لماذا لم يُسمح للشرطة أن تكون جهازاً فاعلاً منذ استيلاء البعث على السلطة؟!

لماذا لم يُسمح للشرطة أن تكون جهازاً فاعلاً منذ استيلاء البعث على السلطة؟!

تماماً في اللحظة التي خرجتُ فيها من "فرع الأسلحة والذخائر" التابع لقيادة شرطة "درعا" واضعاً مسدّس "الشميزر" على خصري، شعرتُ بالعظمة، وبالعدوانية أيضاً. 

كنتُ ضابط شرطة جديداً في الرابعة والعشرين من عمري، أحمل على كل كتف من كتفيّ نجمتين، وليس واحدةً فقط كما خرّيجي الكلّيات العسكرية في وزارة الدفاع، فضبّاط الشرطة يحملون شهادات في "الحقوق" تمنحهم أفضليةً في الرتبة أو في القدم العسكري بداية تخرّجهم من "كلّية الشهيد الرائد الركن المهندس المظلّي باسل حافظ الأسد للعلوم الشرطية"، وفي ذلك الوقت بالضبط "وقت التخرّج"، ينسى الجميع مسألة الحقوق، وينتظرون "الفرز"، إلى أين سيتمّ فرزهم؟، مَن ابنُ الثروة والحظّ والحظوة " والوحيد تقريباً من أولاد الدورة" الذي قد يذهب إلى الأمن السياسي من غير طلّاب الضبّاط "العلويين"؟، هل سيخدمون الوطن السوري الجميل في السويداء أم إدلب حيث لا اكتراث كثيراً بالسلطة ولا بالمال، أم في دمشق حيث لا منازل مجّانية بسبب كثرة أعداد الضبّاط الأقدم؟ أم في فرع مرور حلب أم في فرع المخدّرات حيث الفلوس تُطرب النفوس؟، أم إلى كلّية أم مدرسة الشرطة فيتعلّمون استخدام السلاح!. 

واجهة شكلية لجهاز دون قدرات! 

مرّتان فقط على مسدس "المكاروف" ومرّتان تماماً على بندقية "الكلاشينكوف" يستعمل طلّاب ضبّاط الشرطة في كلّية شهيد الأمّة العلوية "باسل أسد"، الفارس الذي نفَقَ بلا فرس بعدما طار على طريق مطار دمشق من سيّارته طيراناً، فمنذ انقلاب البعث في 1963 لم يُسمح للشرطة أن تكون جهازاً أمنياً فاعلاً، ولم يُعنَ نظام العسكر الطائفي بتقوية هذا الجهاز قتالياً وعسكرياً، ولم يعتبره أسد الأب جهازاً من أجهزة الأمن الفعلية وما سَمَحَ بذلك، فأجهزة الأمن الفعلية التي قوّاها هي الأجهزة الموكل إليها واجب حماية نظامه وعائلته وطائفته، وبقيت الشرطة واجهة رسمية لجهاز أمن شكلي عبثي دون قدرات أو كفاءة وبلا قيمة واعتبار رغم أنّها الجهاز الأمني والعدلي الوحيد المكلّف أصولاً وقانوناً بإنفاذ القانون. 

ثمّ بعد اندلاع الثورة وانطلاق المظاهرات لم يستعن هذا النظام بالشرطة سوى من أجلّ صدّ المتظاهرين في بدايتها بالدروع والهراوات والقنابل المُسيلة للدموع، وحين شُرِع باستخدام الأسلحة القاتلة الفاتكة وبدأت الدماء تنفجر وتسيل، لم يكن للشرطة السورية في ذلك نصيب، لأنّها أصلاً ليست جهازاً مسلّحاً كما ينبغي أو بالكاد يمكن القول إنّ لدى الشرطة السورية أسلحة، وأصل ذلك وسببه الرئيسي الحقيقي كون عناصرها أفراداً وصفّ ضبّاط وضبّاطاً من "أهل السنّة" الذين أبعدهم أسد منذ انقلاب البعث عن مواقع سلطة القرار في الجيش والشرطة والأمن، وحين نصّ قانون إحداث إدارة أمن الدولة عدم جواز ملاحقة أيّ من العاملين في هذه الإدارة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمّات المحدّدة الموكلة إليهم أو في معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن مدير الإدارة نفسها، كان نظام خدمة الشرطة السورية من أكثر أنظمة الشرطة في العالم انضباطاً والتزاماً وتقييداً في تحديد حالات حمل السلاح واستعماله. 

السلاح عدوّ صاحبه يقول مثل تُركي، وربّما كان من قال هذا المثل قد تعرّض بالفعل لتجربة ما أدّت إلى هذا التصريح، وهو صحيح، وما ليس صحيحاً هو الشعور بالعظمة عند حمل السلاح، لكنّه الإنسان، ومن طبائعه الغرور والسعي إلى التسيّد والتلذّذ به ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وإن كان الضابط الحقوقي المتعلّم يشعر بالعدوانية والتفوّق بسبب الرتبة العسكرية وحمل السلاح، فماذا يصنع مراهق في السادسة عشر من عمره، لديه مهمّات عسكرية ميدانية افتراضية، وثلاث قنابل يدوية ومسدّسان و"كلاشينكوف"؟. 

جرّ الثورة إلى العسكرة والأسلمة! 

حين بدأ تسليح الجيش الحرّ في إدلب كانت الخطّة أن يتمّ تنظيم الشباب الراغبين بالانضمام إليه، وبالفعل فلقد تمّ - ولا يُعرف على وجه التحديد من قام بذلك- توزيع ملابس عسكرية بلون “خاكي” وطبع بطاقات خاصّة لهؤلاء الشباب، وكان شرطاً أن يُتمّ أيّ واحد منهم الثامنة عشر من عمره وأن يوافق الأهل على هذه البطولة أو التضحية أو الجنون أو الانتحار، فمن يخوضوا المعارك وإن تجاوزوا سنّ الرشد القانوني لن يكونوا جميعاً مؤهّلين قتالياً وعسكرياً، شأنهم شأن أيّ ضابط أو عنصر شرطة في سوريا حمل السلاح وانتهت خدمته دون أن يعرف الفرق بين الطارق والترباس في مسدّس "مكاروف". 

ما فعله نظام بشّار أسد كان واضحاً منذ البداية، جرّ الثورة إلى العسكرة والأسلمة طبعاً، وبعيداً عن "الأسلمة" فلهذا أحاديث كثيرة وحكايات أكثر، فإنّ عسكرة الشباب غير المؤهّلين للقتال كان هدفاً رئيسياً ووسيلةً مباشرةً ورخيصةً منذ البداية لقتل المتحمّسين الصادقين الذين لا يمكن اعتقالهم، ولن تنسى إدلب كيف دفنت يوم الثلاثاء 17 نيسان 2012 الموافق لذكرى الجلاء عن "فرنسا" أكثر من ثلاثين شابّاً، فردة حذاء كلّ واحد منهم بزوج رأسي البغل أسد الأب وابنه الخنزير، الشباب الذين صمّموا على العودة إلى إدلب من أجل مواجهة جيش الأسد، وما في جعبة أحد منهم سوى بضع طلقات، فحصدت مدافع الهليكوبتر أرواحهم حصداً. 

كان ولا يزال وسيبقى "الحلّ العسكري" هو الحلّ الوحيد للإطاحة بأسد، من الداخل أو من الخارج أو كيفما اتّفق، لكنّ المواجهة العسكرية تعني أوّلاً وأخيراً القدرة على المواجهة ولو بإمكانيات متواضعة، وهذا ما لم تُتِحه أيّة قوّة أو نظام أو جهة في العالم للشباب السوريين المحترمين الذين عرفوا بالضبط أنّهم بحاجة ماسّة لوطن وحقوق وحرّية وكرامة، بل واتّفقت كلّ قوى الشرّ والطغيان في الكون على التخلّص منهم قتلاً وسجناً وتشريداً، ولم يعد يحمل السلاح ضدّ أسد وعصاباته سوى العصابات من سفلة هذا الزمان الكونيّ الرديء، والذين ينطبق عليهم -هذه المرّة- المثل السوري: “السلاح بإيد.... بيجرح” 

شهداء اقتحام إدلب في الذاكرة 

تحيّة طيّبة، كلّ المحبّة والتقدير والعرفان، وكلّ الأسى والدموع لشهداء إدلب وسوريا، ولشهداء نيسان 2012، الذين حاولوا اقتحام المدينة "إدلب" وطرد جيش المنحطّ أسد منها، وما كان لديهم أدنى قدرة أو أمل، لكنّما "الموت ولا المذلّة". 

الأبطال الأحبّاء: أحمد مشقّع، أحمد عيد، مهنّد زيداني، محمّد حبوش، أحمد ملندي، خالد مبيّض، مجد قبّيشو، خالد قبّيشو، عبيدة فاخوري، عماد أسود، محمّد جبّي، يحيى سمّيع، عبد الرزّاق لقموش، أحمد سمّيع، جهاد كدرش، عبدو شمّام، محمود ميري، أحمد جقمور، محمّد بطل، حسن خليل، إبراهيم عبّادي، وائل سليمان، نضال سليمان، سعيد الناطور، عبد الكريم الأحمد، أحمد سيّد يوسف، محمود بالق، وائل برهوم، هشام حمندوش، عبد الله حورية، أحمد معتوق، ومحمود معرّي. 

سلام الله عليكم يا أحلى الشباب.. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات