الخلاص الزائف

الخلاص الزائف

تنتمي فكرة الخلاص الوطني  إلى حقل الكفاح الشعبي من أجل الحرية والكرامة والاستقلال الوطني.
فانظروا ماذا حدث حين لم يفكر  الوعي المتخلف بنتائج خلاصه المعتمد على توسل الخلاص من قوة خارجية.


فقد ظن الوسخ التاريخي الحاكم في العراق بأن خلاصه سيتم عن طريق الغزو الأمريكي، فانظروا إلى هذا الخلاص كيف تعيّن في الخراب الذي هو أسوأ خراب عرفه تاريخ بلاد الرافدين، بل إن الخراب الذي نتج عن الغزو التتري لا يساوي جزءا من الخراب التاريخي الذي يعيشه العراق الآن، وليس هذا فحسب، فقد ظنت الميليشيات الشيعية بأن أمها الإيرانية ضامنة لبقائها، ولا يعرفون بأن أمها هذه ليست سوى أداة قتل للأم الحقيقية -العراق.


وظنت الجماعة الحاكمة في الشام بأن قوة الروس والإيرانيين الهمجية وميليشيات الوسخ التاريخي من كل الأنواع بما فيها ميليشيات أحمد جبريل ستجلب لهم  النصر المؤزر، انظروا إلى هذا النصر من التدمير والجوع والمرض والهجرة، الشام التي كانت ملجأ الغرباء تحولت إلى مقبرة.


وتظن ميليشيات الوسخ التاريخ المؤيدة من تركيا بأن الأتراك طريقهم للتحرر ،وهم لا يعلمون بأن الأهداف القومية التركية هي التي تحرك السياسة التركية وليس شيء آخر.


وتظن مليشيات الوسخ التاريخي الكردية في الجزيرة السورية بأن أمريكا ستمنحهم استقلالاً بالمناطق التي يسيطرون عليها، ولا يعلمون بأنهم ليسوا سوى أدوات أمريكية مرحلية.


وقس على ذلك أوهام الحوثيين الذين يعتقدون بأن الدعم الإيراني لهم سيساعدهم على حكم اليمن حكماً قرو وسطيا، وها هم يجرّون اليمن إلى حرب ودمار ونهايتهم معروفة.


ويعتقد حزب الله بأن القرابة المذهبية والأيديولوجية مع السلطة الهمجية الإيرانية كفيلة باستمرار سيطرتهم على الحكم اللبناني، وما هم في حقيقة الأمر إلا أداة لتنفيذ سياسات إيرانية قومية.


وإذا كنا قادرين على  تفسير سلوك هذه الميليشيات ورده إلى الوله بالسلطة التي هي نمط من السلطة الزائفة، لأنها لا تستند إلى قوة ذاتية طبيعية، بل إلى وظيفة خارجية، فإننا نحتاج إلى أدوات معرفية أعمق للإجابة عن السؤال: 
ولكن كيف يمكن لما أدركته حرفة الشعر والأدب عموماً والفلسفة والفن التشكيلي وكل صنوف الإبداع أن يكون مؤيداً لميليشيات الوسخ التاريخي الإسلاموية والشيعية والقومية الكردية أو تكون فاعلة مع جماعات الوسخ التاريخي الحاكم في سوريا والعراق ولبنان واليمن؟


فالذي أدركته هذه الحرف النبيلة يكون على وعي نبيل بالعالم، ضد العنف والقتل والعبودية والجهل المقدس. فالجماعات غالباً ما يقودها وعيها الجمعي وتعصبها الهوياتي إلى الاندراج في الحركات العنفية، فيما المشتغلون في حقل الإبداع الروحي يتخذون مواقفهم بوصفهم أفراداً مستقلين.


هذا يعني أن هناك عاملين أساسيين يفسران الانحياز إلى الانحطاط التاريخي: الوعي المتخلف بالهوية والانتماء الهوياتي التعصبي من جهة، والمصلحة الفردية الأنانية التي يحققها الدفاع عن هذا الانحطاط.


فموت الحس الوطني، الذي هو حب الوطن، لدى المشتغلين بالثقافة يجعلهم قابلين لكل ما يحقق نزعاتهم الضيقة وخاصة القبول بالخلاص المتكئ على قوة خارجية، دون أن يدركوا بأن أية قوة خارجية لا تطرح على نفسها إلا سؤال مصالحها وما هي الوظيفة التي تقوم بها الجماعات المرتبطة بها.


فروسيا وإيران وتركيا وأمريكا ألغت أي شكل من أشكال السيادة الممكنة لسكان البلاد التي يحتلونها بهذا الشكل أو ذاك؟


ولأن الطغاة ليسوا سوى كائنات وظيفية، فإنهم يتركون  الأوطان في حال الدمار الظاهر بعد أن كان الدمار مخفياً عن طريق ستره بالقوة العسكرية والمخابراتية والإعلامية والأيديولوجية.


ولهذا فإن رسم صورة المستقبل للأوطان المدمرة مستحيل دون إجابة المعارضة -عقل المستقبل الوطني عن سؤال: كيف يكون الكفاح الوطني مستقلاً ومعبراً عن الهوية الوطنية؟


فالتجربة التاريخية لعرب الشام والعراق في الحرب العالمية الأولى كافية لإدراك كيف جعل الحلفاء بريطانيا وفرنسا بلادنا شذرا مذرا. ومازلنا نحصد نتائج العقل الساذج الذي لم يستطع أن يفهم الأغنية التي غناها الغرب على ليلاه.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات