ما هي العوامل التي سهلت التعرف إلى القرشي؟ ولماذا انتظرت أمريكا عامين لتصفيته؟

ما هي العوامل التي سهلت التعرف إلى القرشي؟ ولماذا انتظرت أمريكا عامين لتصفيته؟
قدمت المخابرات الأمريكية كشفاً غير رسمي بتفاصيل أربعة وعشرين شهراً من مطاردة زعيم تنظيم داعش "أبو إبراهيم القرشي"، والتي انتهت بقتله مطلع شباط/فبراير ٢٠٢٢.

تفاصيل المطاردة والمراقبة

وقال مسؤولون لصحيفة الواشنطن بوست إن المخابرات الأمريكية تتبعت مخبأ القرشي عبر مراحل، بدأت أولاً من خلال عملاء كانوا موجودين على الأرض، ومن ثم عن طريق طائرات تجسس بدون طيار، كاشفين أن "إعاقته الجسدية ساعدت المسؤولين في العثور عليه، حيث كان القرشي برجل واحدة فقط".

وفي تقرير لها قالت الصحيفة الأمريكية: إن طائرة تجسس أمريكية مسيرة حلقت نهاية الخريف الماضي فوق منزل على حافة بستان زيتون في شمال غرب سوريا، وكانت كاميراتها تحاول التأكد من استمرار وجود القرشي صاحب اللحية والإعاقة في الداخل". 

وحسب التقرير، فإن الرجل الذي فقد ساقه اليمنى في الحرب، ونادراً ما يغادر شقته في الطابق الثالث، جعل مهمة طائرات الدرون سهلة قبل الانقضاض عليه في الثالث من هذا الشهر.

ويضيف: عندما قررت الإدارة الأمريكية تصفية القرشي بعد التأكد تماماً من هويته، أرسلت طائرة صغيرة ثبتت عدستها على الشقة التي يقيم فيها وتأكدت من وجوده، ثم انتشرت عناصر استخباراتية أخرى مزودة بكاميرات وأجهزة استشعار عن بعد فوق المنزل وحوله، وفي النهاية حصلوا على ما يريدون. 

وأشارت إلى أنه "بعد مطاردة استمرت عامين، رصد المخبرون على الأرض القرشي الذي تصفه واشنطن بالمراوغ بسبب تمكنه من تضليل مخابراتها عندما اعتقل للمرة الأولى عام ٢٠٠٩، ثم أكدت العدسة التلسكوبية للطائرة بدون طيار أنه هو. 

وأوضح المسؤولون أن "هذا الرصد لفترة طويلة لم يؤكد فقط هوية القرشي في نهاية المطاف، ولكنه أثار أيضا جدلاً حول ما إذا كان سيتم شن غارة جوية تخاطر بقتل الأبرياء، أو إرسال قوات كوماندوز إلى منطقة مضطربة في سوريا، تسيطر عليها مجموعة من الجماعات المسلحة التي تضم عناصر مرتبطين بالقاعدة".

وكشفوا أنه "بحلول أواخر أيلول/سبتمبر ٢٠٢١، بدأت مجموعة من القوات الخاصة الأمريكية التدريب لمحاكاة شن غارة على المنزل، مع الأخذ بالاعتبار أنهم قد يواجهون أفخاخاً مصممة للتصدي لمثل هذه العمليات، مشيرين إلى أنه "تم التفكير في شن غارة جوية على المنزل، لكن سرعان ما تم استبعاد هذه الفكرة".

وقال المسؤول: "كان البديل هو تنفيذ غارة طويلة المدى بطائرة هليكوبتر باستخدام الكوماندوز، لكن هذا الاقتراح كان أكثر خطورة، في وقت الهدف من المهمة كان القبض على زعيم داعش، وجمع المعلومات الاستخباراتية وبالطبع تجنب أي ضرر على المدنيين".

التساهل

ورغم الواقعية الكبيرة التي ظهرت عليها رواية المخابرات الأمريكية حول رصد ومراقبة المطلوب الأول عالمياً، حيث تجنبت إظهار أي مهمة استثنائية كان على عناصرها القيام بها من أجل تحديد هوية القرشي أو قتله، إلا أن العديد من الأسئلة يتركها التقرير كثغرات في هذه الراوية.

الثغرة الأولى تتعلق باختيار زعيم تنظيم داعش شقة في الطابق الأعلى من بناء يتألف من قبو وطابقين، ما يجعله تحت عدسات المراقبة الجوية حتماً، إلا إذا كانت قيادة التنظيم لم تفكر بهذا الأمر، أو استبعدت بشكل نهائي حصول أجهزة الاستخبارات على أي معلومة تفيد بتحديد هويته أو مكان إقامته.

وعلى عكس ما كشفت عنه تفاصيل العملية التي استهدفت سلفه "أبو بكر البغدادي"، فإن الأخير كان يقيم في قبو أشبه بالسرداب في المنطقة نفسها، وما يثير الاستغراب أكثر أن القرشي لم يأخذ بالاعتبار وجود علامة مميزة تسهل من التعرف إليه وهي إعاقته.

لكن مسؤولاً سابقاً في الأمن الجنائي السوري لا يستبعد أن يكون القرشي قد حاول أن يبدو طبيعياً وألا يلفت الانتباه لأبعد حد ممكن، لكنه لم يعط احتمال الوشاية به من قبل زملاء له أو معتقلين من التنظيم يعقدون صفقة مع أجهزة المخابرات، أي اعتبار.

ويضيف الخبير الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، في حديث لـ"أورينت نت": يحدث أن تساوم أجهزة المخابرات أشخاصاً أقل أهمية في التنظيمات وشبكات المافيا والجريمة المنظمة، مقابل تقديمهم معلومات مهمة جداً، وهذا احتمال وارد في حالة القرشي، حيث شهدت الأشهر الماضية اعتقال العديد من قادة الصف الثاني والثالث في تنظيم داعش وخاصة في العراق.

ويتابع: أعتقد أن أحد هؤلاء أكد لهم هوية الشخص الذي يبحثون عنه، وقدم وصفاً دقيقاً لشكل القرشي والعلامات التي تميزه من حيث الشكل، وخاصة الطول والإعاقة وطريقة السير والحركات الجسدية التي اعتاد على أدائها، وغير ذلك ما سهل التأكد منه خلال مراقبة المنزل الذي لا شك أيضاً أن المخابرات علمت بإقامته فيه عبر نفس المصدر، ومن ثم أوعزت لعملائها على الأرض ولقوى المراقبة الجوية للتأكد من هذه المعلومات.

غياب التواصل

النقطة الثانية التي تفرض نفسها من خلال السردية التي تقدمها المخابرات الأمريكية حول ما جرى في حقل للزيتون على أطراف بلدة دير بلوط قرب "أطمة" الواقعة بريف إدلب قرب الحدود مع تركيا على مدار أشهر، هي عدم ذكر أي نشاط للقرشي يتعلق بقيادة التنظيم أو إدارته.

فالتقرير الذي نشرته الواشنطن بوست لا يذكر على الإطلاق أن زعيم داعش قد استقبل طيلة فترة المراقبة أي مندوب أو مسؤول آخر من التنظيم، أو عقد أي اجتماع فيزيائي مع أي شخص آخر، الأمر الذي يطرح أسئلة حول مدى شمولية المعلومات الواردة في هذا التقرير، خاصة وأن ما تم الكشف عنه سابقاً من قبل المخابرات الأمريكية، أكد أن قائد داعش الأخير لم يستخدم أي أجهزة أو معدات إلكترونية، بما في ذلك الحاسوب أو الهاتف.

إذاً كيف أدار القرشي التنظيم الذي شهد خلال العام الأخير من قيادته له استعادة أنفاسه وتنفيذ عدد كبير من العمليات الأمنية والعسكرية، سواء في سوريا أو العراق، وكثير منها كان نوعياً ويحتاج لتخطيط ومتابعة على مستوى عال ؟

سؤال يحاول الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي تقديم المقاربات الممكنة في الإجابة عنه، حيث يضع احتمالين بهذا الصدد.

ويقول في تصريح لـ"أورينت نت": إما أن التقرير لا يقدم كل المعلومات ولا يكشف عن جميع البيانات التي تم جمعها خلال عملية المراقبة، وهذا احتمال لا يمكن إسقاطه بكل الأحوال، لأن أي جهاز مخابرات سيتحفظ على قسم من المعلومات ولا يكشف عنها للجمهور، وإما أن القرشي كان زعيماً شكلياً للتنظيم.

ويضيف: في الواقع هناك معلومات تشير إلى أن القيادة الحقيقة لداعش لم تعد بيد رجل واحد يمتلك صلاحيات مطلقة، بل تقول إنه بعد مقتل أبو بكر البغدادي عام ٢٠١٩ باتت القيادة مشتركة من خلال ما يسمى مجلس شورى.

ولذلك، لا يستبعد العاصي أن يكون هذا المجلس الذي هو عملياً مجلس القيادة ويشهد تنافساً بين أعضائه من أجل السيطرة على مقاليد الأمور، هو من أدار كل شؤون التنظيم بدون أي تواصل أو رجوع للقرشي، الذي ورغم رفع الولايات المتحدة قيمة مكافأة الوشاية به من خمسة ملايين دولار قبل تسميته "خليفة" إلى عشرين مليوناً بعد ذلك، إلا أنه بقي مهمشاً لصالح القادة الفعليين الذين باتوا يهيمنون تماماً على التنظيم.

لغز الفترة

لكن السؤال الأبرز الذي يطرحه تقرير الاستخبارات الأمريكية حول الفترة التي سبقت تصفية زعيم تنظيم داعش، واسمه الحقيقي أمير محمّد عبد الرحمن المولى الصلبي، هو إشارة هذا التقرير إلى أن فترة المراقبة استمرت طيلة عامين، بينما أكد صاحب المنزل الذي كان يقطن فيه أن القرشي انتقل للإقامة في منزله كمستأجر قبل ١١ شهراً من مقتله فقط.

لكن الخبير الأمني الذي تحدثت معه "أورينت نت" قال: إن التقرير الذي نشرته الواشنطن بوست لا يوضح بشكل جلي ما إذا كان الحديث عن "عامين" من المراقبة كان جزءاً أصيلاً من رواية الاستخبارات الأمريكية أم اجتهاداً من المحرر، وهل المقصود بذلك عملية الرصد الكاملة منذ تسمية القرشي "خليفة" قبل عامين بالفعل، أم تقتصر فقط على مدة إقامته في هذا المنزل، ويقول التقرير مع ذلك إنه سكن فيه طيلة العامين الماضيين؟

ويضيف: الإجابة بوضوح عن هذين السؤالين ستكشف عما إذا كان تقرير المخابرات قد سقط في ثغرة بالفعل وبالتالي لا يمكن الاعتداد به على أنه يقدم الحقيقة، لكن ما يجب الإشارة إليه أن الأمريكيين قادرين على مراقبته قبل دخوله هذا المنزل أيضاً، بحكم الإمكانات التكنولوجية التي تسمح لهم بمسح المنطقة كاملة، من أفغانستان إلى سوريا بما في ذلك إيران والعراق.

رغم كل ما تم الكشف عنه من تفاصيل حتى الآن حول مراقبة وقتل زعيم تنظيم داعش أبو إبراهيم القرشي، وبغض النظر عن مدى دقة ما قدمته من معلومات، إلا أن ما هو محل اتفاق أن المخابرات الأمريكية ستظل تحتفظ بجزء لا يمكن الكشف عنه للرأي العام؟ لكن السؤال الأهم الذي لم تقدم أي إجابة عنه هو لماذا انتظرت كل هذا الوقت لتصفيته رغم أنها تأكدت من هويته قبل ذلك بأشهر؟!

التعليقات (1)

    مهاجر

    ·منذ سنتين شهرين
    تقرير عديم القيمة مع وحود الجاسوس العميل الجولاني وعصابته بالمنطقة.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات