الولاية السورية الروسية الإيرانية المشتركة

الولاية السورية الروسية الإيرانية المشتركة
لعل آخر الهاربين من جحيم بشار العالقين داخل الحدود البيلاروسيّة البولندية، يبتسمون لحسن طالعهم الذي انتشلهم من بلاد العتمة والبرد، تلك التي أولمها لهم النظام المتعجرف باقتدارِ وصفاقةِ العارف بما صنعت يداه. يبتسمون بالرغم من البرد المجحف هناك، والحدود الموصدة بوجوههم، لكنهم نجوا أخيراً، نجوا ليبتسموا هازئين من تصريحات أحمد بدر الدين حسون، الفائز مؤخراً بماراثون التشبيح الدين-سياسي حين اغتبط فجأةً في عزاء صباح فخري، وهو يعلن أن خارطة سوريا مذكورة في آية التين والزيتون، قبل أن يطرده بشار من منصب المفتي، ويلغي معه هذا المنصب بمرسوم، ربما تودداً من الشيعيّة السياسية الآخذة بالاستيطان داخل الملامح السورية، والتي تنبذ مثل تلك المرجعية السنيّة، والتي صارت آمرةً أساسيةً في الولاية السورية الروسية الإيرانية بطرازها الهجين المثير للاشمئزاز. وسيبتسم الناجون أيضاً هازئين من تصريحات دريد لحام، الفائز مؤخراً بماراثون التشبيح الفن-سياسي حين تمطّى بصوته وصورته على شاشة "سكاي نيوز عربية" وقال إنه لم يرحل عن سوريا، وبقي فيها مثل التين والزيتون، مقتبساً خُطا الكلام المختلّ ذاته الذي فاضت به العينان الناعستان للمفتي المطرود.

    

قرابين لأجل الوصاية الروسية

يتذكر اللبنانيون جيداً "عنجر" خلال زمن وصاية النظام السوري عليهم، يتذكرونها ويمقتون تلك الذكرى. مثلما صار بمقدور السوريين تذكر "قاعدة حميميم" خلال زمن الوصاية الروسية عليهم، وعلى نظامهم، سيتذكرونها، ويمقتون هذه الذكرى منذ الآن.

مؤخراً أوحت روسيا بأنها قادرة على لعب دور جيوسياسي جديد أكبر من حجم قوتها الواقعي، من خلال تحويلها لأزمة اللاجئين على الحدود البولندية إلى صيغة ضغط على حكومات دول الاتحاد الأوروبي، ولعلها هي وقبل كل شيء من صنّع تلك الأزمة، وسوّقها على هذا النحو الدراميّ.   

وفي الولاية السورية الروسية الإيرانية المشتركة، نجد روسيا وقد اتسعت شهيتها من الإشراف على تصدير زيت الزيتون من حمص نحو الأسواق الروسية، واستثمار محطات للطاقة المتجددة على نهرين، إلى غزو قطاع الاتصالات مؤخراً، حيث ستنفذ روسيا مشروع التوقيع الإلكتروني، وسيكون في الخدمة مطلع العام الجديد، عدا عن الرغبة الروسية بالاستيلاء على مشاريع أخرى في قطاع الاتصالات والإنترنت، الأمر الذي يدلل على المعنى الربحي والسياسي للسيطرة الأجنبية على مثل هذا القطاع الحيوي. فروسيا عملياً لا تصطاد المكاسب في القطاعات ذات العائدية الربحية العالية في سوريا فحسب، وإنما نجدها راغبةً في الذهاب إلى أبعد من ذلك، ولو بإخراج النظام السوري جزئياً، وعلى مراحلَ من وحل العزلة والمقاطعة الدولية والعربية الذي غرق فيه خلال السنوات الماضية وأنهكه تماماً، وهذا الذي يفسح المجال للبدء بإعادة الإعمار، حيث للشهية الروسية المتعطشة للمكاسب الحصةُ المحفوظة وغير القابلة للقسمة مع أحد آخر، وربما نجد في إعادة التطبيع العربي جزئياً مع نظام دمشق، وفتح الأردن لمعبر نصيب الحدودي ترجمةً للهمسات التي تنتقل بين موسكو وواشنطن وتل أبيب خلف الستائر المسدلة، وعلى إيران أن تكون الخاسر الوحيد وهي على أي حال خارج هذا الحلف، الأمر الذي أجاز استجداء تمدد إضافي لها في الجنوب السوري مؤخراً.  

ملامح النضوب الإيراني من سوريا

تدرك إيران بأنها مستبعدة من ملامح الوجه الجديد للمنطقة، وغير مدعوّة إلى المأدبة السورية التي قد يكون الروسي من كبار طهاتها، تخشى كذلك من أن تطير المساحة السورية من بين يديها باعتبارها المساحة الأهم والأرحب للتدرّب الإيراني على التوسع الإقليمي، وبحسب ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية مؤخراً فإن عدد الأهداف الإيرانية في سوريا قد هبط بشكل لافت منذ سنة، ومعه انخفض التواجد الإيراني بنحو 50 بالمئة، بعدما ازداد القصف الإسرائيلي على أهداف إيرانية في سوريا بنسبة 25 بالمئة خلال العام الحالي مقارنةً مع العام الماضي، وهذا ما ذهب إليه المرصد السوري لحقوق الإنسان حين نوّه إلى أن التواجد الإيراني في سوريا بات يواجه معضلةً وجودية حقيقية، بحيث حصدت عشرة استهدافات خلال ثلاثة أشهر حياة ستين شخصاً من عناصر ميليشيات إيرانية متعددة المسمّيات، وخمّن المرصد أن تلك دلائلُ على الأرض تشي بأن النظام السوري يبارك مثل تلك الهجمات ضد إيران، وخاصةً التي تنفّذها الطائرات الإسرائيلية. 

ويبدو أن تنافساً متعدد الوجوه يخوضه الوصيّان الشرعيان، روسيا وإيران، لابتزاز الواقع، واستخلاص أكبر قدر من المنافع الممكنة منه، وذلك على امتداد الجغرافيا السورية المتاحة خلال السنوات الماضية، دون أن يصل بعد إلى حد التناحر العلني، وهذا يظهر للعيان في الجنوب السوري، حيث يناور الفيلق الخامس التابع لروسيا لكسب مزيد من التأييد لوجوده، فيما تواصل مليشيات شيعية إيرانيةُ الولاء تجنيد المواطنين السوريين في صفوفها، وأبرزها لواء القدس الذي قضى فيه ثمانية شبان دروز نحبهم بحسب مصادر محلية خلال الأشهر الماضية، دون أن تتجاوز دخولهم الشهرية لقاء القتال معه 40 دولاراً فقط.

ومقابل كل هذه الرداءة، تصير سوريا مستباحةً إلى حدود يصعب تصديقها، حيث يتعدد المشترون، والبائع واحد، نظامٌ وكأنه يعمل بتفويض إلهي يجيز له بيع الأصول السيادية والاستثمارات الكبرى، وحتى الجغرافيا والتاريخ لقاء مكوثه كالطاعون داخل كيانات السوريين المستباحة، وكأن ما يبيعه أو يؤجره هو ملكٌ عائلي محض، ولا يخصّ باقي السوريين المعارضين قبل الموالين، والنازحين والمشردين والمهاجرين قبل الماكثين داخل أصقاع النظام المظلمة والباردة، فتلك حقوق زهقت أرواحها بنذالة، ويبدو صعباً استرجاعها مجدداً. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات