نكبة العمل المدني: من نشاط الإغاثة إلى الارتزاق والسمسرة السياسية

نكبة العمل المدني: من نشاط الإغاثة إلى الارتزاق والسمسرة السياسية
منذ بدأ الاحتجاج السلمي في الشارع السوري عام٢٠١١ وحتى الآن تبنّت شرائح متعددة من الطيف السوري المناوئ للسلطة الحاكمة مفهوم العمل المدني.

وبصرف النظر إن كان يصح تسمية هذا الاحتجاج (ثورة شعبية.. اقتتال داخلي.. .. الخ) فمن نافلة القول أنه لم يعُد داخلياً ولا سلمياً بعد أن سهّل النظام الدكتاتوري لكل القوى الدولية والفئات الإسلاموية ولكل من هب ودب.. التدخل في الشأن السوري. 

انقسام وأداء اعتباطي

وبعد الصدمة الأولى التي تلقّتها المعارضة السورية (الخارجية والداخلية) إثر أداء النظام القائم على استخدام أسلحة الإبادة الجماعية والتجويع والاختراق الاستخباراتي والتآمر المفضوح مع القوى الخارجية؛ أقول: بعد الصدمة الأولى تسلل الانقسام والأداء الاعتباطي والمواقف غير المدروسة إلى سلوك المعارضة وأصبح الشغل الشاغل لكل أطياف المعارضة هو الخلاص الفردي والاستفادة الذاتية القائمة على المنفعة تحت ذرائع متعددة: (وحشية النظام- الفقر والجوع- التشدّق بالثمن الباهظ الذي دُفع كالاعتقال والتعذيب في السجون... إلخ). 

وتحت شعار (العمل المدني) غدا الارتزاق والتكسب وتبوّؤ المناصب التي قدّمتها القوى الخارجية ممن أطلقوا على أنفسهم لقب: (أصدقاء الشعب السوري) هدفَ الجميع. 

وقد أضحى جلياً أن معظم الناشطين في العمل المدني لا يمتلكون تعريفاً دقيقاً لمفهوم المدنية ولا حتى قراءة دقيقة لتاريخ تطور مفهوم المجتمع المدني. 

ومن نافلة القول أيضاً أن جميع هذه الفعاليات قد تم اختراقها بشكل ممنهج من الأذرع الخفية التي يحركها النظام ومن جهات أخرى دولية تدّعي مناصرتها للشعب السوري، في حين أن هدفها غير المعلن هو إيجاد أوراق ضغط على النظام للوصول إلى حصة أكبر من (الكعكة السورية) أو إلى تحقيق استراتيجيات مرتبطة بالشأن السوري تخدم مصالحها الخاصة. 

تفريغ العمل المدني من مضامينه

لقد تم تفريغ العمل المدني بكامل فعالياته من مضامينه التي يقوم عليها وأهدافه التي ينشدها، وتم الالتفاف على أهدافه النبيلة، وعلى روحه التي ولدت بعد سنوات وعقود عجاف من السيطرة المخابراتية، مع ولادة الاحتجاجات السلمية عام 2011.

لن أتحدث في هذه العجالة عن المضامين فحديثها يطول ويستوجب تعاريف لا يتسع المجال هنا لإيرادها، بل سأتحدث عن هدفين من أهداف العمل المدني يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالشارع السوري: 

١- العمل في الإغاثة 

٢- التمكين السياسي

يهدف العمل في الإغاثة إلى التخفيف من آثار المأساة التي يعانيها السوريون منذ بداية الأحداث: اعتقال- وفود إلى المناطق الآمنة نسبياً- جوع- مرض... إلخ)

وبالتالي فإن الأموال المخصصة لأعمال الإغاثة يجب أن توظَّف في تأمين معيشة أسر المعتقلين وتقديم الدعم المادي والمعنوي للوافدين وتوزيع الأدوية والسلل الغذائية بطريقة مدروسة. 

ولكن الذي حدث أن رواتب المتطوّعين في العمل الإغاثي حققت لهم مستوى معيشياً أعلى بأضعاف مضاعفة من مستوى الأشخاص الذين قُدّمت لهم هذه المساعدات (ناهيك عن وجود شريحة سوّلت له نفسها أن تختلس من المال المخصص للإغاثة) وسأضرب مثلاً عن مركز دعم مجتمعي تم إنشاؤه في قرية رساس في محافظة السويداء:

في هذا المركز، وحين كان يتم نقل موجودات المركز إلى كل من منطقة (صلخد) وإحدى قرى محافظة (درعا) تمّ إتلاف كمية من الأغذية التي تشتمل على العصائر والبسكويت المخصصة لأطفال الوافدين تصل قيمتها إلى مليون ليرة سورية نتيجة انتهاء صلاحياتها!! ويبدو أن المسؤولين عن المركز كان لديهم ما يكفي من حس الدعابة ليطلقوا على البوفيه الملحق بالمركز اسم (مقهى النوفرة ) تيمّناً بالمقهى الدمشقي العريق المحاذي للجامع الأموي. 

والسؤال الذي يطرح نفسه:

ما الذي يملكه هؤلاء المتطوعون من حس المسؤولية حين يتكاسلون في توزيع المخصصات الغذائية لأطفال الوافدين إلى أن تنتهي صلاحيتها ويعيشون جواً من المرح في قلب المأساة، يبيح لهم أن يطلقوا على البوفيه الملحق بالمركز تسمية كوميدية؟!!

تيار بناء الدولة: ارتزاق وسرقة أموال 

أما في ما يتعلق بالعمل على التمكين السياسي فهناك مثال جلي على مستوى أدائه.. فقد تم تأسيس منظمة للعمل المدني تهدف إلى إحداث فعاليات ثقافية ورعاية مواهب ناشئة وإقامة ندوات حوارية تهدف إلى إحداث حالة من التمكين السياسي بين شرائح المجتمع. 

لن أتحدث عن عمليات السمسرة والعمولات التي استفاد منها بعض القائمين على المنظمة، فالمعلومات التي وصلتني عن هذا الموضوع شفاهية غير موثقة ولا مُبرهَنٌ عليها، غير أن الوسيط الذي تم انتقاؤه بين الدول المانحة ونشطاء المنظمة في الداخل هو شخص سرق أموال إحدى جمعيات العمل المدني وغادر البلاد تحت غطاء منظمة أخرى يُعتقَد أن تمويلها يرجع إلى ما يُعرَف بـ "تيار بناء الدولة" وهذا الشخص الذي عُرِف عنه الأصولية والانتهازية والارتباط بالأجهزة الأمنية داخل سوريا تعرض لفضيحة فيسبوكية.

هذه النماذج تعيدنا إلى ضرورة تقييم المبادرات.. ومحاولة خلق سياق مؤسساتي راسخ لها قدر الإمكان. فمن دون هذا السياق سيبقى العمل المدني أسير الأخلاق والمعايير الفردية، إن سمت سما معها، وإن هبطت هبط إلى أسفل السافلين! 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات