غسان عبود يتمسك بالحلم السوري ويوجه رسائله للأكراد والأقليات

غسان عبود يتمسك بالحلم السوري ويوجه رسائله للأكراد والأقليات

عن مؤسسة أورينت، وضمن سلسلة (كتاب أورينت) الشهري، صدر مؤخراً كتاب بعنوان "الحلم السوري وحلف الأقليات" بقلم (غسان عبود) رئيس مجلس إدارة المؤسسة.

تناول الكاتب الثورة السورية والمواقف الدولية والإقليمية حيالها، وما يجعل هذا الكتاب ذا أهمية بالغة هو موقع الكاتب وعلاقاته الدولية الواسعة مع الدول المعنية بالشأن السوري، إضافة إلى نظرته التحليلية العميقة للمجتمعات السورية وإبرازه مواطن الوهن فيها، وسنحاول هنا الوقوف عند أبرز قضايا هذا الكتاب رغم أنها عديدة ولا يتسع مقال واحد للتعليق عليها.

المحرقة وتشكيل الهوية 

يبدأ الكاتب بفكرة مهمة وهي أن المحرقة اليهودية كانت أهم العناصر في تشكيل الهوية الإسرائيلية وجمعتهم في بقعة جغرافية واحدة رغم تناقضاتهم اللا محدودة، وإن كان الأمر كذلك فإن المحرقة العربية السّنية في سوريا هي أكبر وأشد فظاعة، ويجب أن تكون أعظم أثراً في تشكيل الهوية، رغم أنها كانت سببَ بعثرة وتشتت السوريين في شتى أصقاع الأرض على عكس المحرقة اليهودية، وهنا نتوقف عند “نيتشه” الذي قال "عش في خطر" وهنا كان سرّ قوة اليهود الذين تعاونوا عند شعورهم بالخطر العام كي لا يذوبوا بين الأمم، كما إن تشتتهم بات أكبر مصدر قوة لهم، حيث جعل لهم نفوذاً في كل بقاع الأرض، فهل سنرى بعد عقود من الآن ذات النفوذ للسوريين الذين نجوا بأرواحهم من مجازر الإبادة وانتشروا في دول العالم.

ويبرز الكتاب دور بعض قادة إسرائيل في دعمهم حلف الأقليات بدءاً من “بن غوريون” وانتهاءً بنتنياهو، رغم أن المصلحة الطبيعية لإسرائيل إن كانت ترغب في السلام هو اتفاقها مع الأكثرية السنية من سكان المنطقة، لأنهم الأكثر قدرة على ضمان علاقات طبيعية مستقرة، وليست الأقليات التي لا تستطيع تحمّل كلفة السلام مع إسرائيل. 

وأعتقد هنا أن حديث الكاتب بهذا الوضوح مردّه لمعرفته العميقة بالدور الذي لعبه بعض قادة إسرائيل في دعم النظام السوري ومنع سقوطه.

تركيا وإسرائيل وإيران: ثلاثي التناقضات

أما فيما يتعلق بالعلاقة السورية التركية فيُبرز الكاتب امتنان أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون سوري لحماية تركيا لهم من مجزرة كانت محققة "مع أنهم أنفسهم من قام أجدادهم بالثورة العربية ضد العثمانيين ووقف آباؤهم بسلاحهم البسيط لمواجهة تهديد العسكر التركي عام 1957" كما يرد في الكتاب، وهنا والحديث عن التاريخ فأعتقد أن الحماية التركية كانت جزءاً من رد الجميل للسوريين الذين قتل الآلاف منهم دفاعاً عن إسطنبول في معركة جناق قلعة عام 1915، يضاف إلى ذلك بكل تأكيد المصالح السياسية والأمنية التركية .

ويوضح الكتاب الدّور المحوري الذي تلعبه إيران في تأسيس ودعم حلف الأقليات في المنطقة عبر نشر الميليشيات المسلحة القادمة من "قم" لتدمير المدن والقرى السورية الثائرة على حكم الأقلية العلوية، غير أن الأهم هو ما خلص إليه الكاتب بأن الدور الإيراني هو على الأرجح وكيل لقوى دولية أخرى، ويتلاقى ذلك مع كتاب التحالف الغادر "التعاملات السرية بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة" لمؤلفه الإيراني الأصل (تريتا فارسي) مؤسس اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة “ NIAC ”وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة جون هوبنكنز الأمريكية (كان له دور مهم في الوصول إلى الاتفاق النووي في عهد باراك أوباما والإفراج عن مليارات الدولارات المجمدة لصالح النظام الإيراني)، يتحدث تريتا فارسي بشكل مفصل عن المصالح المشتركة التي تجمع إيران بالولايات المتحدة وإسرائيل ونظرتهم الدونية للعرب، ويوضح أن العلاقة الإسرائيلية الإيرانية بدأت عام 539 قبل الميلاد منذ زمن الملك الفارسي كورش الكبير الذي استعاد بابل وخلّص اليهود من السبي، وهي مستمرة إلى اليوم، خاصة أن إيران تحتضن أكبر مجمّع يهودي في الشرق الأوسط خارج إسرائيل حسب فارسي، وهو عكس الخطاب الذي يردده حلف المقاومة والممانعة الإيراني من شعارات بالموت لأمريكا وإسرائيل.. رغم انتمائهم لذات الحلف!

دور قطر: شهادتي على هامش الكتاب 

وفي مواجهة الحلم السوري يُظهر الكتاب الدور السلبي لحليفة إيران دولة قطر التي أضعفت الثورة السورية من خلال دعمها لتيار الإسلاميين دون سواه، وأبرزته إعلامياً ما أدى في النهاية إلى زيادة الانقسامات داخل التيارات الثورية، ونتج عنه اشتباكات دامية فيما بينها كما حدث في الغوطة وسواها.

وكانت قطر الصانع الأبرز للمعارضة السياسية، وهنا سأسرد بعض الوقائع التي كنت شاهداً عليها خلال عملي الصحفي في تغطية مؤتمرات المعارضة السورية، في نوفمبر من عام 2012 شهد فندق شيراتون الدوحة ولادة الائتلاف السوري على أنقاض المجلس الوطني آنذاك، حدثني في ذلك الحين أحد أعضاء الائتلاف الجدد عن كتلة المجالس المحلية فقال: "لم أكن أعلم لماذا أتيت إلى الدوحة وهي أول مرة ألبس فيها بدلة رسمية، تم استدعائي على عجل لأعلم فيما بعد بأني سأكون عضواً في الائتلاف". 

كانت الضغوط القطرية كبيرة على بعض أعضاء المجلس الوطني للقبول بالتوسعة وتأسيس الائتلاف، وبعد اجتماعات طويلة كان يستمر بعضها حتى الـ 5 فجراً بوجود عشرات الأعضاء الجدد لتجري انتخابات أتت بشيخ اسمه “معاذ الخطيب” كرئيس للمعارضة السياسية (أستذكر هنا نصيحة قدمت لي من أكثر من شخصية ضمن الائتلاف بأن أجري لقاء صحفياً مع الشيخ معاذ لأنه سيكون له دور كبير، وكان ذلك قبل انتخابات الائتلاف) ما كرّس الدعم القطري للتيارات الإسلامية السياسية والعسكرية، والذي كان أحد أسباب كثيرة ساهمت بإجهاض الحلم السوري.

فيما يتعلق بالموقف السعودي من الثورة السورية وحلف الأقليات يشير الكتاب إلى الدعم القوي والسخي من قبل المملكة خلال السنوات الأولى من الثورة في محاولة منها لنزع سوريا من الحضن الإيراني، غير أن الكارثة حلّت على السوريين عندما بدأ اقتتال الأصدقاء، فالدعم القطري التركي يذهب إلى الفصائل الداعمة للإسلام السياسي، فيما عملت السعودية والإمارات لدعم الجيش السوري الحر، وهنا بدأت الثورة تأكل أبناءها ليأتي بعد ذلك التدخل الروسي ويبدأ فصل جديد في الصراع مع انطلاق مؤتمرات جنيف وخفوت الدور السعودي وتحول المواجهة السعودية الإيرانية إلى اليمن بدل سوريا.

صفقة التدخل الروسي والعبث بالمعارضة 

وفي استعراضه للتدخل العسكري الروسي في سوريا، يشير الكتاب إلى أن الغزو الروسي بدأ بعد 36 ساعة من لقاء نادر جمع بين باراك أوباما وفلاديمير بوتين، وأن الولايات المتحدة أعطت الروس الضوء الأخضر للدخول إلى سوريا ضمن صفقة سرية، وهو ما بدأ يتضح أكثر اليوم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وإدراك الإدارة الأمريكية فداحة خطئها، وقال “أندرو اكسوم” الذي شغل منصب نائب وزير الدفاع لسياسة الشرق الأوسط في عهد أوباما ضمن شهادة مكتوبة في مجلس النواب الأمريكي: إن أوباما تعاون مع روسيا لمنع سقوط الأسد بسرعة كبيرة في أيدي المتمردين، وأضاف أن وزارته حققت "نجاحاً كارثياً" في محادثاتها مع الروس ومن المفيد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء..!

يبين الكتاب بين طياته ما تعرضت له المعارضة السورية من مكر وخداع من قبل عواصم القرار الذين تعاملوا مع المعارضة كأدوات في سياسة دولهم، كما إنهم في ذات الوقت تعاملوا مع نظام الأسد على أنه جزء من الحل رغم جرائمه، ولا سيما مع المبعوث الأممي الخاص بسوريا ستيفان ديمستورا الذي أضاع 4 أعوام (التي هي مدة ولايته) باحثاً عن وفد مفاوض يمثل كل السوريين ليفاوض النظام الذي استغل هذه السنوات في تحقيق مزيد من جرائم الإبادة والدمار، وكان للدول الإقليمية دور أشد خطراً ساهم في زيادة تفكيك المعارضة السياسية المشرذمة أصلاً وجعلها شخصيات تعمل كل منها مع سفارة إحدى الدول، وتأكيداً على ذلك أستذكر اجتماعاً ترأسه “رياض حجاب” للمعارضة السورية في جنيف وجّه كلاماً شديد القسوة لـ "كبار الشخصيات المعارضة" وقال لهم: من كان يريد أن يعمل ممثلاً للسفارات الأجنبية والإقليمية عليه مغادرة وفد الهيئة العليا للتفاوض وقتها.

الأكراد والانخراط بحلف الأقليات

الملف الكردي بتشعباته وحساسياته تناوله الكتاب أيضاً بشيء من التفصيل والتحليل مركزاً على الاختلافات الكردية الكردية بوصفها سمة الحراك، ولا سيما بين تيار مصطفى البارزاني وحزبه وبين حزب العمال الكردستاني اليساري الذي أسس على يد أوجلان، هذا الحزب سيطر فرعه السوري على مساحات واسعة من سوريا بدعم غربي، وهنا لا بد من إشارة مهمة في إطار الحديث عن حلف الأقليات، فرغم أن أوجلان ليس علوياً بل إن اسم امه عائشة واسم أبيه عمر وشقيقه عثمان..! غير أن زوجته العلوية كسيرة يلدرم كانت أحد مؤسسي حزب العمال الكردستاني مع نحو 23 شخصاً، أكثر من نصفهم علويون وذلك حسب التاريخ الرسمي للحزب، وهو ما يوضح دوره في حلف الأقليات وما يفسر علاقته الوطيدة بنظام الأسد "الأب والابن".. وهو ما يجعل مؤلف الكتاب يربط بينهم وبين حلف الأقليات بوضوح. 

وما يقوله “غسان عبود” في الملف الكردي يبدو موضع إجماع وطني من معظم السوريين الذين يؤمنون بأن الأكراد جزء من المكونات السورية، وهو لا يُصدر أحكامه إلا بعد عرض تاريخي وجغرافي موسع على مدى أربعين صفحة من صفحات الكتاب، حيث يخلص إلى القول: “ينادي المتعصبون العلويون والأكراد في سوريا بحل خارج الحل الوطني السوري، ساعين لخلق حلول خاصة بكل منهم! إن ذلك مجرد وهمٍ يُبقي شلال الدماء والفساد قائمين".

دفاع عميق عن طبقة فاعلة

لا يمكن أن نتحدث عن كتاب بمثل هذا العمق والثراء من دون الوقوف عند الحيز الخاص الذي أفرده المؤلف لمجتمع رجال الأعمال ودوره في المجتمع السوري وما تعرض له من تدمير في عهد البعث، يكتب المؤلف تحت عنوان (رجال الأعمال بين الحقيقي والزائف)، فيقدم في حوالي سبعين صفحة تحليلاً هو الأهم برأيي لطبقة التجار ورجال الأعمال، لا يدافع عنهم دفاعاً تقليدياً، بل يسعى من خلال الوقائع وسرد الأحداث التي هو – كرجل أعمال – جزء منها دون شك، أن يقول للسوريين: إن سورية كبلد تجاري بالدرجة الأولى لا يمكن أن تقوم لها قائمة من دون أن تستعيد هذه الطبقة مكانتها، وقد آن لكم أيها السوريون أن تروا إلى أين مضى بكم وبالبلاد حكم الشعارات والأيديولوجيات، وكيف تراجع اقتصاد البلاد ومكانتها ومستقبلها على يد هؤلاء اللصوص الفاسدين. 

وفي هذا الباب بالذات يقدم غسان عبود خلاصة تجربته الذاتية المهمة سواء في الاصطدام مع النظام، أو في الأفق الذي أوجده لعمله التجاري خارج سوريا فيبدو أنه يقدم مادة استثنائية لا تقوم على التنظير بل يُبنى البرهان فيها على التجربة، باعتبارها تجربة معاناة من جهة، وقصة نجاح وبناء من جهة أخرى.

ويوضح الكتاب عبر فصوله المختلفة، بما لا يدع مجالاً للمشككين، وجود حلف ضد العرب السنة في بلاد الشام والعراق تقوده أقليات المنطقة، غير أن أخطر ما في هذا الحلف امتداده الواسع ومؤيدوه النافذون الذين ينتشرون من الصين مروراً بروسيا وأوروبا والولايات المتحدة وحتى أمريكا اللاتينية، ويقدم داعموه الغطاء السياسي والإعلامي والعسكري والاقتصادي لحلفائهم، الذين ينظرون إلى الأكثرية السنية العربية كمحتلين تاريخيين لبلاد الشام كما يؤكد الكاتب، بينما هم يعانون من أسوأ (هولوكوست) مرّ على تاريخ البشرية. 

وهنا فالطريق إلى الخلاص تكون عبر المواطنة الحقة والتعبئة السياسية وتغير قواعد الحكم الحالية، وهذا أمر لن يحدث إن لم تنهض النخب السنية العربية من سباتها لتقود التغيير، ولا سيما أن لديها كل المقومات لفعل ذلك قبل أن تنقرض.

والسؤال هل تجد هذه الرسائل آذاناً صاغية.. أم سيبقى السوريون على فرقتهم وتشتتهم؟

التعليقات (6)

    مواطن سوري

    ·منذ سنة 11 شهر
    بيكفي تطبيل وتلميع صرعتوا....... بغسان عبود بصراحة نفس اسلوب ابواق النظام عند تلميع بشار

    السيف الدمشقي

    ·منذ سنة 11 شهر
    كتاب مهم وغني حقا.. شكرا للكاتب على هذا المقال الجيد في إلمامه ومناقشته لأفكار الكتاب، ولو أني أختلف مع الأستاذ غسان في مسألة الأكراد. لا أعتقد أنهم جزء من حلف الأقليات ولا يمكن وضعهم في صف واحد مع عتاة المجرمين العلويين

    علوي علماني

    ·منذ سنة 11 شهر
    بعتقد انو آفي اوسخ من الاكراد الانفصاليين الكرارة ومع اني بختلف مع غسان عبود بكتير اشيا لكن آفيني الا اني احترم موقفه الوطني من الاكراد وكشفه الاعيبهن وكذبهن بمقالاته وسبق وعلقت ع هالمقالات وقت نشرتوها باورينت نت. ونشرها بكتاب كيس ومهم وضروري. اما هنت يا سيف الدمشفي فمن يوم يومك طائفي وابتستحي ومتحامل ع العلويين بالله الشوام قمة اارجعية والفكر الطائفي رغم كل ديبلوماسيتهم الكاذبة.

    محمد عنان

    ·منذ سنة 11 شهر
    دائما كانت كتابات السيد عبود على فيسبوَك صريحة وتشخص الخطأ بطريقة واضحة وجلية دون لف ودوران، اتمني الحصول على هذا الكتاب، كيف يمكن ذلك؟

    محمد

    ·منذ سنة 11 شهر
    كلام رائع

    اسير الغربة

    ·منذ سنة 11 شهر
    كتاب رائع . تلك الاقليات البربرية هم من دمر سوريا السلام والنماء . يحملون حقد لايمكن تفسيره للسوريين
6

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات