‏تحديات التعافي الاقتصادي المبكر بالشمال السوري حقائق أم أمنيات؟

‏تحديات التعافي الاقتصادي المبكر  بالشمال السوري حقائق أم أمنيات؟
عاد الحديث عن التعافي الاقتصادي المبكر ليبرز مؤخراً مع تأكيد الولايات المتحدة أن المشاريع المرتبطة به لا تخضع للعقوبات المفروضة على سوريا أيا كانت الجهة المسيطرة، بالوقت الذي تبقى تلك الأنشطة في مناطق الشمال المحرر دون المستوى المأمول وفقاً لمختصين.

ما هو التعافي المبكر

 يشير مصطلح التعافي الاقتصادي المبكر عموماً إلى النهج الذي يعالج احتياجات المجتمعات عقب المرور بأزمات إنسانية بما يشمل استخدام الآليات المتاحة التي تتماشى مع مبادئ التنمية والعمل الإنساني من أجل توفير قدرات حيوية تضمن بداية عدم الانهيار الكلي نتيجة الأزمة ومن ثم الانتقال من الاعتماد على الإغاثة الإنسانية إلى التنمية، بناء على مجموعة من برامج الدعم المحددة، وذلك تمهيداً للعودة السريعة لمرحلة التنمية طويلة الأجل.

لكن ونتيجة خصوصية الحالة السورية سارت بوصلة أنشطة التعافي على عكس المعتاد، إذ عادة ما تبدأ تلك الأنشطة بعد انتهاء الأزمات كالحروب والكوارث إلا أن استمرار الحرب التي أطلقها نظام أسد على السوريين لأكثر من عشر سنين فرضت على المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية الشروع بجوانب من تلك الأنشطة والمشاريع لتلبية الحاجة الملحة لملايين المحتاجين حتى قبيل التوصل لحل نهائي.

وعادة ما تشمل تلك الأنشطة مشاريع تدعم الاستقرار من قبيل الخدمات الاجتماعية والنقل والمواصلات وتوفير الكهرباء والمياه والصرف الصحي والإسكان وقدرات النزوح الداخلي وصولاً إلى الأنشطة التجارية والصناعية والاتصالات، وهي متطلبات سكان الشمال السوري في أمس الحاجة إليها بعد حالة النزوح الكبير، غير أن الأرقام التي رصدتها دراسة حديثة لمركز عمران تشير إلى أن حجم الأنشطة مازال دون المأمول.

وأحصت الدراسة التي نشرت مؤخراً تنفيذ 870 مشروعاً ونشاطاً في مناطق المعارضة بالشمال، سواء في ريفي حلب الشمالي والشرقي أو محافظة إدلب، بارتفاع عن النصف الأول بنسبة 7% أو بواقع 58 مشروعاً. 

ووفقاً للدراسة جاءت 75 بالمئة من المشاريع ضمن 4 قطاعات وهي قطاع التجارة (185 نشاطاً / مشروعاً) وقطاع المياه والصرف الصحي (182مشروعاً) وقطاع النزوح الداخلي (143 مشروعاً) وقطاع النقل والمواصلات في المرتبة الرابعة بواقع (141 مشروعاً).

أهمية مضاعفة

وفي حديث لأورينت نت قال مناف قومان معد الدراسة والباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات إن أهمية هذه النشاطات تأتي من أمرين؛ الأول تقديم خدمات أساسية للسكان وتأمين أسباب الاستقرار ونقل المنطقة من حالة الصراع والحرب إلى حياة أكثر أمناً، والأمر الآخر تأمين فرص عمل كريمة.

وعن تقييمه لعملية التعافي الاقتصادي المبكر ونشاطاتها، اعتبر قومان أن العملية تسير بشكل بطيء ولكن هناك رغبة حقيقية لدى المجالس المحلية والمنظمات بتطوير المنطقة والارتقاء بها، مؤكداً على ضرورة التركيز على قطاعات مثل الصناعة والزراعة والتمويل التي تسهم في رفد عملية التعافي المبكر بمشاريع وفرص عمل أكبر.

ولفت إلى أن هذه المشاريع بدأت تحقق أثراً ملموساً في حياة سكان المنطقة ولاسيما مشاريع إيصال المياه إلى المنازل عبر شبكات بدلاً من الصهاريج، وتوفير الكهرباء عبر شبكات بدلاً من المولدات، ومشاريع نقل النازحين من الخيم إلى المجمعات السكنية فضلاً عن مشاريع تحسين الطرقات وتعبيدها.

بيد أنه نبه إلى أهمية الالتفات أكثر نحو إنجاز مشاريع في قطاعات التمويل والزراعة والصناعة، لما لهذه القطاعات من أهمية استراتيجية في تطوير المنطقة وتمكينها سكانها من الاعتماد على أنفسهم أكثر وتقليص الحاجة للدعم الخارجي.

تحديات التعافي الاقتصادي

من جانبه، اعتبر الدكتور معروف الخلف، مدير مركز ماري للأبحاث والدراسات أن المشاريع المنفذة حالياًفي الشمال المحرر هي أقرب لمشاريع سبل العيش منها لمشاريع التعافي الاقتصادي المبكر، ولاسيما أن الأخير  بحاجة إلى تخطيط واستراتيجيات تضعها وتتبناها جهات محددة ضمن خطط مدروسة وتنفذ بمدة معينة وعقب ذلك يتم قياس النتائج للتأكد من نجاح تلك المشاريع وهو ما لا يحدث حالياً في الشمال السوري.

وأضاف  في حديثه لأورينت نت أنه من السابق لأوانه الحديث عن تعافٍ اقتصادي مبكر في الشمال السوري، والأمر ينطبق على جميع المناطق الأخرى، كذلك موضحاً أن التعافي الاقتصادية يتطلب الاستمرارية في خط ثابت ومتنام ضمن خطط واستراتيجيات معينة.

وعن التحديات التي تواجه عملية التعافي الاقتصادي المبكر أكد الخلف أن السوق بمفرده ليس مؤشراً اقتصادياً للتعافي بمفرده بل الأمر مرتبط بمنظومة متكاملة سياسية وأمنية واجتماعية واستثمارية، وفي حال عملت هذه المنظومة بشكل متناغم ضمن خطط واستراتيجيات من الممكن أن نسمي هذه المرحلة بداية مرحلة تعافٍ اقتصادي.

يضاف إلى ذلك غياب الشفافية وعدم توفر مقاييس ومؤشرات ترصد الواقع الاقتصادي والاجتماعي وهو ما يجعل من غير الممكن مقارنة التغيرات والأثر الذي تحدثه المشاريع قبل وبعد تنفيذها.

وتتعمد ميليشيا أسد شل الحياة الاقتصادية في المناطق المحررة عبر استهداف البنى التحتية ومقومات استمرار الحياة داخلها، وكانت تقارير حقوقية وثقت على مر اسنوات العشر الماضية تدمير ميليشيات أسد آلاف المرافق الحيوية في عموم أنحاء سوريا بهدف استعادة السيطرة على المدن والبلدات الثائرة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات