ضوء أخضر للحرب على YPG.. وأمن تركيا القومي

ضوء أخضر للحرب  على YPG.. وأمن تركيا القومي
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام اجتماع لحزب العدالة والتنمية التركي الحاكم: إن العملية العسكرية شرق الفرات "قريبة إلى حدٍّ يمكن أنها اليوم أو غداً".

العملية العسكرية التركية ضد قوات الحماية الكردية المسماة YPG تخضع في لحظات إلى حسابات سياسية، تتعلق بموقف الدولتين المنخرطتين بالصراع السوري (الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا)، ولا سيما أن الموقف الأمريكي لا يزال منحازاً للدور الوظيفي الذي تؤدّيه هذه القوات لمصلحة الولايات المتحدة، وأن الموقف الروسي هو الآخر، يبحث عن تثبيت أقدام نظام الأسد عبر مقايضة وهمية تدّعيها موسكو، تتعلق بمنع القوات التركية من شن حرب على قوات YPG شرق الفرات أو غربه.

كذلك تتعلق العملية العسكرية التركية بحسابات من نوع آخر، تؤثّر على الوضع الداخلي التركي، سواءٌ ما يتعلق منها بالأمن القومي للدولة، أو ما يتعلق بالوضع السياسي الداخلي، المتمثّل بحسابات الانتخابات الرئاسية القادمة.

إن العملية العسكرية التركية المُزمع تنفيذها لها أهداف عديدة، تحرص حكومة حزب العدالة والتنمية على تحقيقها، خصوصاً ما يتعلق منها بضرورة إيجاد منطقة في الشمال السوري، تكون قادرة على تأمين عودة قسم كبير من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، إضافة إلى إبعاد قوات الحماية الكردية إلى عمق داخل الأراضي السورية، يصل إلى أكثر من ثلاثين كم، هذه القوات، التي تصنّفها تركيا بالإرهابية.

إن تركيا التي تضغط عسكرياً من خلال الحشد الكبير لقواتها على قوات YPG، إنما تريد إضافة إلى هدفيها السابقين تحقيق هدف ثالث، ألا وهو تثبيت دورها الفاعل في أية تسوية سياسية قادمة تتعلق بالحل السياسي للصراع في سوريا.

الولايات المتحدة الأمريكية، والتي صرّح عدد من مسؤوليها، رفضاً لحدوث تطورات عسكرية ومعارك على الأرض السورية، لا تزال تقدّم مصالحها على حساب مصالح من يعملون لحسابها، وهذا ما يرعب حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، الذي يشكّل واجهة سياسية سورية لحزب العمال الكردستاني التركي، المصنّف بأنه حزب إرهابي من الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا.

إن تركيا التي ترى في قوات YPG ذراعاً عسكرية لـ PKK، لا يمكنها إغفال هذه الحقيقة، تحديداً مع تنصُّل الروس عن تنفيذ اتفاقهم معها، والمُبرم في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، وهذا ما يجعل قيامها بعملية عسكرية في شرق الفرات، وربما في غربه أيضاً أمراً وارداً، ما دام هناك غياب لحلّ سياسي يستجيب لمصالح الدولة التركية، ولحسابات حزب العدالة والتنمية الحاكم.

إن الولايات المتحدة الأمريكية المنحازة لقوات ميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي، تريد من هذا الانحياز تحقيق ضغوط على تركيا، لإعادتها إلى بيت الطاعة الأمريكي، وهو أمر لا يمكن تحقيقه، لسبب بسيط، وهو أن البنية السياسية المسيطرة على حكم تركيا، هي بنية ذات توجه قومي استقلالي، تملك مشروع تنمية اقتصادية واجتماعية وعسكرية وعلمية كبرى.

الولايات المتحدة تهدف من انحيازها لقوات ميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي، إلى إرباك مسار التنمية التركي، الذاهب بهذا البلد إلى لعب دور أكبر مع انتهاء معاهدة المئة عام، التي تم توقيعها عام 1923، ولهذا فهي تستعمل هذه الميليشيا وظيفياً، ولكنها في لحظة، قد تتخلى عن هذه الميليشيا، إذا ما أحسّت أن انتقالاً سياسياً جوهرياً تركياً، سيضع تركيا خارج دائرة تحالفات واشنطن الإستراتيجية، والتي تريد منها التحضير لمواجهة خطر التنّين الصيني.

الروس معنيون أيضاً بحسابات الربح والخسارة في استثمارهم العسكري والاقتصادي، الذي يريد إعادة تدوير نظام الأسد، هذا التدوير، يرتكز على استعادة الروس للجغرافيا السورية الواقعة خارج سيطرة نظام الأسد، فهذه السياسة اتبعها الروس عبر أشكال متعددة، منها قضم مناطق خفض التصعيد، ومنها لعبة المصالحات مع النظام.

لكن الروس وفق حسابات الربح والخسارة، لم يذهبوا إلى حافّة حرب محتملة في سوريا مع الأتراك، فهم جرّبوا تلك الحرب عام 2019، وهم يدركون أن المنافع والمصالح بعلاقتهم مع الأتراك، هي أكبر بكثير من مصلحتهم بتدوير نظام الأسد، الذي رهن نفسه لمصلحة الحليف الإيراني، المنافس للدور والنفوذ الروسي في سوريا.

لهذا لن يتورط الروس بمواجهة عسكرية مع الجيش التركي في سوريا، رغم لعبة الضغوط والمناورات التي يمارسونها، فهم يعرفون أن الأتراك لن يتورّعوا عن خوض عملية عسكرية كبرى ضد حلف YPG وpkk، دفاعاً عن أمنهم القومي.

ويدرك الروس أيضاً أن عدم تلبية المصالح التركية سياسياً، والمتمثلة بإبعاد الميليشيات الكردية الإرهابية وفق تصنيف تركيا لها، سيجعل احتمال قيام عملية عسكرية تركية احتمالاً راجحاً، لأن عدم القيام بهذه العملية، أو عدم الحصول على نتائج سياسية ذات قيمة، سيهدد بقاء حكم حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2023.

إن عدم تحقيق تركيا لأهدافها سياسياً عبر توافقات مع الروس والأمريكيين، سيدفعها إلى تنفيذ عمليتها العسكرية في شرق الفرات، ضد الميليشيات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، دون انتظارٍ لضوء أخضر أمريكيّ أو روسي.

ورغم أن واشنطن وعلى لسان المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، والذي قال: "إن واشنطن لا تريد أن ترى أي تصرفٍ من أيّ جهة كانت، من شأنه أن يشتّت قدرات التحالف ضد داعش"، لكنها في النهاية لن تذهب إلى قتال ضد تركيا دفاعاً عن ميليشيا كردية ذات وظيفة مؤقتة، فهي لن تخسر حليفاً إستراتيجياً مقابل المحافظة على ميليشيا ذات أهداف قد لا تتّسق مع الإستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى حشد قوى حلفائها التاريخيين في مواجهة التنّين الصيني، الزاحف سياسياً واقتصادياً نحو المجال الحيوي الأمريكي.

وفق هذه الرؤية نستطيع القول، إن عملية عسكرية تركية لا تزال قيد الانتظار، حيث يرتبط قرار تنفيذها باستنفاد محادثات سياسية تجري بين أنقرة وكلّ من موسكو وواشنطن، هذا الاستنفاد لن يطول زمنه، لأن أرض الشمال السوري المزدحمة والمكتظة بقوات تركية وقوات الجيش الوطني السوري تنبئ بقرب حدوثها، فهل يميل الميزان لصالح حل سياسي يُرضي تركيا؟ أم إننا ذاهبون إلى عملية عسكرية لا يستطيع أحد أن يتنبأ بمفاعليها ونتائجها؟.   

التعليقات (1)

    احمد

    ·منذ سنتين 6 أشهر
    عشم تركيا متل عشم ابليس في الجنة
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات