احتلال أوكرانيا وتحرير سوريا ونهاية بوتين

احتلال أوكرانيا وتحرير سوريا ونهاية بوتين
أساطير عربية وسورية نسمعها بغزارة عن أوكرانيا، كما سبق سمعناها ولا زلنا عن سوريا من إخباريات ومحلليها وضيوفها، كما يتركز التحليل حول اللحظة الراهنة مع قفز الجميع عن ردود الفعل والتغييرات الإستراتيجية المتوقعة لما يجري في أوكرانيا، وتأثيره على العالم ومن ذلك تأثيره في سوريا، لذلك فإن تلك الأساطير التي تشوش الصورة لدى الجمهور والتأثيرات الإستراتيجية المتوقعة هي محور هذا المقال .. لذلك وللعلم:

• ما يجري في أوكرانيا منذ عام 2014 (احتلال القرم التي هجّر الشيوعيون معظم سكانها المسلمين سابقاً، وتمرّد إقليمين شرقها يسكنهما كما القرم (مع الأوكرانيين) روس مستوطنون هناك منذ العهد الشيوعي، ما يجري في أوكرانيا ليس حرباً أهلية بل عدوان من قبل سلطة غير شرعية شرق أوكرانيا قامت بدعم لا محدود من سلطة مافيوية روسية للاعتداء على حرية بلد مستقل تحت سلطة شرعية منتخبة، أساطير تقارب تشبيه ثورة سورية الشرعية في وجه سلطة غير شرعية تتلقى الدعم من نفس الجهة المافيوية الروسية؛ تشبيهها بحرب أهلية.

• أمريكا لا تريد توريط بوتين بغزو أوكرانيا لاستنزافه بل ترغب وبشدة في منعه لكن دون تقديم تنازلات إستراتيجية له في ما يتعلق بانتشار الناتو والأسلحة الإستراتيجية، لكن إن فعلها وغزا أوكرانيا فحرب استنزاف ستنتظره حتماً كنتيجة لغزوه لا كهدف.. تماماً كما لم تورّط أمريكا بوتين في سوريا لاستنزافه كما تقول الأسطورة، فالروس لا يخسرون شيئاً في سوريا بل يربحون الكثير، كما إن أوباما تجاهل الأمر (وربما أعطى الموافقة للروس) رغبة بإنقاذ مشروع حليفه ملالي فارس في سوريا، وبالتالي إنقاذ النظام الأسدي الطائفي غير الشرعي، ولم يقدّم ومن خَلَفوه (ترامب وبايدن) على أي عمل حتى اللحظة لاستنزاف الروس في سوريا بعكس ما تقول الأسطورة. 

• أمريكا لا ترغب بترهيب الأوكرانيين من احتلال أو سيطرة للروس أو عملائهم بهدف إيجاد مبرر لتسليح أوكرانيا كما تقول الأسطورة، بل تعطيها السلاح اليوم بمقدار ونوعيات محدودة محسوبة بحدّها الأدنى حالياً، بما يعينها على بعض الدفاع عن النفس لكي لا يكون الغزو وما سيليه من مقاومة طويلة سهلاً، فمن السذاجة تصوّر أن الغزو الروسي بعملائه يمكن مواجهته بمظاهرات سلمية .. أما في سوريا فأمريكا لم تسلّحنا يوماً "لكي تُفسد الثورة السلمية" كما تقول الأسطورة، بل بالعكس مارست أمريكا حظراً صارماً على تسلّحنا انصاع له كل حلفائنا، واستثنيت شحنات تافهة من مضادات الدروع (تاو) كذرّ للرماد في العيون بشكل لا يؤثر أبداً على النظام وحلفائه الروس وملالي إيران، تماماً مثلما أن نظام القرداحة كان همه منع وصول أي سلاح لأيدينا منذ أشهر سبقت الثورة حتى لو كان بندقية صيد، بعكس ما تقول أسطورة "الكيوت" الذين يختصرون الثورة ورموزها بهم، وبكم حركة ومظاهرتين، بينما عددهم بالكاد يملأ بضع حافلات وشهداؤهم بعدد ركاب حافلة صغيرة ومعتقلوهم بالكاد يملؤون حافلة، وإنجازاتهم حبّة رمل في جبل الثورة وتضحياتها.

• كل المباحثات التي جرت حتى الآن فشلت في كبح هوَس بوتين بالسيطرة بعكس أسطورة الإعلام العربي وجهابذة محلليه بعد كل اجتماع سابق (بما فيها اجتماع المستشار الألماني شولتز ببوتين قبل أيام كما رددت بعض الإخباريات العربية ومراسلوها قبل أيام).

• وبالنتيجة، فإن توسع وإرهاب بوتين ليس توريطاً مرغوباً ومدفوعاً من قبل أمريكا كما تقول الأسطورة، ولن يتوقف عند أوكرانيا، وفعله ليس ذكاء وقوة كما نسمع من جهابذة التحليل، بل فعله هو إجرام وحماقة مغرور مهووس سيواجه عواقبها بتدمير مشروعه بحرب باردة طويلة ستجبر عليها أمريكا وأوروبا وليست ساعية لها كما تقول الأسطورة، وسنستفيد نحن منهما؛ أي حماقة بوتين والحرب الباردة عليه، فلا داعي للّطم والعويل مما سيجري كما يزعق أصحاب الأسطورة في كل المنابر وكأن الحرب القادمة على عتبة بيتهم متباكين بسذاجة على السلام العالمي الذي ننعم به!!!، وربما كان ما سيجري في أوكرانيا وما سيليها (وهو غالباً كذلك برأيي) خيراً يخلّص العالم من دولة نظام المافيا التوسعي الإرهابي البوتيني الروسي الجديد الداعم لكل استبداد في العالم.

يقودنا هذا وبعيداً عن الأساطير إلى استشراف ما سيجري على المستوى الإستراتيجي، وهو موضوع القسم الثاني من هذا العرض:

1. بوتين حتماً سيغزو أوكرانيا أو سيبدأ الروس حملة قصف مركز لتدمير الدفاعات والجيش الأوكراني ليقوم متمرّدون أوكرانيون مزعومون (معظمهم مرتزقة وجنود روس) باحتلال العاصمة كييف تمهيداً لإعلان حكومة أوكرانية عميلة لبوتين هناك، وسيعترف الروس بها ولن نسمع عن جندي روسي هناك مع أنهم في كل زاوية، وسينسحب الروس من الحدود .. الغزو (أو السيطرة تحت قناع متمردين) ستجري خلال أيام او أسابيع وربما قبل أو بُعَيد إدراج هذا المقال للنشر.

2. بعد أوكرانيا سيأتي دور دول البلطيق الثلاث (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) بحجج وسيناريوهات مختلفة لتنصيب حكومات عميلة، وقد يتطلب الأمر بضع سنوات لا أكثر كما أعتقد.

  

3. الرد الأمريكي والأوروبي المباشر سيكون بعقوبات اقتصادية تسحق الاقتصاد الروسي الفارغ الهشّ، ما سيسبّب حنقاً داخلياً شديداً على بوتين الذي يستغلّ مشاعر الروس اليوم بوهم القوة مقابل الدونية التي أشعرهم بها الأوروبيون عبر التاريخ، أيضاً ستُضعف العقوبات المؤسسة العسكرية الروسية بما يخلق ظروفاً لتمرد شعبي وعسكري محتمل.  

4. لن يستطيع بوتين الضغط على الأوروبيين لفترة طويلة باستخدام إمدادات الغاز لأن بيع الغاز إلى جانب النفط كان وسيظل مورده الأساسي وربما شبه الوحيد المتبقي لتمويل دولته.

5. سيبدأ دفع الثمن البشري الروسي من أوكرانيا بخسائر واستنزاف لجنوده سيستمر ما دام يحتل أوكرانيا. 

6. سيدعم الأمريكان حركات متمردة في الأقاليم التي تتبع أو بشكل أدقّ تحتلها روسيا كالشيشان وداغستان وأقاليم مسلمة عديدة، كما سيدعمون حركات متمردة في الجمهوريات المستقلة نظرياً لكنها عملياً محكومة بأنظمة استبدادية عميلة لروسيا مثل كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وباقي الجمهوريات الإسلامية، ومثل ذلك المعارضة في روسيا البيضاء، كما سيدخلون في شراكات عسكرية إستراتيجية عسكرية مع دول معادية لبوتين كجورجيا .. وهنا سيدفع الروس خسائر ربما بمئات آلاف الجنود الروس على مدى سنوات طويلة  قد تصل لعقد أو أكثر وصولاً لاستنزاف روسيا وطردها من معظم هذه المناطق وتحويلها إلى قزم اقتصادي بعد أن تفقد مواردها الطبيعية في هذه الأقاليم بعد تحريرها وشعوبها من السيطرة أو الاحتلال الروسي الذي بدأ منذ عهد القياصرة.

7. سيعمل الأمريكان على إخراج روسيا من كل تمدد خارجي سابق مثل ليبيا ومالي وأينما تمدد بوتين وعلى رأس ذلك سوريا، وسيكون ذلك على حساب نظام القرداحة وملالي إيران، حيث إن التحالف الثلاثي الشيطاني الإرهابي الطائفي القرداحي/البوتيني/الصفوي، يعيش بأضلاعه الثلاثة معاً ويسقط الجميع في سوريا بسقوط أحد أضلاعه، بعكس ما تقول أسطورة تقول بإخراج الإيراني لصالح الروسي أو العكس ولصالح استمرار نظام القرداحة، لذلك سنكون نسبياً أكثر المستفيدين في سوريا كثورة من سيناريو الجنون البوتيني في أوكرانيا وما سيليه، باعتبارنا شركاء في هذا المشروع وليس كما تحلم عصابات أوجلان الكردية التي ستذهب ومشروعها الانفصالي بين الأرجل كما سقط ما سبقها خلال قرن مضى في خضم تحوّلات عالمية إستراتيجية كبيرة مشابهة، ففي سوريا لن يمر المشروع الأمريكي بوجه بوتين دون عون تركي، ودون مواجهة مباشرة تركية/روسية، عون تركي ثمنه غالباً إنهاء المشروع الأوجلاني الكردي الإرهابي الذي يحتل شمال شرق سوريا أو تقزيمه إلى درجة كبيرة تشبه الاحتضار ما قبل النهاية، وليحصل الأكراد الذين استوطنوا سوريا قبل قرن حقوقهم كمواطنين في إطار دولة سورية ديموقراطية دون أوهام فيدرالية مزعومة بجوهر انفصالي لا تستقيم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ووطنياً وإقليمياً ودولياً، ناهيك عن أنها تغتصب ما ليس لها تاريخياً.

8. ستنتهي روسيا بوتين إلى كيان مقلّم المخالب بما فيها نزع سلاحها النووي في النهاية، وسيسبق ذلك التخلص من بوتين شخصياً بسيناريوهات متعددة، ولن يختلف مصيره عن موسوليني أو هتلر وأضرابهم، ولن يكون مصير سفاح القرداحة المعتوه وزبانيته مختلفاً عن ذلك أيضاً. 

9. كل ما سبق يعتمد على جنون بوتين وطموحاته غير الواقعية والمستندة إلى سيكولوجيا أي ديكتاتور معتوه كما حصل مع هتلر وموسوليني، وهو جنون وعُته يتمتع به بوتين لتبدأ سلسلة التفاعل المتسلسل السابقة .. فقط يحتاج بدء التفاعل لشرارة بات من شبه المؤكد أن يشعلها بوتين بعُتهه في أية لحظة أو قريباً عاجلاً باحتلال/السيطرة على أوكرانيا وهو ما سينجح فيه حتماً في البداية وإلى حين، بل برأيي أن احتلال/ السيطرة الروسية سياسياً وعسكرياً على أوكرانيا باتت بحكم "فعل ماض" حتى ولو لم تحدث حتى اللحظة.

أخيراً .. قد يسمّي البعض ما سبق من "سلسلة التفاعل" مجرد حرب باردة جديدة، لكنني أميل ووفقاً لكل المعطيات والسيناريوهات والنتائج إلى تسميتها  "حرباً عالمية ثالثة" لكن بأسلوب جديد ودون مواجهات أمريكية أوروبية/روسية مباشرة، ففي مقدمات ما يجري تذكير وتشابه بل وشبه تطابق بما سبق الحرب العالمية الثانية، وربما كانت خطوة ضرورية قبل مراحل لاحقة (دموية غالباً مع الأسف) ليسود السلام العالم بعدها متخلصاً من الاستغلال وأنظمة الاستبداد والحروب والعنف. 

التعليقات (4)

    dr.alkelany

    ·منذ سنتين شهرين
    قرائه واقعيه ,اشكر لك هذا التبيان.

    سوري للعظم

    ·منذ سنتين شهرين
    نسأل الله أن يتدخل و يخلصنا من الطغاة المجرمين بشار و بوتن والمجوسي حسن زعيم حزب الشيطان وسيده في إيران المجوسي الفارسي الخامنئي.

    المجرم بشار البهرزي وبوتن الخنزير

    ·منذ سنتين شهرين
    صار النا عشر سنين ع مناكل صدمات وخيبات منكبر الأمل دائما لكن...سينتصر الحق مهما طال الزمن.

    عبد

    ·منذ سنتين شهرين
    قراءة واقعية بخاتمة غير موفقة وفكرة تفضي بشكل أو بآخر إلى أن أمريكا حمامة بيضاء ، فالسلام لا يعم و الاستبداد لا ينتهي بتقليم أظافر روسيا فهناك حربة الشر الأكبر التي تدير كل هذه الفظائع خلف الكواليس ، لم يكن الروس في فيتنام ولا في بغداد إبان اجتياحها وانتهاك حقوقها وسيبقى الاستبداد مرافقاً البشرية بوجوه مختلفة حتى قيام الساعة لتنتهي مسيرة الظلم بلقاء رب العباد .
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات