بالوثائق: شركات الكهرباء بريف حلب تخالف العقود ومحاولات لامتصاص غضب الشارع

بالوثائق: شركات الكهرباء بريف حلب تخالف العقود ومحاولات لامتصاص غضب الشارع

تستمرّ الاحتجاجات الشعبية في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري بريف محافظة حلب، ضد شركات الكهرباء العاملة في المنطقة، بسبب مخالفتها لبنود العقود الموقّعة مع المجالس المحلية، وأهمها رفع الأسعار ثلاثة أضعاف بشكل كيفي دون سابق إنذار، وهي لا تناسب دخل السكان.

 

مصادر محلية تؤكد لموقع "أورينت" أنَّ شركة الكهرباء "STE" العاملة في مناطق "عفرين ومارع وصوران وأخترين"، و"AK ENERGY" العاملة في مناطق "جرابلس، الغندورة، الباب، بزاعة، قباسين، الراعي، إعزاز، رأس العين وتل أبيض"، قد خالفتا بنود العقود الموقّعة عبر إصدار قرارات جديدة وتعسّفية ومتعاكسة، ففي اليوم الواحد تصدر قراراً وتعود لتتراجع عنه بعد ساعات.

 

وثائق تخالف العقد

ووصلت إلى "أورينت" نسخة من ورقة قدّمها مزارعون في مدينة مارع إلى والي مدينة كلس التركية في 5 ديسمبر/كانون الأول 2021، ومفادها أنَّهم تفاجؤوا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بقرار شركة "الشمال" المحلية الشريكة مع شركة "STE" التركية، وبموافقة المجلس المحلي "مضاعفة سعر الكيلوواط من 86 قرشاً إلى 152 قرشاً تركياً"، ولدى مراجعتهم المجلس أجابهم بأنَّ التسعيرة فُرضت من قبل الولاية التركية ولا قِبَلَ للمجلس بتخفيضها.

كما وقّعت شركتا "STE" و"AK" قراراً إضافياً مع المجالس المحلية في 17 شباط/فبراير 2021 يُخالف بنود العقد الأساسي، حسب نسخة القرار التي وصلت لـ"أورينت"، وحول أهم البنود المخالفة يقول رئيس المجلس المحلي لناحية أخترين، خالد ديبو: إنَّ "استفراد الشركات بوضع التسعير دون مناقشة المجالس المحلية يُعدّ أهم خرق للعقد".

 

ويضيف "ديبو" لموقع "أورينت" أنَّ الاجتماع الأخير لرؤساء المجالس المحلية واللجنة المكلفة من الأهالي مع مديري شركات الكهرباء، مساء يوم الأحد الفائت (6 شباط) في مدينة إعزاز، "انتهى دون نتائج تُذكر"، لافتاً إلى أنَّ حجة الشركات هي "ارتفاع السعر من المصدر في تركيا".

ويُشير "ديبو" إلى أنَّ المجالس المحلية تسعى إلى توحيد سعر الكهرباء في المناطق، ورفعت المجالس اقتراحاً للمسؤولين الأتراك للضغط على الشركات كي توحّد سعر الشريحة المنزلية بليرة و50 قرشاً والشريحة التجارية بليرتين و50 قرشاً تركياً.

فيما يلفت أحد المشاركين بالاجتماع (مهندس فضّل عدم ذكر اسمه) في حديثه لـ"أورينت" إلى أنَّ مديري الشركتين أبلغوهم بأنَّ الشركة حالياً ستبيع الشريحة المنزلية بـ"185 قرشاً والتجارية بثلاث ليرات"، وبيّنت لهم أنَّ سعر التكلفة الوسطي للكيلوواط 141 قرشاً، وربحها يُمثل 8% من قيمة الكيلوواط وأضافت على سعر التكلفة 25% نسبة هدر وسرقات، و25% تكاليف أكبال وتوصيل شبكات، و10% أجر نقل للشركة.

ومن وجهة نظر رؤساء المجالس والوجهاء، فإنَّه لا يوجد في العقد هذه النِّسَب التي ذكرتها الشركات وهي "نسب غير واقعية"، وطلب الوالي منهم تشكيل لجنة تذهب للقاء وزير الكهرباء في تركيا من أجل دعم الكهرباء، ليبقى السعر الذي طلبته الشركة سارياً حتى إتمام ذلك اللقاء.

وفي آخر اجتماع عُقد مع والي غازي عنتاب، يوم الجمعة 11 الشهر الجاري، أعلنت شركة "AK" تحديد سعر الكيلوواط المنزلي بـ 1.85 ليرة تركية، وقيمة الشحن التجاري والصناعي أصبحت ثلاث ليرات تركية للكيلوواط، وهو نفس السعر الذي أعلنته بالاجتماع السابق.

 

تصريحات مسؤولي الشركات

مدير شركة "AK ENERGY" في فرعها بمدينة الباب، المهندس محمد عساف، يقول لـ"أورينت" إنَّ: سبب ارتفاع الكهرباء هو "غلاء عالمي بأسعار الطاقة الكهربائية، وبالنسبة لنا نحن مرتبطون بسعر المصدر".

وفيما يخصّ الاجتماع الأخير في إعزاز، يوضح "عساف" أنّه تم خلاله إطلاع الوجهاء ورؤساء المجالس المحلية على سبب الغلاء ومقدار تكلفة الكهرباء على الشركة، وتم تفهّم الأمر من قبلهم، مشيراً إلى قرب انتهاء مشكلة الكهرباء خلال الأيام القادمة، بما أنَّه يتم إطلاع الأهالي على واقع عمل الشركة الخاصة.

بدوره، وصف أنس قدور أحد مسؤولي شركة "STE"، جلسة الاجتماع الأخير في تسجيل صوتي وصل لـ"أورينت" نسخة منه، بـ"الحادّة جداً"، ومن الاتهامات للشركة ادّعى أحد المهندسين أنَّ "مدير الشركة ضياء قدور سيقطع الكهرباء عن المنطقة"، وهذا ما نفاه "قدور" بأنَّه مردود على قائله، معتبراً أنَّ الشركة هي "أول المتضررين من ارتفاع الأسعار العالمية ومن ساعات التقنين وانقطاع الكهرباء أو عمليات التخريب".

ويعتبر الأهالي أنَّ شركة "STE" تُهيمن على المنطقة بانفرادها بشبكات الإنترنت إضافة للكهرباء في المناطق التي تمدّها هذه الشركة، ويُعربون عن استيائهم من عدم تدخل الحكومة السورية المؤقتة والائتلاف الوطني ومجلس محافظة حلب الحرّة بحلّ مشكلة الكهرباء، باعتبارهم المسؤولين عن المنطقة، وهتفوا بإسقاطهم خلال المظاهرات الأخيرة.

 

مخاوف من استيراد الكهرباء من مناطق سيطرة قسد

تُعدّ منطقة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" غنية بالنفط، ويُبدي مصدر محلي لـ"أورينت" مخاوفه من ارتفاع أسعار الكهرباء المنزلية من 75 قرشاً إلى ليرتين و50 قرشاً للكيلوواط، ما يؤدي إلى: "هجرة الناس من المناطق المحرّرة، وإفشال خطة الحكومة المؤقتة في تأمين هذه المناطق، كما يدفع بعض التجار والمزارعين والصناعيين إلى التوجّه نحو شراء الوقود من مناطق سيطرة قسد، وبالتالي دعم اقتصاد الحزب الإرهابي المعادي للثورة وتركيا".

ويُشير المصدر إلى محاولة شركات الكهرباء أن تحتل مناطق الشمال السوري على غرار ما فعلت شركة الشرق البريطانية التي سيطرت على الهند في أواخر القرن الـ18 وأجبرت الحكام الهنود على توقيع عقود تصبّ في مصلحة طرف واحد وتمنح الشركة سلطات ضريبية مربحة.

من جهته، الإعلامي في مدينة جرابلس، رامي مصطفى، استبعد في حديثه مع "أورينت"، التعامل مع "قسد" ودعمها اقتصادياً لأنَّّها تعدّ جهة معادية للثورة، مؤكداً أنَّه حلّ مرفوض من الأهالي وأيضاً من قبل الحكومة التركية.

 

محاولات إسكات المظاهرات

يذكر "مصطفى" أنَّ شركة "AK ENERGY" قطعت الكهرباء عن جرابلس لمدة ست ساعات كردّ فعل عن أول مظاهرة، ما دفع الأهالي للتظاهر في اليوم التالي بعدد أكبر أمام مبنى المجلس المحلي، بعدها ألغت الشركة الشريحة الأولى وهي ليرة و47 قرشاً لكلّ كيلوواط، ليكون السعر فقط ليرتين و48 قرشاً لكلّ كيلوواط، ما أدى لمظاهرة أكبر تم خلالها قطع طريق المعبر بين جرابلس وتركيا، ليتدخل المجلس المحلي ويطلب من الشركة تفعيل الشريحة الأولى، وبعد تفعيلها لا يزال المواطنون يشتكون من ارتفاع السعر.

من جهته، أحد منظّمي المظاهرات في مدينة مارع (فضل عدم ذكر اسمه)، يكشف لموقع "أورينت" أنَّ إعلان مجلس مارع المحلي الاستقالة كان شكلياً لامتصاص غضب الشارع وبمثابة حيلة لإغلاق خيمة الاعتصام التي أقيمت مقابل مبنى المجلس في الرابع من يناير/كانون الثاني الفائت.

ويشير المصدر إلى أنَّ أشخاصاً حاولوا تخريب المظاهرات السلمية عبر دفع الشركة لبعض المسلحين لمواجهة المتظاهرين، كما حاولت إغلاق عدد من المنشآت التجارية كي تُظهر المحتجّين السلميين بأنّهم "مخرّبون وفوضويون"، وفي أحد الاجتماعات رمى شقيق مدير الشركة في مارع قنبلة، وقام حرس الشركة بسحب الخيمة وتمزيقها، ليتم حلّ المشكلة بعودة الخيمة.

ويوضح المصدر أنَّهم علّقوا أعمال الاعتصام والتظاهر بعد أن استمرّت لأسبوعين، وتم تكليف لجنة تتابع الأمور، وقابل أحد المكلّفين الوالي التركي المسؤول عن المنطقة، وكان ردّه بوجوب محاسبة أصحاب الشركات على مخالفتهم لبنود العقد المبرم، وأكد له "عدم علمه بالغلاء الجديد".

وبعدها انعقد اجتماع وتم حل مشكلة الأسعار وإزالة الخيمة، لكن الشركة قطعت الكهرباء عن مارع لمدة يومين، ودفعت قوّة عسكرية إلى إجبار المزارعين على دفع المستحقات المترتبة عليهم رغم عدم التزامها بالعقود معهم، ما أدى لاستئناف المظاهرات ونصب الخيمة مجدداً.

فيما يرى أحد ناشطي مدينة عفرين، أنَّ الاحتجاجات المنظمة السلمية "لها دور إيجابي" في المطالبة بأسعار تتناسب مع دخل المواطن المحدود وهو بشكل وسطي ٧٥ دولار شهرياً، لموظفي التعليم والشرطة وصغار الكسبة والعمال، وعناصر الجيش الوطني أصحاب الرواتب الأقل.

ولفت بحديثه مع "أورينت" إلى أنَّ الشركة لا تعلن عن حصص المجلس المحلي أو غيره حتى تصل الصورة بشفافية للمواطن، كما إنَّ المجلس المحلي لم يقبل بعرض العقود على المواطنين.

 

شركة الشمال في مارع

في مدينة مارع تعاقد المجلس المحلي مع شركة الشمال المحلية باتفاق ينصّ على سعر موحّد لكافة الشرائح ومنع نقل ملكية الشركة من شخص لآخر دون علم المجلس، لكن هذه الشركة نظراً لتراكم الديون شاركت شركة "STE"، وبالتالي خالفت بنود الاتفاق خاصة أنَّها أقيمت بجهود محلية من أبناء مارع الذين قدّموا الأموال والبنى التحتية كي تقدّم خدماتها للأهالي، حسب مصادر "أورينت".

وإلى اليوم المظاهرات مستمرة في مارع، إذ لا يوجد بديل لشركة الشمال التي باتت واحدة مع شركة "STE"، ولا رادع يوقفها عن استغلال المواطنين لتكون أشبه بـ"عصابة" عن كونها شركة خاصة، -حسب وصف السكان- كما إنَّ العقد المبرم بين مجلس مارع المحلي والشركة مدته عامان، لتكون مدّته في العقد الجديد عشر سنوات.

من جهتهم نشطاء مدينة الباب نقلوا بياناً عن أعضاء مجلس الباب المحلي يوم العاشر من الشهر الجاري، أنَّهم رفعوا عدة دعاوٍ بحقّ شركة الكهرباء، لأنَّها تعمل ما يُحقّق مصالحها ضاربة بعرض الحائط الاتفاقات والمواثيق وغير مبالية بمصالح الأهالي، مؤكدين وقوفهم مع مطالب الأهالي.

يُذكر أنَّ غلاء الكهرباء في مناطق حلب بدأ نهاية العام المنصرم، لتبدأ الاحتجاجات الشعبية منذ مطلع العام الحالي، كما إنَّ المجالس المحلية يحقّ لها فسخ العقد في حال خالفت الشركة بنود الاتفاق، لكن لا يوجد شركة بديلة تُنافس الشركات الموجودة حالياً.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات