الانحياز الدولي للنظام ومحاربة المعارضة الديمقراطية بين الخرافة والحقيقة!

الانحياز الدولي للنظام ومحاربة المعارضة الديمقراطية بين الخرافة والحقيقة!

انتهى شهر المحاسبة الأمريكي لنظام بشار الأسد ومازال النظام مستمرا، في وقت شهد هذا الشهر عينه -آذار المنصرم - أول كسر لعزلة النظام منذ آذار 2011 بزيارته إلى الإمارات العربية المتحدة!

ولئن أرادت السفارة الأمريكية في دمشق وبعض النشطاء السوريين في أمريكا توجيه رسالة للنظام في توقيت ذي دلالة بالغة بالنسبة للسوريين وللنظام معا، فإن بشار الأسد والإيرانيين من ورائه استلموا الرسالة ورموها في سلة المهملات، بدليل أن بشار قام بزيارته الخارجية الأولى خلال ذات الشهر: شهر الثورة وشهر المحاسبة الأمريكي.

وفي الحقيقة أنه رغم التصريحات الإعلامية والمواقف الاستعراضية ورغم قانون قيصر؛ فإن جهة في الدولة الأمريكية كانت حسمت موقفها من نظام بشار، بدعمه غير المباشر أو بغضّ النظر عن ارتكاباته ووضعت ملف محاسبته على الرف إلى أجل غير مسمى، بموافقة أو ربما بطلب إسرائيلي، والدليل الأقوى هو تصريح بينيت رئيس وزراء إسرائيل من القاهرة الذي يدعو فيه إلى عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية .

والدليل الآخر - وهو ليس بأقل قوة ودلالة على انحياز جهة أو جهات في الدولة الأمريكية لصالح النظام الأسدي- تمثّل بخفض دعم المعارضة العلمانية والديمقراطية ثم منعها من التأثير داخل المعارضة السورية، بل أكثر من ذلك تشتيت وتجويع المعارضين العلمانيين والديمقراطيين، الأمر الذي أُفسح للإخوان المسلمين أن يسيطروا على الائتلاف الوطني بداية، ومن ثم لاحقا أن يهيمنوا بقوة على المعارضة السورية ومؤسساتها في مختلف المستويات .

لم يكن منع العلمانيين وإعاقتهم عن الفعل هو الأمر الوحيد الذي قامت به الإدارة الأمريكية بل إنها فعلت الأمر عينه تجاه السياسيين والنشطاء من الطائفة العلوية، لدرجة أن معارضا علويا كبيرا أخبر كاتب هذه السطور أن هناك ما يشبه القرار الدولي بمنع أي معارض علوي من الظهور والتأثير في مسار الأحداث بما يخدم الثورة والمعارضة ... وطبعا هذا الأمر يلتقى مع نهج النظام عينه وهو لمصلحة النظام ولصالح الخدعة التي يروجها الغرب عنه بأنه "نظام علوي" وهو بالتالي "حامي الأقليات"، فوجود معارضين علويين نشطين داخل قيادة المعارضة ومؤسساتها كما ظهور معارضين علويين أقوياء على وسائل الإعلام العربية كفيل بتحطيم هذه الخدعة التي ترتقي إلى درجة "الأسطورة" أو الخرافة .. التي على ما يبدو أنها كانت بروباغندا غربية، ما زال صانع القرار السياسي الغربي يصدقها.. مثل كثيرين من السوريين والعرب غير المطلعين على دقائق الأمور وتفاصيلها..

من ناحيته أتقن بشار ونظامه لعب دوره المعطى له من الروس والإيرانيين، وزودت المعارضة الإسلامية بسلاح إضافي كي تتمكن من البقاء في مواجهة النظام والروس والإيرانيين معا، وقد صرح وزير خارجية قطر أنهم دعموا المعارضة بما يزيد عن مئة مليار دولار، في الوقت الذي دعم فيه الغرب النظام السوري بـ 30 مليار دولار عن طريق الأمم المتحدة، كما تم دعمه من السعودية بوديعة قدرها 4 مليارات دولار سنة 2013 ليخوض الجميع سيناريو كتبه الأمريكان وأخرجه الروس، مؤداه تدمير سورية "غير المفيدة"، أي تدمير المناطق التي شاركت بالثورة خصوصا، وقصدا، لما له من فائدة حيوية كبرى للغرب والأنظمة العربية، فالحرب السورية جرى تحويلها عمدا إلى كارثة لا مثيل لها لتكون درسا للشعوب العربية التي تتمرد على أنظمتها المعيّنة من قبل الغرب، درسا هو من القسوة بمكان، ما يجعل بقية الشعوب العربية تتردد طويلا طويلا قبل التفكير بأي حركة أو ثورة مشابهة.

فالتمرد على الأنظمة العميلة للغرب هو تمرد على الغرب نفسه، وهذا ما لا يمكن السماح به النظام الدولي إلا إذا قرر هذا النظام بنفسه إعادة تشكيل نفسه والاستغناء عن خدمات الأنظمة العربية الديكتاتورية .

بالغ الغرب في عقوبة الشعب السوري المنتفض، لخصوصية وضع النظام السوري المجاور لإسرائيل، فكلاهما نظام الأسد وإسرائيل كيانان وظيفيان، وإن كان دور نظام الأسد مكملاً لدور إسرائيل، الدولة الوظيفية الأساسية التي أسسها الغرب كما لو أنها امتداد لمنظومته وثقافته وسيادته... 

كانت خطيئة السوريين التي لا تغتفر أنهم تمردوا على نظام وظيفي معيّن ليس بإرادة دولية بل بقرار دولي أيضا، وهو أمر أحرج الغرب، فما كان منه إلا أن أعطى الضوء الأخضر لروسيا للدخول وتدمير كل شيء، وفي نفس الوقت الذي أعطى فيه الضوء الأخضر لدول عربية لمد المعارضة بالسلاح والمال لمواجهة الروس والإيرانيين، شرط أن تكون مواجهة تحت راية الجهاد وليس تحت راية الثورة الديمقراطية السورية.. وللأسف لعب الإعلام العربي والغربي دورا في قولبة الرأي العام السوري والعربي والغربي مظهرا أن ما يجري في سورية هو حرب أهلية يصطف فيها وجها لوجه "نظام علوي" وأقليات "مهددة بالإبادة" في مواجهة جهاديين سنة غايتهم "إبادة العلويين والمسيحيين" وإقامة دولة إسلامية...

وقد ثبت الرأي العام العالمي كله عند هذا المشهد الدرامي وما زال يجتره يوما بعد يوم، كلما فتح موضوع إسقاط النظام أو تغييره، وربما يبقى هذا المشهد مهيمنا على مخيلة الرأي العام في الداخل والخارج إلى أمد غير محدود.. إلى لحظة يقرر فيها أحرار المعارضة السياسيين المثقفين الشرفاء إحداث خرق في المشهد، أو يقررون حرق الخرافة.

ومعرفة الحقيقة كما هي، بكل ما فيها، وبالرغم من آلامها، هو الشرط الأول للخلاص من الخرافة، وبالتالي الفكاك من القيد الذي كبلنا به الغرب ونظام الأسد لنصف قرن ويزيد.

التعليقات (4)

    روعة

    ·منذ سنتين أسبوعين
    مقال اكثر من رائع ، واشاركك ان على السوريين بذل جهد اكبر ومحاولة اشراك كل المكونات في الثورة وابعاد الاسلامويين المتطرفين من المشهد ومتابعة النضال السياسي وعند الضرورة العسكري الى حين اسقاط النظام الكابوسي القابع بدمشق

    عربي سوري

    ·منذ سنتين أسبوعين
    من أفضل ما قرأت حتى الان في هذا الموقع. مقال موضوعي. شكراً والى المزيد

    HOPE

    ·منذ سنتين أسبوعين
    للاسف جهد السوريين لازال مشتت ولن يستقيم وضعنا كسوريين الا اذا نظمنا انفسنا واثبتنا للعالم اننا لسنا شعب غوغائي جاهل .. سوريا الحضاره قادره على الوقوف مرة اخرى ولكن ليس بقاده متنطعين منتفعين . السوريين قادرين على البقاء في حال اجتمعوا حول كلمة واحده و على قلب رجل واحد. العالم يعرف لغة المصالح وهو ما برعت به الديكتاتوريات العربيه على حساب الشعوب.. فهل فهمت الشعوب هذه اللغه؟؟ الحكم امانه و حكامنا اساؤوا استخدامها.

    ابو زيد

    ·منذ سنتين أسبوعين
    ةكأنك يا ابو زيد ما غزيت .. للاسف ال _ ث _ و _ ر _ة اضحت عكسية والضحية الشعب والبلد نفسه وهذا كله متفق عليه مسبقا من قبل الذين لهم مصلحة كبيرة في ذلك وطبعا معروفين الذين اخذوا حصتهم من الكعكة والقادم ادهى وامر .. حسبنا الله ونعم الوكيل
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات