المبدع والربيع: الخائفون من المستقبل هم كذبة

المبدع والربيع: الخائفون من المستقبل هم كذبة
قلنا المبدع ولم نقل المثقف، جريا على المألوف. فنحن هنا أكثر تحديدا وبالتالي أكثر قدرة على التقاط الموقف. فالعينة هنا واضحة لا يشوبها إلا الاتفاق على ماهية المبدع وعلى نسبة المنتمين إلى الإبداع.

 ولسنا في معرض عقد جلسة محاكمة لنقرر من هو المبدع العربي الذي يتميز عن سواه وعمن ليس بمبدع.

المبدع عندي هو الفيلسوف والشاعر والروائي والمسرحي والقاص والمخترع والموسيقي والرسام والنحات والمخرج والممثل وما شابه ذلك. ولأننا لسنا في معرض التقويم للإبداع بل في رصد الموقف فكل من يراه الناس مبدعا وكل من يرى نفسه مبدعا من هؤلاء جميعا هو مبدع. 

وليس غريبا أيضا أن سمّت العرب هؤلاء بالمبدعين، فالفعل أبدع يساوي خلق على غير غرار، بل هو أقوى من فعل خلق، لأن الإبداع إيجاد من العدم. والمبدع والبديع وبادع أسماء أفعال. دعوني الآن من التعريفات الأكاديمية الجافة والقاموسية المتسلطة. المبدع هو المتمرد على المألوف من اللغة والوقائع والأشياء، المتمرد على العالم والساعي إلى عالم غير مألوف، المبدع هو بطل التجاوز، ولأن المبدع هو هكذا فهو بالضرورة مع الربيع منطقيا، وإذا كان  مبدع ما، واقعيا، ضد الربيع العربي، ففي الأمر هوية عميقة ومصلحة زائفة تمنعانه من أن يكون نصير ذاته، لأن المبدع هو في حد ذاته ربيع.

وأنى التفت وجدت الأكثرية من المبدعين العرب منخرطين في الربيع العربي بهذا الشكل أو ذلك وليس في الأمر غرابة. فالمبدع بالأصل مولود من رحم الحرية من جهة وضد العتيق من جهة أخرى . إنه ضد كل من يسلب الأنا فضاءه. وكل من يصادر الممكن.

فأنى لمن يرى الحياة ممكنة أن يرضى بسلطة تجمّد الواقع والتاريخ وتعلن بكل صلافة وغباء أنها أحسن العوالم الممكنة، ولا ممكن على هذه الأرض سواها. بل إن المبدع يصل في شطحاته إلى مرحلة الدفاع عن المستحيل، ولهذا فهو ضد الرضى عن أي عالم كان.

المبدع الحق هو وجدان حق مفعم بالحب والألم والطفولة، بالفرح والحزن. والوجدان لا ينفصل. فمن يهز وجدانه تدحرج رأس المعري الحجري في معرة النعمان ولا يهز وجدانه الأطفال الذين فقدوا الحياة، والأرواح التي تزهق بالبراميل المتفجرة، ليس له وجدان.

 المبدع لا يختفي وراء عقل بارد خائف على حداثة زائفة لسلطة تنتمي إلى القرون الوسطى وما قبل ذلك في رد فعلها على البشر، بل المدافع عن حداثة حقيقية يكون فيها الإنسان مركز العالم ضد كل أشكال القهر. بل إن بعض المبدعين الخائفين من المستقبل هم كذَبة. لأن الخائف من المستقبل هو مدافع عن واقع قتل المستقبل وأبناء المستقبل.

 الخائف من المستقبل هو منحاز إلى الماضي الذي يمثله الواقع. الربيع العربي عملية تاريخية طويلة، وليس فصلا من فصول الحياة بل نريده فصل الحياة الوحيد. ولهذا فهو ليس مجرد إزاحة سلطة عن سدة الحكم كما يظن أصوليو الغنيمة ومثقفو الغنيمة الذين أظهروا أحقادهم على كل المدافعين عن الحداثة والتحديث والتنوير متوعدين بالانتقام ممن أداروا ظهرهم للأب.

 ولهذا ليس غريبا أن تجد مثقفي الأب المدشدش والمعمم والملتحي خلوا من أيه لمعة إبداعية. فمن ذا الذي يستطيع أن يبدع دون أن يقتل أباه أصلا. المبدع العربي اليوم يعيش ذاته التي تعينت ولهذا تراه غارقا بالهم المعبر عنه بالقصيدة والمسرحية والفكر والمقالة واللوحة. فيما ثقافة السلطان وثقافة الغنيمة خلو من المبدعين. وآية ذلك أن هناك ترابطا بين الإبداع والحرية،كما قلنا، بين المبدع والنجاح.

التعليقات (4)

    اسقاط على الواقع

    ·منذ سنتين 3 أشهر
    هل الائتلاف بشكله الحالي يعتبر مبدع و مرتيط بالحريه التي ضحى من اجلها السوريين بكل شيء؟ هل الفشل المتكرر لهيئة المفاوضات والائتلاف وما يسمى الحكومه المؤقته يعتبر ابداع وبالتالي يحمل فكرا حرا يصل لمستوى الام السوريين ؟؟ عواصف عاتيه مرت فوق اللاجئين السوريين المشتتين من شمال سوريا الى تركيا والبلقان اي (مبدع )من هؤلاء سمعنا منه تحركا لجلب خيمة تستر عائلة مهجره او وجبة لطفل جائع ؟؟ كلامك قطعا لا يتحدث عن فشله من هذا النوع .. يسقط الائتلاف.

    من ينطبق عليه هذا المقال؟؟

    ·منذ سنتين 3 أشهر
    قطعا من يعيش بدون ملجا ويبحث عما يقوته ويقوت اولاده ..من يعيش تحت قمع فكري و نفسي .. لن يفكر بالابداع . اي فكر مبدع لابد ان يكون له حرية التفكير والتامل والكلام عما يجول في خاطره بدون خوف.. امل ان يقرا مقالكم من السوريين من يعيش في بلاد تتمتع بالحد الادنى من الحريه عل هذه الكلمات تحرك صاحب فكر (مبدع) او مجموعه من المبدعين لعمل تحرك ما يخلص السوريين من الامهم!!! عل صوتكم يجد له صدى ؟؟!

    آشور

    ·منذ سنتين 3 أشهر
    هذه هي الفلسفة العملية التي نحتاجها .. من أطلق الثورات هم الشعوب المقهورة لا معارضات سياسية ولا قوى سياسية منظمة: لأنها غير موجودة وغير مسموح وجودها أصلاً! من وقف مع الثورة بصدق هو المبدع الذي لم يتغير إحساسه وموقفه رغم كل ما جرى ولن يتغير موقفه. قالت مي سكاف: هالثورة ثورتي لحتى موت! من لا يفهم هكذا كلام لم ولن يفهم ما يعني الربيع العربي! الحيادي الرمادي خرافة .. إما مواجه للإجرام أو واقف في صفه: لو بصمتك أو جبنك!

    آشور

    ·منذ سنتين شهرين
    لا علاقة لما طُرِح بالموضوع بأية معارضة سياسية أو عسكرية .. مُعارضات فاشلة كمافيا الأسد تماماً .. والدكتور أحمد يعرف هذا الواقع .. الوقوف مع الربيع العربي وثوراته واجب لا "فضل" وهو الموقف الواقعي المنطقي العادي .. تبريرات للمواقف لا تنتهي ولكن أين هي مسألة الإقناع؟!! من ينتظر إنتصار ثورات شعبية على كل هذه القوى الإجرامية سريعاً .. واهم .. الأمر يحتاج لعقود لا سنوات .. هو مخاض عسير سيفرز كل الشروط المناسبة للتغيير .. كلما ازداد عدد المنخرطين الصادقين كلما قلّ الزمن
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات