مخلفات الحرب.. خطر قاتل يهدد حياة السوريين ويحول دون عودتهم

مخلفات الحرب.. خطر قاتل يهدد حياة السوريين ويحول دون عودتهم
ما عاد لعائلة "عبد الله" من معيل، وهو الطفل ذو الـ 14 عاماً، الذي يسد احتياج أسرته من خلال عمله في جمع مخلفات القذائف وبيعها، برفقة محمد وخالد، شقيقيه اللذين يصغرانه بسنة وبضعة أشهر. ارتقى عبد الله إثر انفجار قذيفة في أحد شوارع حي الجبيلة بدير الزور، كما تسبب الانفجار بإصابات بالغة لعدد من أصدقائه.

في هذا العمل لا يوجد معلم ولا ساعات عمل محددة أو إجازات ولا حتّى نهاية خدمة، ينتهي العمل عند انفجار لغم أو قذيفة مغروسة في الإسفلت أو التراب، لتفقد الأسرة معيلها الذي ربما يكون الوحيد.

تلك حوادث أسبوعية متكررة، تشهدها أحياء مدينة دير الزور، وهي أنموذج عمّا يجري في عموم المدن السورية التي أعاد نظام الأسد سيطرته عليها.

يقول أبو "محمد" وهو أحد سكان حي الجبيلة لـ"أورينت نت": إنّ مخلفات الحرب من الألغام والقذائف هي واحدة من المشكلات التي تعرّض المدنيين للخطر اليومي، لا سيما الأطفال الذين يعملون في "التنحيس" وهي المهنة التي تعني جمع النحاس من الأسلاك الكهربائية في البيوت المدمرة، فضلاً عن بقايا القذائف والألغام التي لا يخلو منها شارع في المدينة.

مخلّفات مَن؟

منذ نهاية شهر أيلول 2012، أي بعد اقتحام جيش نظام أسد حيي الجورة والقصور وارتكابه المجزرة الدموية الشهيرة، باتت حالة الفصل الجغرافي واقعاً تشهده المدينة. فالجزء الشرقي أصبح اسمه "أحياء المعارضة" والجزء الغربي أطلق عليه "أحياء النظام" يفصل بينهما الشارع الممتد من دوار الدلة، أقصى جنوب المدينة حتّى مسجد أنس بن مالك، أقصى شمالها.

يقول أحد سكان حي الجبيلة (أخفي اسمه حفاظاً على سلامته): إنّ القذائف غير المنفجرة ومخلفات الحرب تتموضع في المناطق التي كانت تخضع لسيطرة المعارضة، وبالتالي هي القذائف التي أطلقت من مناطق سيطرة النظام.

ويضيف لـ"أورينت نت": إنّ سكان تلك المناطق طالبوا عدة مرات بإزالة مخلفات الحرب عن طريق محافظة دير الزور والهندسة العسكرية، لكن الفرق الموكل إليها هذا العمل لم تستجب، ولم يتم إزالة القذائف غير المنفجرة إلا من بعض الشوارع الرئيسية والأسواق.

ويلفت إلى أنّ وجود مخلفات الحرب كان همّ الناس الشاغل منذ بدء عودتهم تدريجياً إلى منازلهم المدمرة أصلاً، إلّا أنهم اعتادوا على وجودها، وأصبح الحل هو وضع إشارات تدل على أماكن وجود تلك القذائف، وتلك الإشارات تتغير بشكل يومي بسبب نزع بعضها من قبل عمال التنحيس.

ما بعد الانفجار

تبدأ معاناة عوائل مصابي مخلفات الحرب ما بعد انفجار القذائف، فمن يبقى على قيد الحياة يحتاج إلى معجزة للوصول إلى حالة شفاء تام، وهذا يعود لضعف الخدمات والإمكانيات في مشافي دير الزور.

يقول والد أحد مصابي مخلفات الحرب لـ"أورينت نت": إنّ ابني البالغ من العمر 15 عاماً تعرض لإصابات بسبب انفجار قذيفة هاون، أدت إلى بتر ساقه وعدة عمليات في منطقة البطن، وخلال رحلة العلاج في مشفى الأسد تعرض لمضاعفات بسبب الإهمال الطبي، وعدم وجود أجهزة ومعدات صالحة للعمل حتى في غرف العمليات، ما اضطرني لمتابعة علاجه في المشافي الخاصة بدمشق.

ويضيف: على الرغم من مسؤولية الدولة عن عدم إزالة تلك المخلفات التي تسببت بالكثير من الإصابات، إلا أنّها لا تتحمل أي نفقة لمعالجة المصابين، إذ كانت تكلفة رحلة العلاج أكثر من عشرة ملايين ليرة سورية.

ويشرح أنّه اضطر لنقل ابنه إلى دمشق لاستئناف العلاج في مشفى خاص، هرباً من الإهمال الطبي في مشفى الأسد بدير الزور، ومع ذلك لم تؤمّن له مديرية الصحة أو المحافظة سيارة إسعاف لنقل ابنه، وتم نقله بسيارة "فان" خاصة على نفقته.

 "لقد تحملت ديوناً وأعباء كبيرة بسبب لا مبالاة المسؤولين بحياة الناس وأمنهم" يقول الأب. 

مخلفات الحرب والعودة الآمنة

في الوقت الذي يطالب فيه نظام الأسد بعودة اللاجئين السوريين، لا يوفر بيئة آمنة على مستوى الأمن الشخصي للمقيمين في مناطق سيطرته، إذ إنّ أولى الخطوات هي إزالة مخلفات الحرب التي من شأنها تهديد حياة المدنيين، ما يناقض فكرة العودة الآمنة التي يطرحها نظام أسد.

يقول مدير منظمة الدفاع المدني السوري "رائد الصالح" في حديث "لأورينت نت" إنّه "بسبب عدم الجدية الواضحة من قبل النظام للعمل على التخلص من مخلفات الحرب والألغام التي قام بزرعها بشكل عشوائي في كثير من المناطق، ودون رسم خرائط لها توضح أماكن وجودها لإزالتها في وقت لاحق، فلا يوجد بيئة آمنة حقيقية لعودة اللاجئين، ومن يقوم بالعودة فهو يخاطر بنفسه وبعائلته، إذ إن كل المناطق التي سيطر عليها لم تشهد إلى الآن حملات أو عمليات متعلقة بالتخلص أو حتى المسح غير التقني لتحديد المناطق الملوثة بالذخائر لإبعاد المدنيين عنها، لا سيما في المناطق التي شهدت معارك وقصف، كأحياء حلب الشرقية ومناطق ريف حماة الشمالي والشرقي، ومدينة دير الزور وغوطتي دمشق، وأحياء من دمشق كمخيم اليرموك وغيرها الكثير.

ويضيف: إنّ النظام يتبع أسلوباً ممنهجاً بعدم إزالة هذه الذخائر خلال هذه الفترة حتى لو امتلك القدرة على ذلك، لمنع المدنيين من العودة الحقيقة، فدعواته بحد ذاتها لعودة اللاجئين هي مجرد دعوات إعلامية لا أكثر، إذ لا يمكن الوثوق بهذه الدعوات أبداً من قبل السوريين، لأن الاعتقال والابتزاز هو ما ينتظرهم من قبل النظام، الذي لا يريد عودة أحد في الواقع كي لا يتحمل أعباء تأمين الخدمات لهم. 

وحول الأسباب التي تدفع النظام لعدم تحمل المسؤولية تجاه ضحايا الذخائر غير المنفجرة، يرى "الفارس" أنّ السبب الأول هو النظام نفسه، وقواته وحلفاؤه الذين قاموا بالقصف الهمجي بمختلف أشكاله براً وجواً، ما خلق بيئة ملوثة عشوائياً لا يمكن حصرها أو السيطرة عليها، إضافة لعدم وجود البنية التحتية المناسبة للقيام بهذه العمليات، فالتلوث الحاصل بالذخائر غير المنفجرة هو أكبر بكثير من إمكانيات النظام ويفوق خبراته، بالرغم من الاستعداد الدولي السابق لتدريب فرق تخلص من الذخائر غير المنفجرة في مناطق سيطرة النظام، ولكن هذا الأمر لم يطبق بالشكل الحقيقي والمثالي على أرض الواقع.

تبقى مسألة البيئة الآمنة التي تعتبر من أولى أوليات بيان جنيف بعيدة عن الحالة السورية في المناطق الخاضعة للنظام، وعدم جدّيته في إزالة مخلفات الحرب، مثل القذائف غير المنفجرة من أهم عوائق عودة اللاجئين، فضلاً عن كونها تهديداً لحياة المدنيين في تلك الأحياء، إذ يؤكد تقرير للجنة الدولية للصليب الأحمر، أنّ عدد ضحايا الألغام ومخلفات الحرب في سوريا بلغ أكثر من 12 ألف شخص، 35% منهم لقوا مصرعهم، و65% تعرضوا لجروح، في حين بلغت نسبة الأطفال قرابة 25%، وتعرّض 50% من الناجين إلى بترٍ في الأطراف.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات