القناعة ليست كنزاً أصلاً

القناعة ليست كنزاً أصلاً

يتداول الوعي العام جملة يتعامل معها على محمل الجد ألا وهي (القناعة كنز لا يفنى) ويرى فيها حكمة مأثورة. وتأسيساً على هذه الحكمة الزائفة يطل عليك حكماء عصر الذل قائلين: (كنا عايشين).

ماذا لو قلت لكم بأن القناعة ليست كنزاً أولاً، ودليل عجز ثانياً. وقبل أن أدلل على رأي هذا، فلننظر إلى معنى كلمة قناعة.

القناعة والقنع من قنع: وهي الرضا بما أعطيت، فيكون الإنسان قانعاً، وقنع هو الجمع، أو هو قنيع وجمعها قنعاء. وهي قنيع وقنيعة. واستزادة بالشرح نقول: اقتنع وقنع رضي بالرأي، والقانع أيضاً خادم القوم وأجيرهم وتابعهم ومن قنع اشتق القناع الذي تلبسه المرأة.

أرأيت أمة تشتق من فعل هذه معانيه القناعة وتعتبرها كنزاً لا يفنى. وتحول هذا القول إلى حكمة تكتب على جدران البيوت والباصات، وتصير لوحات تعلق في البيوت والمكاتب، وتطبع في أسفل صفحات المذكرات وخلف أوراق الرزنامات.

هل تفسر لنا ثقافة الرضا والقناعة هذه حال الذل التي نعيشها الآن؟ هل القناعة بالواقع هذا الذي نعيشه كنز لا يفنى.

تخيل أيها القارئ العزيز إذا ما طبقنا هذه الحكمة السخيفة «القناعة كنز لا يفنى» على حاضرنا ومستقبلنا، وأخذنا بمعناها المتعارف عليه أي الرضا، تخيل ماذا سيكون عليه الأمر.

تخيل لو أننا قنعنا بما يقدمه لنا عدونا من فتات، وقال للفلسطيني: سأعطيكم السلام والأمان دون الأرض. بناء على حكمة «القناعة» هذه سنشكره. وتخيل إن قال للفلسطينيين وهو يقول لهم ذلك أصلاً: «سأعطيكم ثلاثين بالمئة من الضفة أما القدس الموحدة فهي عاصمة أبدية لدولتنا العنصرية وقبل الفلسطيني ذلك تطبيقاً لـ : “القناعة كنز لا يفنى”.

تخيل حال الفقراء والموظفين والعمال وما شابه ذلك إذا مارضوا بالقليل القليل لأن القناعة كنز لا يفنى.

تخيل شعباً يرضى بحاكم جائر ويقبل بما هو عليه حاكمة من عنف وغباء يعطيه، ويشكر الله على نعمه لأن القناعة كنز لا يفنى.

تخيل حال المرأة إذا لم تطالب بحقوقها بوصفها كائناً بشرياً ورضيت بالقليل الذي أعطاه الرجل والعادات لها؟. تخيل وتخيل وتخيل عندها ستجد نفسك خائفاً قاعداً مستكيناً ذليلاً لا حول لك ولا قوة، وكل ذلك برضاك وبخيارك الحر لأنك تؤمن بأن القناعة كنز لا يفنى.

أيها الناس أنسيتم قول المتنبي:

إذا غامرت في شرف مروم

فلا تقنع بما دون النجوم

إن أهم صفة من صفات الإنسان أن يفكر بالآتي ويعمل من أجل الآتي، ولا يرضى بالحاضر إنه يتخيل عالماً أجمل وأفضل وأغنى.

لكن رفض حكمة: "القناعة كنز لا يفنى"، لا يكون فلسفة نبيلة في الحياة إلا إذا ارتبط بالضمير وقيمه الأخلاقية النبيلة. فالفاسدون والهباشون والدكتاتوريون لا حدود لنهمهم وفجعهم ولا يفكرون بالآخر الذي لا وجود له، بالأصل، في عقلهم الرث.

فاقتلعوا، أيها النبلاء هذه الحكمة الثقيلة الظل من على جدران ثقافتكم، وضعوا مكانها: لوحة مضيئة مكتوب عليها “القناعة قبول بالموت والفناء”.

 

التعليقات (1)

    آشور

    ·منذ سنة 10 أشهر
    مشكلة هذا القول المأثور، كما الكثير غيره، أنه قيل خلال تجربة شخصية معينة بلحظة معطاة ما: فنحوله نحن إلى قول أبديّ لكل زمان ومكان وهذا حماقة فعلاً! هناك أمثال شعبية بشعة ومقززة، مثل: 100 أمّ تبكي وأمّي ما تبكي! وإمشي عالحيط الحيط! الإيد اللي ما فيك عليها بوسها ودعي عليها بالكسر! ....الخ
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات