في الحرب النفسية: هل نحن أيتام حقاً؟!

في الحرب النفسية: هل نحن أيتام حقاً؟!

يعرّف الدكتور حامد ربيع الحرب النفسية على أنها نوع من القتال لا يتّجه إلا إلى العدو، ولا يسعى إلا إلى القضاء على إيمان المستقبل بذاته وبثقته بنفسه. وبعبارة أخرى، هي تسعى لا إلى الإقناع والاقتناع، وإنما تهدف إلى تحطيم الإرادة الفردية. هدفها أكثر اتساعاً من الدعاية، فهي تسعى إلى القضاء على الإرادة.  والحرب النفسية أصبحت مؤخراً تطبيقاً لبعص أجزاء علم النفس لمعاونة المجهودات التي تُبذل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية؛ إنها الحرب من أجل العقول والإرادة. ولذلك فإن الحرب النفسية تأخذ أكثر من بُعد واحد: فهي تتوجه إلى تقوية مراكزها بالنسبة إلى أنصارها، سواء أكان ذلك بالنسبة إلى الرعايا المدنيين من جانب، أم القوات العسكرية المعدّة للقتال الجسدي من جانب آخر. كما تتجه إلى التخريب خلف خطوط العدو. كذلك تتجه إلى خلق التقارب مع العناصر المحايدة في نطاق الأسرة الدولية. وتسعى إلى خلق التشتت في نفسية القوى العسكرية المعادية.

شعوب فريسة الحرب النفسية

تفتقر الشعوب الواقعة تحت الاحتلال أو الشعوب التي تواجه أنظمة حاكمة إلى القيام بعملية دعاية مضادة في الحرب النفسية، على غرار الحرب النفسية بين الدول، وذلك بسبب ضعف إمكانياتها التكنولوجية والمادية اللازمة من أجل ذلك. وهذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها، فالنزال بين نظام الأسد وخصومه الثوار في حربه الدعائية والنفسية لم يكن متكافئاً لعدة أسباب منها:

   - امتلاكه لجهة مركزية مختصة تستطيع أن توحّد الخطاب وأن تضمّنه ما يتوافق مع متطلبات المرحلة.

   - توفر الخبراء والمختصّين، أو إمكانية الحصول على مساهمات بعضهم من دول أخرى.

   - امتلاكه السلطة الكافية لتخويف المؤيدين ومنعهم من متابعة وسائل الإعلام المناهضة.

   - المعرفة التامة باتجاهات وظروف مجتمع الثوار، وكذلك المستوى العقلي والثقافي والتعليمي لهذا المجتمع.

في الإستراتيجيات العشر للتحكم بالشعوب، والمنسوبة في عدة مصادر على شبكة الإنترنت للمفكر الأمريكي "نعوم تشومسكي" تتحدث الإستراتيجية العاشرة على "معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم: خلال الخمسين سنة المنصرمة، حفرت التطورات العلمية المذهلة هوة لا تزال تتسع بين المعارف العامة وتلك التي تحتكرها وتستعملها النخب الحاكمة. فبفضل علوم الأحياء، بيولوجيا الأعصاب وعلم النفس التطبيقي، توصل النظام إلى معرفة للكائن البشري، على الصعيدين الفيزيائي والنفسي. أصبح هذا النظام قادراً على معرفة الشخص العادي أكثر مما يعرف نفسه، وهذا يعني أن النظام – في أغلب الحالات – يملك سلطة على الأفراد أكثر من تلك التي يملكونها على أنفسهم".

في واقع الأمر، هذا الطرح ليس طريفاً، بل هو توصيف لواقع أصبح ملموساً، وفي هذا السياق يمكن العثور على كثير من الأمثلة التي تجسد الحالة، لكننا سنكتفي بمثال كان الهدف منه ترسيخ الشعور باليُتم الذي هو أصلاً من إنتاج الآلة الإعلامية والدعائية للنظام السوري.

التنظير السياسي لممتهني الإعلام! 

أحد أبواق النظام المعروفين ينشر على حسابه التالي: "البوابتان المصرية والأردنية مهمتان جداً لجهة تحديد طبيعة الانزياحات التي تحصل على مستوى اصطفافات المنطقة، ومعبرتان أكثر من ذلك عن نتائج الصراع الذي حصل ويحصل على مستوى المنطقة أيضا. لم تُفتح هاتان البوابتان إلا بطلب واضح من قبل قوى وحكومات رئيسية على مستوى العالم وفي مقدمة هذه القوى والحكومات قوى لوبي الضغط اليهودي الرأسمالي على مستوى العالم". كما هو متوقع ومطلوب؛ يلتقط بعض من يمارسون مهنة الإعلام أو التنظير السياسي هذا المنشور ويبدؤون بالترويج له على أنه برهان صارخ على صدق معتقداتهم. في المقابل؛ يتجاوز صوت قهقهة من صاغ المنشور أسوار دمشق، فمن لديه اطلاع بسيط على بعض تقنيات الحرب النفسية يعلم جيداً أن ذلك "البوق" الذي نشر المنشور على صفحته لم يكتب منه حرفاً واحداً، بل جاءه كرسالة نصية من أحد فروع المخابرات مع أمر يقول: انشر هذا الكلام على صفحتك الشخصية لبضع ساعات ثم أخفِه لكي يعتقد القارئ أنها سقطة منك طُلب منك حذفها لاحقاً.

بكل تأكيد، لا يمكن بأي شكل من الأشكال تصوّر ما ورد في المنشور على أنه "سقطة" لذلك البوق، أو أنه "جرأة" منه. ولكن يمكن تصور الآثار النفسية لهذا المنشور في تقوية مركز السلطة بالنسبة إلى أنصارها، كما يمكن تصور آثاره النفسية على الثوار والمعارضين. إذ مختصر رسالة المنشور: نحن خلفنا قوى العالم، وأنتم مجرد أيتام.

ترويج دعايات إعلام النظام

يقول "أوسكار وايلد": "عندما يفعل الرجل شيئاً غبياً حقاً فهو في الأغلب يمتلك دافعاً نبيلاً وراء ذلك". ينطبق هذا القول على ما يفعله الكثير من الإعلاميين والمنظّرين والمحللين الذين يساهمون في الترويج لمقولات وإشاعات الحرب النفسية التي يقودها النظام دون أن يشعروا. لهؤلاء نقول: آن لكم أن تكونوا أكثر حذراً عند التعاطي مع ما تبثّه الآلة الإعلامية للنظام السوري، فنحن لسنا أيتاماً، ولكن هناك ما يشبه اليتيم، ونقصد به ذلك الشخص الذي يتخلى عنه أبواه لقلة التزامه وعبثيته وفوضويته. رغم ذلك، فشبه اليتيم ليس كاليتيم، إذ ما زال أبواه على قيد الحياة يقدّمون له المساعدة عن بعد، أو هو قادر على استعادتهم إذا قرّر ذلك.

قد نكون "شبه أيتام"، لكننا لسنا أيتاماً بكل تأكيد، ولو كان الأمر كذلك لاستغرقت عملية الإعادة لحظيرة الطاعة بضعة أيام فقط.

التعليقات (2)

    خالد

    ·منذ سنة 11 شهر
    رائع

    ياسر العبدو

    ·منذ سنة 11 شهر
    الصراحة مقال حلو ورائع لمن يريد إعادة النظر
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات