دستور من خاطركم!

دستور من خاطركم!
بعيدا عن هرطقات التخوين والطعن التي صارت معتادة وممجوجة والتي يسارع إليها الكثير ممن يعتبرون أنفسهم من أطهار الــ ( ثورة ) وأرباب الوطنية المالكين للحق الحصري في إسباغ أو نزع صفة الوطنية والثورية عن شخص أو جهة ما تحت سقوف عالية من التهيؤات والخيالات الــ ( ثورية ) التي تستلزم قوة عظمى لتحقيقها واقعا،  فهذا المسار شاق وعصيب ويحتاج لجهد الجميع ممن هم – أو يعتبرون أنفسهم – على ضفة الثورة .. وعلينا الإقرار أننا فشلنا جميعا وعلى مختلف المستويات في خلق الظروف والآليات اللازمة للعمل لأجل النجاح ، فلا أقل من السعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إن استطعنا لذلك سبيلا، أو أن نقول للجميع " دستور من خاطركم " .. نعتذر هذا الحل المجتزأ لا يناسبنا ولا يستجيب لحقوقنا.

يمكننا ابتداء افتراض أن السلال الأربعة التي حاكها المبعوث الدولي السابق ستيفان ديمستورا بهدف تفكيك بنية القرار 2254 وتجزئة مساراته وآليات الاستجابة لموجباته، لم يعد من الممكن استخدامها والإفادة منها إلا كسلال للقمامة ، أكثر مما يمكن اعتبارها مسار حل لصراع بحجم ووزن ما أفرزه الصراع السوري من مآس وكوارث لن تزول آثارها بيسر وسهولة لعقود طويلة .. إلا إذا كان الفاعلون الدوليون بملف هذا الصراع يفترضون أن الحل الذي يريدونه للسوريين يشبه القمامة التي يتعاملون معها وترتكز مصالحهم على استمرار وجودها في مراكز صناعة القرار في سوريا والمنطقة .  

يوم الجمعة 22 \ تشرين أول \ 2021 أعلن المبعوث الدولي انتهاء وفشل أعمال الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية المنعقدة في قصر الأمم بجنيف، وهو أمر لا يخرج عن سياق التوقعات والقراءات العامة للمشهد السوري بكليته ولمسار عمل اللجنة الدستورية على نحو خاص .. بل ربما كان سيكون مفاجئا تماما القول أن ثمة اختراقا حقيقيا وتقدما ملموسا حصل على هذا المسار بالنظر لموازين قوى السيطرة والفعل العسكري والديبلوماسي المتفاوتة بين الفريقين، وبالنظر لمنهجية عمل النظام على مختلف المستويات العسكرية والسياسية والديبلوماسية لوأد مطالب السوريين تحت ركام مدنهم ، ما يجعل أوزان الفريقين المتحاورين أيضا متفاوتة كثيرا في القدرة على تحقيق اختراق حقيقي ذي قيمة في هذا المسار عموما.

تدرك القوى الكبرى والقوى الإقليمية أيضا الفاعلة في الملف السوري كل الإدراك ، ويدرك السوريون أيضا أن هذا المسار لن يوصل الصراع في سوريا إلى منتهاه ، ولن يفضي إلى أي نتائج تأخذ بالحد الأدنى لمطالب السوريين ولحقهم في العيش بكرامة وفي ظل قوانين تحميهم عسف السلطة وتغولها على المجتمع، ولحقهم في تكريس أسس دولة القانون ومبدأ التداول السلمي للسلطة ، لأن ذلك بكل بساطة على النقيض تماما من البنية السلطوية لمؤسسات الحكم والإدارة الحالية .. وبالتالي فهذه الجولة وغيرها مما سبقها أو سيليها من جولات، مجرد حفلة تكاذب دولي يدرك جميع المشاركين فيها أنها ليست المسار الأمثل لصناعة حل نهائي وجذري للصراع في سوريا.

وبينما يمعن النظام بالتمنع يمعن المبعوثون الدوليون بالضغط على الطرف الأضعف وهي المعارضة وتحت زعم أن عدم الخوض في المسار والانخراط فيه سيجعل النظام متفردا بالحل (!) وسيستعيد شرعيته مجددا دون أي مكسب مفترض للمعارضة التي اختزلت  أو رضخت لاختزال كل مطالبها بعملية دستورية لن تفضي إلى شيء إلا إلى نسخة منقحة من الدستور الحالي في أحسن الأحوال ، فالمخرجات السياسية أو حتى الدستورية ما هي إلا انعكاس لأدوات القوة والسيطرة، وبالتالي في ظل الوضع الحالي وفي ظل ممارسة القوة يوميا على المجتمع السوري لن يكون هناك مخرجات إلا ما يمكن كتابته وفرضه بالسلاح (!) .

 

فما الذي يجبر النظام مثلا على تقديم تنازلات في الدستور قد تفضي أو يفترض أن تفضي لتداول حقيقي لسلطة قتل مليون سوري ودمر المدن والحواضر وهجّر نصف الشعب لأجلها؟، وفي ظل مسار عربي واقليمي ودولي لا يمانع من إعادة تأهيله وإدماجه مجددا وإعادة السوريين إلى بيت طاعته ؟.

   وبالتالي يمكن لنا أن نقول في ضوء كل تلك المعطيات أن هذا المسار عقيم وعاجز عن إنتاج حل، ولا بأس أن تعلن المعارضة عن فشل تلك المساعي وهذا المسار ، لكونه يضع العربة أمام الحصان ثم يفترض أنه من الممكن أن تقلع العربة وتسير في مسار إعادة بناء الجمهورية السورية الثانية.

 فالإصلاحات الدستورية أو كتابة دستور جديد لا يكفي لطي صفحة الصراع وإزالة آثاره  .. فلا قيمة لأي دستور ما لم تعد هيكلة الدولة السورية ومؤسساتها برمتها وفي المقدمة منها المؤسسات الأمنية والعسكرية والقضائية  ، وهذا الهدف لا يمكن تحقيقه في ظل نفس السلطة التي عززت شروط إنتاج تلك المؤسسات وآليات عملها .. وما لم يحصل ذلك من خلال الاشتغال على مسار حل سياسي شامل يؤسس لهيئة حكم انتقالي أو حكومة انتقالية تملك صلاحيات تمكنها من إعادة هيكلة وإصلاح تلك المؤسسات، وتصدر أو تعدل العديد من القوانين وفي مقدمتها القانون الانتخابي ومن ثم إجراء انتخابات برلمانية وتشكيل هيئة وطنية لصياغة دستور جديد للبلاد فإن أي دستور جديد في ظل مؤسسات الحكم الحالية يمكن أن يداس بالحذاء العسكري بلحظة واحدة . 

ولكن هل هذا ممكن ؟ .. أنا أعتقد وأؤمن أنه واحد من الممكنات التي ما تزال متوفرة بين أيدي القوى المعارضة لأنها لا تطلب شيئا جديدا خارج سياق ما هو موجود وما اتفق عليه المجتمع الدولي الذي سبق له أن رسم خريطة طريق للحل توافقت عليها مختلف الأطراف والقوى الدولية الفاعلة وصدر بشأنها قرار بالإجماع عن مجلس الأمن الدولي يحمل الرقم 2254 الصادر في 18 \ 12 \ 2015 أي بعد شهرين ونصف فقط من التدخل الروسي إلى جانب نظام أسد، ويفترض أن يكون هذا القرار مؤسسا لحل سياسي مستدام لهذا الصراع  .. وأنها لن تسير قدما في مسار اللجنة الدستورية وحدها ما لم يتم الاشتغال على مسار مواز يتعلق بمؤسسة الحكم الانتقالي، وإلا فليبحث المجتمع الدولي عن شريك آخر أكثر مطواعية ليبرم معه ومع النظام صفقة الحل التي يراد فرضها على السوريين.

ذلك أن أي صفقة تقتصر على مجرد دستور يصاغ بتلك الطريقة والآلية لن تعيد تشكيل المشهد السوري على نحو مختلف عما كان عليه قبل 2011 ولكن النتائج ستكون أكثر سوءا ، لأنك عندما تعقد تلك الصفقة فإن ثمة مترتبات سياسية وقانونية ستتأتى عنها وفي مقدمتها أن ذات السلطة التي استباحت حياة السوريين هي نفسها السلطة التي تصنع سلامها مع ضحاياها ولن يكون لديك أية إمكانية قانونية أو حتى أخلاقية لإدانتها فضلا عن مساءلتها على ما ارتكبته من فظاعات وكبائر بحق سوريا والسوريين لأن ذلك سيكون نقيض فعلك ومناهضا لصفقتك التي ارتضيت . 

التعليقات (3)

    ناصر

    ·منذ سنتين 5 أشهر
    فشل المعارضة السورية انهم راهنوا على حمار خاسر منذ بداياتهم.وهو الذي قادهم من هزيمة إلى هزيمة ولم يتعلموا من تجاربهم.. لأنهم اعتمدوا على خونة مثلهم. ذلك أنهم جعلوا مصالحهم فوق كل الاعتبارات

    صادق محمد

    ·منذ سنتين 5 أشهر
    هذه اللجنة الدستورية فلم هندي طويل من ٧٦٠٠ جزء

    فضل

    ·منذ سنتين 5 أشهر
    أفضل ما قدمته الثورة كشف وفصح النظام الطائفي وعليها استغلال هذه القوة لفضح اجرام وزيف النظام العالمي والانسحاب من المفاوضات لان النظام باق ببقاء جارتنا الغربيه
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات