السياسة ضد الدين.. مساعدات الدروز إلى الدروز حرام!

السياسة ضد الدين.. مساعدات الدروز إلى الدروز حرام!

بلا مشقّة، يمكن معاينة الآثار المرئية لبقاء النظام السوري ماثلاً حتى الآن، وذلك بتتبّع معالمها داخل البنى الاجتماعية السائدة في السويداء خلال السنوات الماضية، والتي لم تتبدل تبدلاً كلياً، وإنما تزاحمت فيما بينها على اقتسام الكارثة السياسية المتمثلة بديمومة  هذه السلطة، ومن ثم على محاولة استقصاء الدروب الضيقة للنجاة بأقل الخسائر الممكنة، وهذا رهانٌ سقط مع الزمن أيضاً، فلا نجاة إلا لمن غادر المحرقة المسمّاة "سوريا"، ولا سبيل لتخطّي كساد الحياة في السوق السورية باستنطاق المساعدات الخارجية، ولا سيما ذات الطابع الإثني، أو بتدبيج حملات إدانة لهذا النظام القميء على صفحات التواصل الاجتماعي، فالخلاص كفعل سياسي اجتماعي من هذا النظام بات مرهوناً بإعادة إنتاج الثورة السورية مجدداً خاصةً في المناطق التي قاطعتها أول الأمر، بعدما التفتَ رأس العالم حالياً إلى الحرب الروسية الأوكرانية، وتركَ وراء ظهره كل القضايا الملحّة عالقةً بلا حلّ، والقضية السورية إحداها، ولعلها الأهم.

المحذوفون في مسيرة الحزب القائد


لم تخرج البنى الاجتماعية في السويداء بمقولات جديدة خارج النص المكتوب لها طيلة السنوات الماضية، فالفعل السياسي ظلَّ راكداً لا يطارد سوى عقول بعض الأفراد، أي لم يرتقِ ليتجسد في الوعي الجمعيّ عند أي بنية اجتماعية متجانسة من الناحية الشكلية على الأقل. حيث لم تنهض أيُّ حركة احتجاج طلابية في السويداء على الإطلاق، هي التي تحصي عدداً لا بأس به من الكليات التي تتبع إدارياً جامعة دمشق، وهذه البنية يعوّل عليها الكثير خاصةً في الأزمنة التي يتوجب فيها على المجتمع استرداد السلطة من النظام السياسي القائم. لكن الحال في السويداء غير ذلك، فالكليات مثل الثانويات هي أماكنُ لتلقي الدروس وتمرير الوقت، إضافةً إلى إدراج فاتح الشهية الجديد، الحشيش أو الحبوب المخدرة في مناهج دراستهم غير الرسمية. لم يستقم الوعي الطلابي إذاً، ولم يُنتج الواقع المأزوم شخصيات قيادية طلابية قادرة على إنتاج فروقات حاسمة في حالة الركود المديد، كما حدث في فرنسا والصين وإسبانيا وكوريا الجنوبية في القرن الماضي.     


ذوو الدخل المحدود سواء كانوا عمالاً أم موظفين أم صغارَ حرفيين أيضاً همّشتهم النقابات والاتحادات العمالية، أو تهمّشوا داخلها بفعل التفريغ المديد لبنى المجتمع الحيّة والذي مارسته الذراع الأمنية للسلطة باقتدار، حتى إن الأحزاب اليسارية في السويداء كما في غيرها من المدن السورية بقيت تتفرج على الانسحاق التاريخي للبروليتاريا، وبقيت تنافق السلطة القائمة بصمتها الذليل، وهي على أي حال ليست سوى جزء من المخرجات النهائية لقمع الآلة الأمنية.


تلك البنى التنظيمية التقليدية بالإضافة إلى التركة البشرية الهائلة التي يملكها حزب البعث أبقت المجتمع الدرزي معتقلاً داخل إفلاس سياسي يصعب تجاوزه مع المعطيات القائمة، أما المحذوفون من مسيرة الصمت تلك، والتي يجلّها الحزب القائد، هم إما غائبون تحصيهم قيود الهجرة أو النزوح أو الاعتقال، أو ينتظرون قيامةً اجتماعية منطقية تجافي كل هذا الموت السياسي الشنيع للمجتمع.

 

بماذا تقدّم "المشايخ" على سواهم؟


فئتان اجتماعيتان ازدهرتا في السويداء خلال عشر السنوات الماضية من دون أن تربطهما أي قواسمَ مشتركة، وهما "المشايخ" و "العصابات المسلحة"، كما إن تراتبيتهما داخل الهرم الاجتماعي مختلفتان، فحركة النكوص الديني منذ العام 2013 استقوت بمعطيات واقعية تُقارب نصوصاً دينية لدى الدروز تتحدث عن نهاية الزمان، مثل "مجرورية يوم القيامة"، ولعل نمو هذه البنية الاجتماعية من حيث العدد بصورة مطّردة كان لافتاً، وهي على أي حال تكاد تشكّل مجتمعاً داخل المجتمع، تتآلف مكوناتها مع بعضها بسرعة، وبمجرد حضور الفرد بلباس الدين الدرزي التقليدي، تعتبر هذه الفئة أن الراتب الحكومي "حرام" لأنه يأتي بلا تعب، فمعظم مكوناتها تمتهن الزراعة والتجارة، ولا يؤدون الخدمة العسكرية، مرجعيتهم الروحية هي مشيخة العقل الدرزية، وتربطهم صلات قرابة ودين مع دروز الجولان وفلسطين.

 هذه الفئة ستلعب دوراً محورياً في مسألة توزيع المساعدات القادمة من دروز الخارج،  والتي كان أهمها المساعدة المالية الكبيرة عام 2015 القادمة من دروز فلسطين والتي وُزعت على معظم المجالس الدينية في السويداء (في كل قرية مجلس ديني يديره سائس يتبع روحياً إلى شيخ العقل) والتي صُرف معظمها على شراء أسلحة، وأقلها على تمويل مشاريع خدمية محليّة.

 هذه المرة جاءت المساعدات عينية وليس نقدية، بعدما تعالت أصوات كثيرة تشكك في نزاهة توزيع المساعدات النقدية، وتعرضها للنهب الممنهج في قنوات عديدة، ومن شخصيات دينية رفيعة يُفترض بها أن تكون مؤتمَنة على أموال الطائفة.      
مطلع الشهر الحالي توافد العديدون إلى المعبر الحدودي في القنيطرة، معلنين رفضهم لدخول قافلة مساعدات من دروز فلسطين إلى دروز السويداء، تحركهم شعارات وهواجس ملحميّة كبرى مثل: "لا للمساعدات من خلال الاحتلال الذي قتل أولادنا ودعم الإرهاب" ؟؟!! 


أولئك المتوافدون لا ينطقون بلسان دروز السويداء، فقط هم مجرد شخصيات هامشية ممسوسة بشعارات النظام السوري السخيفة، والذي وصل إلى درجة مقرفة من الإفلاس جعلت الهاتف الأرضي يخرج عن الخدمة في معظم مقاسم الهاتف في السويداء، الأمر الذي يعيد بحث جديّة استيقاظ الحراك النائم حالياً، وضرورة بعثه مجدداً، وتوسيع مكوناته، وعودته إلى الساحة التي انطلق منها، وضرورة فتح المعبر الحدودي الذي يربط السويداء مع الأردن والذي بات أمراً فائق الضرورة. فالنظام الذي يعتبر مساعدات دروز فلسطين لدروز السويداء "حراماً" من الناحية السياسية، هو النظام نفسه الذي يجد بقاءه المقيت "حلالاً" حتى ولو استوطن كل السوريين في المقابر جرّاء ذلك، لا يهم!.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات