نهاية النظام.. مفتاحه في الشمال وبابه في الجنوب

نهاية النظام.. مفتاحه في الشمال وبابه في الجنوب

يحسب النظام السوري أن اللعب في الوقت بدل الضائع من زمن سقوطه، هو لعبٌ مفتوح بشروطٍ مفتوحة، يقبلهُ هكذا من دون مسمياتٍ وظيفية أخرى، ويترك لنا حرية اختيار التسمية: نظامُ الارتزاق الوقح، نظام الجباية الرخيص، نظام السرقة الممنهجة، نظام المحاصصة بين العصابات السورية والإيرانية الحاكمة، نظام السوق السوداء، نظام التنازلات السيادية المذلّة، نظام إرهاب الناس، نظام العداء للشعب، نظام فقدان الأخلاق والشرعية.

هو كلُّ ذلك، وهو أيضاً النظام الذي أدخلته خياراته المختلّة سياسياً في "ريجيم قاسٍ" فقد معه الوزن السياسي المناسب لإدارة الجغرافيا التي ظلّت تحت سيطرته إدارةً فيها الحدّ الأدنى من الحكمة، وبقي له فقط التحسّر اللفظي على الجغرافيا التي طارت منه في الشمال، والتي توشك أن تطير في الجنوب أيضاً، ثقله تحوّل إلى ثقل أمني متعجرف يجثم فقط فوق العاصمة، وداخل الطوق الضيق لمدن الساحل حيث العمق الطائفي لنظام بشار.

الجهات غير الآمنة للنظام

عودة الحديث التركي عن إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلو متراً في الشمال السوري، يستفزّ قلقاً داخل حواسّ النظام، إذ فيه تهديدٌ جديد يحدُّ من إنفاقه الباذخ على فكرة سيادته الشكلية التي قد يتباهى بمفاتنها أمام من بقي من مريديه، وفيه تذكيرٌ بالمساحة الجغرافية التي خسرها لصالح الحكم الذاتي للأكراد والتي قد يخسرها في تل رفعت، ومنبج وغيرهما، وذاك يظهره تابعاً هامشياً للإرادة العسكرية الروسية الإيرانية الفاعلة فوق أرضه، وداخل قراره السياسي.

فالمسألة السيادية في جوهرها لا تعني لبشار ونظامه، بقدر ما تعني له مسألة الإمعان في مصادرة السلطة من الشعب، والتلحّف بها ما أمكن. ولعل التباين في تعريف الولاء داخل الجغرافيا السورية يفسر كيف تنظر القوى الإقليمية والدولية سياسياً إلى سوريا، وما الذي تنتظر حدوثه، حتى يصير الظرف الموضوعي أكثر مواءمةً لتبني عليه تدخلاً جاداً، حيث تحضُر الولايات المتحدة الأمريكية في مناطق الحكم الذاتي للأكراد، وتحضُر تركيا في إدلب وريفها الشمالي، وهما حضوران متواضعا الأثر على أي حال، وليس كمثل حضور روسيا وإيران الفاقع داخل مناطق سيطرة النظام، الذي يكيل الرداءة في إدارة الشأن العام بالتساوي، وبصورة ممنهجةٍ وظيفيّةِ الهدف في جميع المناطق الخاضعة لسيطرته، فالتغييب المقصود لأساسيات الحياة اليومية من كهرباء، ووقود، وخبز، وإنتاج زراعي وحيواني كافيين، صار سبباً للانخفاض المستمر في رصيد ولاء تلك المناطق لبشار ونظامه، وانقلاب ذلك الرصيد منذ مطلع العام الحالي في بعض المناطق إلى نقمة ملوّنة صار لها صوتٌ وصورة، وتنتظر القطاف في موسم نضوجها، ومع انتصاف العام الحالي يكون بشار قد خسر جزءاً لا يستهان به من ولاء تلك الحاضنة العمياء له، والتي لن تبصر إلا إذا جاعت وعاشرت البرد والعتمة بلا انقطاع.

سينوغرافيا اغتراب رأس الهرم

يبدو أن الاسترسال في انفكاك حاضنة النظام عن رأسه يسير وفق منحًى طبيعي له، وهذا ضرورة موضوعية لإسناد التغيير القادم إلى فضاء اجتماعي يتقبله، بعدما كان بالأمس القريب موالياً ومغلقاً وعنيداً، تغلّفه مقولاتٌ سخيفة عن الصمود والمقاومة والمؤامرة وسوى ذلك. ويبدو أيضاً أن انكفاء شكل الدولة الأمنية في السويداء، واستبداله بتعزيز نفوذ العصابات المسلحة التابعة للأمن العسكري، بهدف تعويم الجريمة داخل الفضاء الاجتماعي، صار له دلالاتٌ سياسية جديدة تستبدل مفهوم الولاء لنظام بشار لدى العامة بصيغته الكلاسيكية، بالولاء لأي خلاصٍ سياسي يعيد تعريف السلطة والمجتمع وفق شروط طبيعية، إلى جوار ذلك تستعير ميليشيا حزب الله اللبناني مفهوم التورية والعمل في الظل من النظام الأمني السوري، فتمسك سوق المخدرات إنتاجاً، وتوزيعاً داخل السويداء بواسطة العصابات المسلحة ذاتها التي ترعاها الأجهزة الأمنية، ومؤخراً سعت لتوسيع تصدير إنتاجها إلى الخارج مستفيدةً من انشغال روسيا بحربها الحالية على أوكرانيا، وهذا يشعر الأردن بقلق متزايد له أصلٌ واقعي لا متخيّل، من تحويلها إلى بوابة تغزو منها مخدرات حزب الله دول الخليج العربي، وربما هذا يعيد بحث إمكانية خلق منطقة آمنة في الجنوب على غرار المساعي التركية لإنشاء منطقة مماثلة في الشمال، فإن كان المفتاح لزوال هذا النظام في الشمال، فإن بابه حتماً في الجنوب.

فالغيبوبة التي ينعم بها رأس النظام، والتي يوثّقها له بصرياً طاقمٌ احترافي يقال إنه استُقدم من بريطانيا لهذه الغاية، سواء في صور فوتوغرافية أم متحركة، لا تدلُّ فقط على توغّل الاغتراب السياسي بين منظومة الحكم في سوريا وبين الشعب، بل تبيّن كيف تحولت الحلقة الضيقة في أعلى رأس الهرم، والمكونة من بشار وزوجته إلى حالة مترفة من الخيال السياسي لحاكم يظهر سينوغرافياً كما لو أنه يحكم بلاداً سعيدة لا تشبه سوريا بشيء، بينما يعيش في حقيقة الأمر اغتراباً فصامياً عن واقع البلاد المزري، وفي هذا معطًى ضروري قد تمكّن النظام من سماع تلك الرسالة المبهجة التي تذيعها شركتا الخلوي في سوريا، لكن مع تعديل طفيف هذه المرّة: "ما من رصيدٍ كافٍ لإتمام هذه المكالمة، ولا يمكن إعادة شحن بطاقتكم مجدداً".                  

  

التعليقات (1)

    Hani Al

    ·منذ سنة 10 أشهر
    ..... منطق.... يحتاج سرعة لرفع المعاناة وقبل ذلك بديل..... و وسيط من داخل جماعته.... للمشاركة في النظام الجديد.... ولكن هل سيكون نظام محاصصة طائفية وعرقية.... فدرالي.... الخ العارف الملاعب سيعيد تشكيل المنطقة لصالحه
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات