حين يتحاور أبناء السويداء حول الهوية الوطنية ويشهدون بتسامح الأكثرية

حين يتحاور أبناء السويداء حول الهوية الوطنية ويشهدون بتسامح الأكثرية
الثورة السورية.. التي كشفت صراعات مرئية وأخرى غير مرئية كشفت وعياً أيضاً ولو متأخراً.. ذلك أن جل هذه الصراعات كانت على الحدود المتاخمة وأخرى كانت على المسافة المجدية من المصالح البعيدة خلف المحيطات.. أم في أقصى الشرق...أو في المساحة الباردة التي أغراها موضوع.. السواحل الدافئة، وفي الداخل كان لا بد من توليف صراعات وإعداد العدة ليوم قد تنفلت فيه زمام الأمور. 

وبعد الحدث المدوي والزلزال الذي يرتد مراراً وتكراراً، خرج المثقف خاسراً، وهو الذي يحمل حلماً حضارياً لأمته السورية فيه الكثير من ملامح الدولة المدنية، المتسمة بالتعددية واحترام الحريات. 

يحترم فيها الآخر ويمارس المواطن ضمن منظومة معينة الشك والنقد والتساؤل. تلك كانت مقدمة  لنشاط محموم... جرى في الشهر الأخير من العام الفائت.

والملفت أن تتداعى عدة مبادرات لإجراء حوارات حول محددات الهوية السورية، وقد وجهت الدعوة إلى مجموعة من الفعاليات المختلفة في السويداء، وأشرك الشباب من الجنسين.

ولما بدأت الجلسة، بسؤال تعريف الهوية الوطنية السورية، أوغل أخذ الحضور في تعريفات عامة لمعنى الهوية والانتماء عبر التاريخ المعاصر،  واستعان الحضور بالفلسفة وعلم الاجتماع وما جاورهما من علوم.. ليكون معنى الهوية محصلة عامة لشعب ما تعبر عن شبكة معقدة ومركبة من الانتماءات والمصالح ثم تنتقل عبر المؤسسات من المعنى (المسال ) إلى المعنى المتبلور. 

وتم الاتفاق أن لكل شعب  مفردات خاصة وارتسامات معينة لهويته الوطنية... وعند السؤال الثاني والأخير، الذي أخذ مسار جلستين على مدار يومين متتالين، والذي يقول: ما هي محددات الهوية الوطنية السورية؟! كانت المفاجأة... أن الغالبية اتفقوا أنه لم تكن هناك هوية وطنية سورية معاصرة... وإنما كانت سورية عام ١٩٥٠ حاضنة وبقوة لنشوء هوية وطنية سورية، تميزت هذه الحاضنة بنشوء اقتصاد سوري قوي ووعي وطني... ووعي دستوري أنتج دستور عام ١٩٥٠ هذا الدستور الذي أنجز مواد ما زالت قابلة لتقبل الراهن من تطورات، وانتهى الأمر إلى إجهاض هذا المشروع قبل أن ينجز، وفقدت الهوية الوطنية  بشكل مقصود أو غير مقصود، عندما تم تخطي الهوية الوطنية بشعارات البعث وحكمه، من أجل الهوية القومية، الأمر الذي أفشل كل من هذا وذاك.

مما أثبت أن الحزب القومي كان قد صمم لتمرير مشروع هدام، يجعل من سوريا بلد ما قبل الوطنية. إن صح التعبير رعوية تحكم بحزب ومؤسسات طقسية، ولتتحول فيما بعد إلى ملكية عائلية وليصبح جميع المواطنين أجراء ...

والملفت للنظر... إشارة أغلب الحضور إلى وجود محددات قوية وناضجة قادرة على إنجاز الهوية الوطنية. البعض أشار إلى العمق التاريخي المدعوم بالمنهجية والبحث وعلم التاريخ الثقيل الحمولة والمعطيات، وأشار بعض الحضور إلى محدد تحت مسمى الهوية البيولوجية، مؤكداً أن علوماً متعلقة بالدراسات العرقية والأنتربيولوجيا تؤكد بنسبة عالية أن شعب سورية ما هو إلا أعراق كانت موجودة عبر أحقاب زمنية، وضمن جغرافية محددة، اشتركت في ذاكرة جمعية في تطلعات واحدة، وحاربت مرات متكررة أعداء مشتركين. 

وذهب البعض إلى أبعد من ذلك معتبرين أن الشعب السوري يتمتع - إن صح التعبير-  بكمون حضاري ومرونة مشهودة، مثبتة من خلال التفوق في الشتات والمدعوم بالإحصاءات.. واعترض البعض على المفهوم البيولوجي لأنه قد يأخذنا نحو العرقية.

وبين أخذ وردّ أكد أحد الحضور أن العلم هو في الدولة المعاصرة كل ومحور وأساس، وقد نلجأ إليه إن التبس الأمر. وبعد ذلك كانت الإشارة المتفق عليها إلى أهمية الاقتصاد، الذي يشترك الشعب المقيم في الجغرافيا السورية على ملكيته، واستفاض الجميع في الحديث عن قابلية سورية لإقامة دولة المواطنة، لأنها تملك استعداداً لذلك.

فلقد كانت على الدوام إسلامية في العموم  إسلاما مدينياً حضارياً، تعايشت مع أقليات وإثنيات متعددة عبر تاريخها الطويل، ولم تشهد قط أي نوع من الاقتتال الطائفي أو الديني أو الإثني. وما قيل عن حرب أهلية كان تكاذب متفق عليه لاختراع تبرير يدمر سورية، التي تمردت على السلطة الشمولية الحاكمة.

ووصل الحوار إلى ذكر الجوار بين السهل والجبل، وكيف حاولت السلطات وشركائها إلى...تسميم علاقتهما، وكيف فشل على الدوام وبقي ضمن ظاهرة الخطف والخطف المتبادل. 

وبالتالي هذا يعني تجربة عام ١٩٥٠ المؤهبة والمحفزة، والتاريخ الخلاق من التعايش والاقتصاد المشترك والتسامح الديني من قبل الأكثرية السنية، وواقع تعدد الإثنيات والمذاهب والأديان هو منتج بالكسرة تحت التاء لدولة المواطنة، والتي ستمنح حكم حقوق متساوٍ وحريات متعددة. ومن ثم إنجاز هوية وطنية سورية، معاصرة قابلة لنقل سورية إلى دولة حضارية معاصرة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات