الإيرانيون يزوّرون تصريحات بدرسون.. فهل زادوا الطين الأمريكي بلة؟

الإيرانيون يزوّرون تصريحات بدرسون.. فهل زادوا الطين الأمريكي بلة؟
أجرى المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غير بدرسون محادثات في طهران مع وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان بتاريخ السادس عشر من يناير الجاري، ونقلت وزارة الخارجية الإيرانية تصريحات نسبتها لـبدرسون، قال فيها: "إن أوضاع سوريا مستقرة، وإن أياً من الأطراف لا يتحدث في الظروف الحالية عن تغيير النظام في هذا البلد، وإن التطورات في سوريا أقنعت الأطراف المعنية بعدم ضرورة تغيير النظام في سوريا".

تصريحات بدرسون في طهران لم نسمعها منه عبر مؤتمر صحفي، أو لقاء مع وسائل الإعلام، بل هي نُسبت له عبر تغريدات أطلقها وزير الخارجية الإيرانية على تويتر.

إن نسب هكذا تصريحات للمبعوث الدولي إلى الملف السوري غايتها خلق البلبلة في صفوف قوى الثورة والمعارضة السورية، والتشكيك بمهمة المبعوث الأممي بدرسون. هذه المهمة المكلّف بها أممياً، تقوم أساساً على تسيير تنفيذ القرار الدولي 2254، هذا القرار، ينصّ على تشكيل هيئة حاكمة انتقالية، وكتابة دستور جديد للبلاد، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية برعاية وإشراف تأمين من الأمم المتحدة.

تصريحات وزارة الخارجية الإيرانية تزوّر حقيقة ما يقوم به المبعوث الدولي، هذا التزوير يأتي في سياق رفض الإيرانيين لأي تقدمٍ قد يحصل بملف المفاوضات، ويفضي إلى توافقات على قاعدة القرار الدولي 2254، ما يهدّد بقاء وجودهم العسكري والسياسي في هذا البلد، ويطيح بكل استثمارهم في الصراع السوري.

الإيرانيون يريدون زرع الشك لدى حاضنة الثورة وقواها المعبّرة عنها، من خلال نسب حديث كاذب على لسان المبعوث الدولي الذي يجب أن تنحصر مهمته في سياق المفاوضات المكلف بتسييرها وإدارتها لتصل إلى عتبة تنفيذ القرار الدولي 2254.

 لم تكن إحاطة بدرسون المقدمة لمجلس الأمن ذات دقة في التعبير عما يحدث بالنسبة لملف المفاوضات في جنيف، فهو لم يُحط مجلس الأمن الدولي بواقع وحقيقة تهرّب نظام الأسد من استحقاقات هذا القرار، ولم يحمّله مسؤولية إفشال الجولات الست، التي انعقدت منذ القرار بتشكيل اللجنة الدستورية، والتي تشكّلت وفق مثالثة بين قوى الثورة والمعارضة والنظام الأسدي والمجتمع المدني، لا بل لم يُحط المجلس بأن نظام الأسد لا يريد الحلٍ السياسي للصراع السوري، وأنه دفع المفاوضات في جنيف عبر جولاتها نحو الدوران في فراغ لا نهاية له.

إصرار بدرسون على الاستمرار بوساطته وفق مسار التفاوض الفاشل، إنما يكشف عن تخلٍ حقيقي عن جوهر مهمته، وعن حيادية هذه المهمة، وبالتالي، فهو ببقائه بمنصبه كمبعوث أممي خارج الدور المنوط به، إنما يعمل لصالحه الشخصي، ويستثمر الصراع السوري، ليبقى مستفيداً من هذا المنصب بالمعنى المادي الخاص به.

إن القول الذي نُسب كذباً لبدرسون من قبل وزير الخارجية الإيرانية عبد اللهيان، والذي جاء فيه بأن الأوضاع في سوريا مستقرة، هو قول غير حقيقي، فالنظام وحلفه الروسي الإيراني، يقومون بهجمات مدمرة على مناطق الشمال السوري، بغية تهجير المقيمين في هذا المناطق، ليتحقق للأسد السيطرة العسكرية والسياسية عليها، ما يسمح له برفض علني لتنفيذ القرار الدولي رقم 2254.

إن الإيرانيين يتحدثون زوراً عن استقرار كاذب في سوريا، من أجل إعادة إنتاج واجهة النظام، بما يخدم مشاريع هيمنتهم على سوريا واعتبارها قاعدة مهمة في تنفيذ مشروعهم المسمى "الهلال الشيعي" الذي يربط إيران بالعراق وسوريا ولبنان، وذلك لأهداف استراتيجية تخصّ حلمهم بإحياء امبراطورية فارسية في منطقة الشرق الأوسط.

إن جنوح العمليات العسكرية إلى مستوى الانتهاكات المتكررة من قبل النظام وحلفه، لا يمكن تسميته استقراراً، فالاستقرار هو حالة تسري فيها الحياة الطبيعية في كل جوانبها السياسية والاقتصادية والإدارية والقضائية، وهذا أصلاً غير موجود بصورة حقيقية في كل أنحاء البلاد، وسبب ذلك الحرب التي يشنها النظام الأسدي على الشعب السوري، بمساعدة عسكرية واقتصادية وسياسية من حليفيه إيران وروسيا.

وإن القول الإيراني المنسوب لبدرسون "إن أياً من الأطراف لا يتحدث في الظروف الحالية عن تغيير النظام في هذا البلد"، هو قول كاذب، إذ نفاه بدرسون كلية، هذا النفي يفضح أكاذيب تروّجها حكومة ملالي طهران "المتدينة المؤمنة"، فمثل هكذا قول يحتاج إلى توضيح صريح، يشير بالبنان إلى هذه الأطراف، ويحتاج إلى تسميتها بالاسم دون مواربة، فهذه الأطراف، لا زالت مجهولة لدى كل الأطراف باستثناء الخارجية الإيرانية.

إن تسويق فكرة أن لا أحد يريد تغيير النظام في المرحلة الحالية، تسويق يخدم النظام، عبر إغماض العين عن جرائمه بحق الشعب السوري، والتي لا تزال ماثلة للعيان عبر بقاء اللاجئين في دول اللجوء، وبقاء النازحين خارج مدنهم وقراهم وبيوتهم، التي دمرها نظام الأسد، واستمرار اعتقال عشرات الآلاف من المدنيين، واستمرار الإخفاء القسري لأعداد كبيرة اعتقلهم النظام، ما يشير إلى تصفيتهم جسدياً، وهذا ما كشفته صور قيصر.

والسؤال الأهم، والذي من حقنا طرحه على العلن، وهو، هل سمع بدرسون من فريق المفاوضات الذي يمثّل قوى الثورة والمعارضة مثل هذا الكلام؟ وهل تندرج تصريحات طهران في مسار تمهيدي، لتقبّل صيغة تفاوض، تُبقي الأسد على رأس السلطة في البلاد في المرحلة التالية؟ وهل يملك فريق التفاوض حقّ التنازل عن جوهر تنفيذ القرار الدولي 2254 بكل سلاله؟

إن الحفاظ على جوهر مطالب قوى الثورة السورية وحاضنتها الكبيرة، المتضررة من الصراع مع النظام الاستبدادي الأسدي، يتمّ عبر نزع حق اتخاذ القرار المصيري بشأن تقديم تنازلات في المفاوضات مع نظام الأسد من أي مؤسسة من مؤسسات الثورة، وحصر هذا الحق بكل قوى الثورة والمعارضة وتنظيمات المجتمع المدني السوري، الرافضة لبقاء نظام الاستبداد الأسدي.

إن ائتلاف قوى الثورة والمعارضة مطالب بتقديم مذكرة رسمية للأمين العام للأمم المتحدة، يطالبونه فيها، بضرورة تنفيذ القرار 2254، لا سيما وأن بدرسون فشل في تنفيذ مهامه، وأن تطالب بتغيير الوسيط بدرسون لعجزه في دفع عربة المفاوضات إلى الأمام.

إن قوى الثورة والمعارضة الرسمية يجب أن تصرّ على تنفيذ محتوى القرار الدولي المذكور بكل فقراته، وأن تعلّق المفاوضات في جنيف، حتى تلتزم الأمم المتحدة بفرض الحل السياسي في سوريا بموجب قرارتها المتعددة في هذا الباب.

إن إغماض قوى الثورة والمعارضة العين عن اختطاف الروس للقرار الدولي، وعدم إيجاد بديل كفاحي، يُجبر المجتمع الدولي على الإسراع بفرض الحل السياسي، وفق قرارات الشرعية الدولية، إنما يخدم بقاء الصراع في البلاد في حلقة مفرغة، ما سيلحق أكبر الأذى بالشعب السوري وحقه في الحياة الآمنة المستقرة.

إن تجاوز وضع انسداد الأفق بحل سياسي، يتطلب تغيير بنية وآليات عمل أطر ومؤسسات قوى الثورة والمعارضة، عبر العمل على تشكيل مرجعية وطنية واسعة، تمثّل السوريين بكل مكوناتهم الوطنية، هذا التغيير الذي ترفضه مؤسسة الائتلاف بحجة أنه غير واقعي، إنما هي تحافظ من خلال بقائها بصيغتها السياسية الحالية على مصالحها الضيّقة، معرقلةً كل جهدٍ ثوري من أجل حشد طاقات الشعب السوري في بناء مرجعيته الوطنية.

 هذه المرجعية يمكن أن تلعب دور برلمان وطني ثوري مؤقت، يجب أن يشرف بصورة شاملة على عمل كل أطر مؤسسات المعارضة (الائتلاف وهيئة المفاوضات والحكومة المؤقتة وفريق المعارضة باللجنة الدستورية)، حيث يمكن محاسبة هذه الأطر على تقصيرها، وتغيير أعضائها بانتهاء الفترة المحددة لشغلهم المناصب الموكلة لهم.

فهل سيفعل الائتلاف ما يمليه عليه واجبه الثوري والوطني، أم إنه سيترك رياح بدرسون تأخذه إلى حيث يتم التنازل عن حقوق دماء مئات آلاف السوريين، الذين قضوا في حرب النظام على الشعب السوري؟  

التعليقات (2)

    Samir Twair

    ·منذ سنتين 3 أشهر
    مقالة ممتازه

    Klaus baumann

    ·منذ سنتين 3 أشهر
    إسرائيل هل اللاعب الأكبر في سوريا
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات