لماذا خفت صوت حراك السويداء بعد يومه السادس؟

لماذا خفت صوت حراك السويداء بعد يومه السادس؟
السيارتان المزودتان برشاشي دوشكا، والتابعتان لميليشيا الدفاع الوطني كانتا تحتلان مدخل الشارع المحوري من جهة دوار الشرطة العسكرية منذ صباح يوم الجمعة، وبالانعطاف صوب ساحة السير، يصير مشهد القبضة الأمنية أشد وطأةً، إذ إن مسلحي تلك الميليشيا برفقة عناصرَ أمنية كانوا يطوقون مداخل الساحة من كل الجهات، مستعينين بسيارات مصفحة خاصة بمكافحة الشغب. وكأن ثمة ما تمّت حياكته في الخفاء قبل ليلة من موعد الاعتصام المنتظر، والذي تنازل عن مكانه في ساحة السير، وقرر نقل الوقفة الاحتجاجية إلى محيط عين الزمان، البعيدة عن مركز المدينة، حيث تزداد مشقّة الوصول إلى هناك.

احتجاج داخل الاحتجاج!

كما المنتظر، خفقت أعلام الطائفة الدرزية فوق رؤوس المعتصمين، وأذاعت مكبرات الصوت ما حفظه المجتمعون، حول وقفة الكرامة، وأن من في الجيش هم إخوتنا، وانتقادات لرموز في السلطة السورية مثل مستشارة بشار، بثينة شعبان، وعدد من الأبواق الإعلامية للنظام. لكن اللافت كان منع إدارة الاحتجاج لأحد الشبان المتحمسين من مواصلة كلامه حين تحدث عن العصابة الحاكمة التي تحتل البلاد، ما أثار سخط مكونات عديدة للوقفة الاحتجاجية من بينهم جمهور الشباب الذي كان غائباً تقريباً عن وقفات الاحتجاج طيلة الأيام الخمسة الماضية في محيط ساحة السير، وكأن إدارة الاعتصام قررت عدم تناول شخصية بشار مجدداً، ربما هذا بعضٌ مما اتفقوا عليه بعد الجولة الأخيرة التي قام بها ممثلون عن الاحتلال الروسي حين التقوا محافظ السويداء، وفعاليات اجتماعية، ورجال دين على رأسهم الشيخ نزيه جربوع أحد شيوخ العقل الثلاثة في المحافظة، والذي يملك مكتباً في مقام عين الزمان يدير من خلاله أموال وقف الطائفة الدرزية، وجزءاً من الشؤون العامة.

إذاً لم يظهر تجانسٌ بين مكونات الحراك الذي اتسع وبلغ ذروته في يوم الجمعة، يومه الأخير، بحيث تقاسمَ المشهدَ تيارُ الجهة المنظمة الذي يضم مشايخ محسوبين على  الفصيل المسلح للشيخ جربوع، وتيار الشباب الذي أُسكت ومُنع من إبرام صفقة رفع سقف الحراك إلى أقصاه للمطالبة برحيل هذه السلطة، وبشار على رأسها، والتوجه إلى ساحة السير وهو المكان الذي تنازل عنه الحراك لصالح سلطة النظام السوري، وربما أثمرت جولة الاحتلال الروسي بإسكات الحراك والحجّةُ تعليقُه بغية إفساح المجال أمام السلطة لتنفيذ مطالبه، وأمام انكفائه المفاجئ تصعد فرضيات عدّة لتحليل طبيعة حوامل الحراك الحقيقية، وهي حوامل غير سياسية، وغير مؤهلة لصياغة حراك سياسي ممنهج، وواضح، وقادر على الاستمرار، ولا يسقط في زلّات المساومات المرحلية، أو يهدف إلى تعزيز المكاسب الشخصية لمن أطلقه.

فقدان الساحة، فقدان الثقة!

إن كانت مهمةُ حراك السويداء الأخير المستترةُ هي قياس السخط على النظام السوري، فالحراك حقق الغاية من إطلاقه، وإن كانت مراميه النهائية هي تنفيس الاحتقان الشعبي المتنامي منذ مطلع العام الحالي في السويداء بصورة خاصة ضد النظام القائم فهو كذلك قد حقق تلك الغاية، وإن كان بهدف تفاوضي مع سلطة الأمر الواقع، فأيضاً أنجز الحراكُ المطلوبَ منه، وربما يغيّر بشار الحكومة الحالية ويستبدلها بأخرى، فينسب الحراك هذا الإنجاز إليه، وهو ليس بالإنجاز على أي حال. لكن المعاني السياسية لتبديل مكان الاعتصام في يومه الأخير كانت تشي بتصفية الحراك بصورة ناعمة بلا عنف أو اعتقال أو مواجهات مع أحد.

 فتراجعُ الوقفة الاحتجاجية إلى مكان متطرف عن مركز المدينة يحمل معاني الانسحاب والتراخي والضعف، ويكسب السلطة معنى الظفر واحتلال ساحة التظاهر الرئيسية لأن في هذا مدلولاتٌ سياسية لم تدركها أدمغة الشيوخ المنظمين للحراك، والذين بثّوا كل أنواع العنتريات، من الرد بالصواريخ إن تعرض أحدٌ للمعتصمين بأذى، إلى عدم خشيتهم من طائرات بشار وحلفائه، إلى شعار: "نحن قد هنانا وعزانا" لكن سياسياً وواقعياً خسر الحراك ساحته، وربح النظام معركة قمع جديدة للحريات وإسكات للأصوات المناوئة له، وجرّها إلى مزيدٍ من الخيبة والوهن.

انحسر حراك السويداء أيضاً في الوقت الذي بحث فيه الائتلاف السوري المعارض سبل دعمه، وفي الوقت الذي بدأ يجذب إليه شباباً متحمساً، وقادراً على جعله أكثر زخماً وقدرة على الديمومة والبقاء، وفي الوقت الذي بدأ فيه الشيخ موفق طريف شيخ عقل الدروز في فلسطين بنقل واقع الحراك ومعاناة السويداء بصورة خاصة إلى محافلَ دولية.

صباح السبت كانت سيارتا ميليشيا الدفاع الوطني تحتلان مدخل المدينة من جهة دوّار الشرطة العسكرية، متسمّرتان في مكانهما منذ صباح يوم الجمعة وكأنهما لم تتحركا، فيما انفضت حلقة احتلال ساحة السير من قبل عناصر تلك الميليشيا ومن كان يؤازرها من قوات أمنية، وعاد العمال يجلسون القرفصاء، حيث اعتادوا الجلوس في الساحة، وكأن الأصوات التي أفرحت من انتظرها وارتفعت قامتها من ذاك المكان، أولمتها اليدُّ الخبيرة بالدفن إلى سلطة العتمة والظلام مجدداً.    

التعليقات (1)

    بسام فياض

    ·منذ سنتين شهرين
    اعلام الطائفة الدرزية!!!!! فعلا شر البلية ما يضحك ..... عيب والله العظيم ..... عيب رفع هذه الاعلام الانفصالية للكيان الدرزي المفترض!!!!!!
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات