة التاريخية للقوى الثورية فقيرة، وبخاصة في سوريا واليمن، إلى جانب ضعف الوعي التاريخي لدى جزء من الفاعلين السياسيين التاريخيين، وكل ذلك قد ولد انطباعاً بعدم أهليتهم وبخاصة في إدارتهم للعلاقة مع العالم. ويجب أن نتذكر بأن تكون النخب في النظم الدكتاتورية أمر عسير التحقق، سواء كانت النخب تنتمي للمعارضة أو للنظم الحاكمة.

فالدكتاتوريات غالباً ما تفضل الضعفاء في كل شيء في أن يكونوا جزءاً أساسياً من أدواتها، وتحول عبر القمع والمنع دون نمو وتطور نخب المعارضة. هذا لا يعني انتقاصاً من نخبة المعارضة، وإنما إشارة إلى الشرط التاريخي الذي تكونت فيه. وستتكفل بالأيام عبر الممارسة بزيادة وعي التجربة، ومدّ النخبة بعقل قادر على اكتشاف الإمكانات القابلة للتحقق.

ثالثاً: إن أثر الفاعلين الخارجيين من الدول الفاعلة سواء كانت إقليمية أو عالمية قد عقد المسار الطبيعي للثورات العربية في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أجندة كل دولة من الدول  أدركنا بعد المسافة بين ما كنا نراه وما يختزنه العالم من أثر سلبي على تحقيق ما نريد.

رابعاً: إن الذهنية الثورية في كل بلدان الربيع العربي ما زالت ملوثة بذهنية السلطة الحاكمة، وهي في قلب الثورة. دون أن تدرك هذه الذهنية بأن منطق الثورة مختلف عن منطق السلطة. لا يستطيع أحد أن يثور وهو منطوٍ على ذهنية السلطة والصراع على سلطة قيادة الحركة الثورية.

إن أخطر ما تواجهه أية حركة داخلية تغيرية أن يكون اختيار نخبها من قوى خارجية؛ لأن هذه النخب ستكون مرتبطة بما تريده الدول وليس بحركة التاريخ الداخلية للمجتمع. فأكثر المسخرات سوءاً التي تمت في نضال الشعب السوري هي مسخرات ولاءات بعض النخب لدول خارجية. فالأوروبيون والأمريكيون والأتراك يفتشون عن نخب موالية لهم في نهاية الأمر، فيما الذي يجب هو فرض اعتراف النخبة السورية الوطنية على دول الخارج. وإلا لن يكون هناك فرق بين تبعيتهم وتبعية الجماعة الحاكمة في سوريا لإيران وروسيا .

خامساً: يجب أن نعلم بأنه رغم كل شيء فإن الهدم للعالم القديم قد تم، وإعادة إنتاجه والإبقاء عليه ضرب من المستحيل التاريخي، وهذا هو الذي يحملنا على إعادة التفكير بالسبل التي تقودنا إلى النصر.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات