تطمينات أمريكية.. للمعارضة أم للنظام؟!

تطمينات أمريكية.. للمعارضة أم للنظام؟!
بالتزامن مع افتتاح المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) الدورة الـ89 لاجتماعات جمعيتها العمومية، في مدينة إسطنبول يوم الثلاثاء، نفّذ ناشطون سوريون معارضون وقفة احتجاجية للتنديد بقرار المنظمة إعادة تفعيل عضوية نظام أسد فيها.

وكانت اللجنة التنفيذية في الأمانة العامة لمنظمة الشرطة الدولية، التي يبلغ عدد أعضائها 194، قد أعلنت إعادة ممثل النظام إلى شبكة اتصالاتها في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر، الأمر الذي أدى لردود فعل منتقدة.

ولا يقتصر التنديد بهذه الخطوة على المخاوف من تمكن نظام أسد من توقيف المعارضين له سياسياً الموجودين خارج البلاد عبر تلفيق تهم جنائية لهم، بل يتعداه إلى خشية الكثير من السوريين من أن تكون هذه الخطوة إحدى خطوات تعويم النظام دولياً وتسريع عملية التطبيع معه.

وكان وزراء بعض الدول العربية قد التقوا بنظيرهم في حكومة النظام على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت في أيلول/سبتمبر الماضي، تبعها زيارات واتصالات من قبل مسؤولين في دول أخرى (بهدف إعادة النظام إلى جامعة الدول العربية).

ويتهم الكثيرون الولايات المتحدة بدعم هذا التوجه، ويقولون إنه لولا الضوء الأخضر الأمريكي لما أقدمت أي من الحكومات أو المؤسسات الدولية على إعادة علاقاتها مع النظام، الذي تصفه واشنطن بالمجرم والديكتاتوري، وتفرض عليه عقوبات اقتصادية مشددة.

ويضيف هؤلاء أن تراخي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في تطبيق العقوبات المفروضة على النظام يأتي ضمن خطة إستراتيجية، ويدلّلون على ذلك بغض الطرف عن توقيع الأردن ومصر اتفاقية مع حكومة أسد لمدّ لبنان بالغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية، في مخالفة صريحة لقانون العقوبات قيصر.

انكفاء امريكي

هذه القناعة تعززت أكثر مع التوجه الأمريكي الذي بدا واضحاً منذ انتخاب الرئيس الديمقراطي بايدن، نهاية العام الماضي بالانسحاب من المنطقة، خاصة بعد مغادرة قوات الولايات المتحدة أفغانستان قبل شهرين، ووجود خلافات داخل الإدارة الأمريكية حول مستقبل الوجود العسكري في كل من العراق وسوريا.

ورغم أن القوات الأمريكية تنتشر في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" الخصم اللدود لفصائل المعارضة وحليفتهم تركيا، إلا أن المعارضة ترى أن أي انسحاب لقوات الولايات المتحدة سيكون لصالح روسيا حليفة النظام، وعليه فإن الكثيرين يعتقدون أن هذا الانسحاب لن يكون إلا باتفاق بين واشنطن وموسكو، وسيعني حينها إعلاناً رسمياً لتخلي الولايات المتحدة بشكل كامل عن الملف السوري لصالح روسيا.

وعلى الرغم من الحراك الدبلوماسي الأمريكي الأخير  في هذا الملف، الذي شمل زيارة وفد من الخارجية إلى المنطقة، والمشاركة الفاعلة للولايات المتحدة في منتدى المنامة، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لطمأنة المعارضة.

المعارضة غير راضية

وفي تصريح لـ"أورينت نت" قال عضو الهيئة السياسية للائتلاف الوطني "عبد المجيد بركات" إنه "منذ لقاء وفد الائتلاف بإيثان غولديريتش، معاون نائب وزير الخارجية الأمريكي، قبل شهرين في واشنطن، أوضح لنا سياسة إدارة بلاده القادمة في سوريا، وهي سياسة عاد وشدد عليها جميع المسؤولين الأمريكيين لاحقاً، وتتركز حول الحفاظ على خفض التصعيد واستمرار مكافحة الارهاب وضمان تدفق المساعدات الإنسانية وعدم التطبيع مع النظام قبل إنجاز العملية السياسية من خلال تطبيق القرارات الدولية.

وأضاف بركات: "هذا ما أعاد التأكيد عليه غولديريتش في لقائه مع ممثلي مؤسسات المعارضة الأخير قبل أيام، مع التأكيد على ضرورة الاتفاق بين جميع القوى السياسية ومكوِّنات الشعب السوري، لكن الفرق الآن أن واشنطن كانت تقول "نرفض التطبيع" بينما تتحدث اليوم عن "عدم تشجيع التطبيع" والفرق هنا كبير، بالإضافة إلى أن المبعوث الأمريكي تجاهل الحديث عن إيران".

لكن بركات يرى أن السياسية الأمريكية لم تختلف من حيث التطبيقات بين الإدارة السابقة والإدارة الحالية، وأن ما تغير هو اللهجة فقط، ويقول: "تركيز أمريكا على "البُعد الإنساني" في المسألة السورية أعطى المجال لحلفاء لها في المنطقة كي يطبّعوا مع النظام من مدخل "إنساني"، وهذا المدخل هو ما استغله الباحثون عن التطبيع من أجل نسج علاقات اقتصادية مع النظام، مستغلين التراخي الأمريكي في تطبيق العقوبات".

وفي النهاية-يختم بركات- فإنه "عندما تضع الولايات المتحدة معايير ومحددات للتعامل مع أي ملف يصبح ذلك سلوكاً دولياً، ولذلك طلبنا منهم باستمرار مواقف واضحة ومحددة بحيث لا تُفهَم سياستها أو تُستغَل للتطبيع مع النظام".

عزف أمريكي مكرّر

"عدم رضا" ضمني لكنه واضح يعبر عنه عضو الهيئة السياسية للائتلاف فيما يتعلق بسؤال حول إذا ما كانت المعارضة مقتنعة بالتطمينات الأمريكية الأخيرة، التي حاول فيها مسؤولون أمريكيون امتصاص الغضب تجاه تراخيهم مع نظام أسد.

وكان المبعوث الأمريكي إلى شمال شرق سوريا ايثان غولديريتش، قد زار القامشلي الأسبوع الماضي حيث التقى بقادة مدنيين وعسكريين في حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، كما اجتمع مع المسؤولين في مؤسسات المعارضة الرسمية الثلاث في تركيا من أجل "طمأنتهم إلى استمرار الاهتمام الأمريكي بالملف السوري".

وفي منتدى المنامة للحوار المنعقد منذ يوم الجمعة في البحرين، قال منسّق مجلس الأمن القومي الأمريكي “بريت ماكغورك "إنه لا يرى أي تطبيع حقيقي مع النظام السوري" وأكد أنه "لا عودة للنظام إلى الجامعة العربية".

ورداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة ستغادر الشرق الأوسط قال: "اسمحوا لي أن أكون صريحاً  وواضحاً معكم..الولايات المتحدة لن تذهب إلى أي مكان".

وفيما يخص التطبيع مع نظام أسد، نفى المسؤول الأمريكي إمكانية الانفتاح الدولي على النظام "في ظل استمرار الحكومة الحالية".

لكن السياسي السوري المعارض درويش خليفة يشدد على أن هذه التصريحات باتت مكرورة لكنها لا تفيد بشيء على أرض الواقع، وأن "الدعم الحقيقي للمعارضة يكون من خلال الضغط على النظام وحلفائه عبر تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 لتحقيق الانتقال السياسي وما يتبعه من بنود ينص عليها القرار آنف الذكر".

ويضيف في تصريح لأورينت: "ما سمعناه مؤخراً عن طلب نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى تفعيل دور الحكومة المؤقتة، وأن تأخذ دورها الحقيقي؛  يندرج ضمن الخطة التي تسعى واشنطن إلى تنفيذها، عبر دمج ضفتي الفرات الغربية بالشرقية، فيما لو تجاوزت طموح الروس بإعادة كامل الجغرافيا السورية إلى النظام".

ويرى خليفة أن "الدعم المقدم يتخطى السياسية" حيث كان مرصوداً للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام مبلغ يقارب من 225 مليون دولار، 75 مليون منها لصالح مناطق شمال غرب سوريا والمتبقي للمنطقة الشرقية عند حليفهم الميداني "قسد"، وبالتالي يضمن المبعوث الأمريكي صرف المبلغ الذي كان مجمداً في عهد ترامب بكل شفافية كما طلب من الائتلاف وحكومته.

إستراتيجية الحماية

تصريحات ولقاءات الأمريكان تبدو إذاً مناقضة لما يجري على الأرض عملياً، خاصة لجهة السماح لروسيا بتوسيع نفوذها وتمركز قواتها في مناطق نفوذ قوات التحالف التي تقودها أمريكا في شمال شرق سوريا، إلى جانب غضّ الطرف عن تعرض قواعد قواتها لهجمات مستمرة كان آخرها يوم الثلاثاء، بالإضافة إلى الصمت حيال خروقات حلفاء النظام ودول أخرى للعقوبات المفروضة عليه.

لكن السياسي السوري المعارض أيمن عبد النور لا يرى في هذا السلوك الأمريكي تناقضاً جوهرياً مع ما هو معلن من قبل إدارة الرئيس بايدن حيال الملف السوري، بما في ذلك مسألة الوجود العسكري.

وفي تصريح سابق لـ"أورينت" قال عبد النور إن الموقف الأمريكي من مناطق شمال شرق سوريا هو "موقف الحماية" وهذا لا يتطلب وجوداً عسكرياً كبيراً، لكنه في الوقت نفسه لا يسمح بالانسحاب الكامل.

وأضاف: "الرئيس الأمريكي جو بايدن أبلغ المسؤولين الأكراد من خلال موظفين بإدارته التقوا معهم أنه طالما بقي في منصبه فإن "الحماية" الأمريكية لمنطقة نفوذهم باقية، وبالتالي فالوجود العسكري الأمريكي سيستمر بالتأكيد "لكن هذا لا يمنع سحب قسم من القوات وتخفيف الأعداد".

إلا أن عبد النور، المقيم في الولايات المتحدة، يؤكد أن لدى الديمقراطيين خطة شاملة للانسحاب العسكري المدروس والمنظم من كافة المناطق التي يوجدون فيها خارج البلاد تقريباً، وليس فقط من سوريا، مع الإبقاء طبعاً على المظلة الأمريكية التي تكفي لضمان أمن حلفائها، وقادة قسد قد يكفيهم مجرد رفع العلم الأمريكي في مناطق سيطرتهم ليستفيدوا من هذه الحماية.

لا تقدم الولايات المتحدة إذن أي تطمينات سياسية يمكن أن تجعل المعارضة أو حتى حلفاءها في الإدارة الذاتية مقتنعين بإمكانية التعويل الكامل عليها، على الرغم من قناعة الجميع بأنها تظل الفاعل الرئيسي في الملف السوري، إلا أن هذا الفاعل يركّز اليوم على البُعد الإنساني للقضية السورية مع تجنب التعاطي مع السبب الأساس في معاناة الشعب السوري وهو النظام، الأمر الذي يُبقي الباب موارِباً، وربما أكثر من موارب، ليدخل منه الباحثون عن إعادة تعويم النظام، بما في ذلك إعادته إلى جامعة الدول العربية.

التعليقات (1)

    امريكا

    ·منذ سنتين 5 أشهر
    تعتبر النظام خط احمر وطبعا اتباع امريكا بنفس التوجه يا ريت ما تستغبوناااااا ابسط سوري علم بالسياسة بالداخل متيقن بهاد الكلام وما ناقصنا مسكنات بصيغة معارضة او مؤتمرات والله عييييب
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات