بين ثقافة الأغنيات والتمنيات: هل أصبح الزواج حلم الشباب السوري؟!

بين ثقافة الأغنيات والتمنيات: هل أصبح الزواج حلم الشباب السوري؟!

زلزلتِ الثورة أركان المجتمع السّوري، وجعلتِ المشكلات التي كانت قائمةً قبلها أكثر حدةً ومأساويةً، سواءٌ في المناطق المحرّرة، أو في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام، أو في بلاد الشّتات والاغتراب، حيث انتشر وتشرد هؤلاء الشباب. كان الزواج ثقافة سائدة في المجتمع السوري تعبر الرغبة في الاستقرار وبناء الأسرة و"إكمال نصف الدين". 

لقد مضى زمن الأغنيات التي كانت تداعب مخيلة الشباب، وتتحدث عن العزوبية، وحلم الزواج، والتي كانوا يرددونها في حلِّهم وترحالهم آملين أن يتحقق ذلك، على الرغم من حياة البؤس والشقاء التي كانوا يعيشونها في وطن ينخره الفساد والاستبداد. 

ومن هذه الأغنيات أغنية "العزوبية" الفنان الراحل صباح فخري الشهيرة:

"العزوبية طالت عليا... قومي خطبيلي يا ماما واحدة صبية"

وكذلك أغنية:

"بدنا نتجوز عالعيد، وبدنا نعمر بيت جديد 

شبعنا عزوبية، وهموم وليل وسهر ومواعيد"

وأغنية من تلحين الراحل ملحم بركات: 

"نوينا عالجازي نوينا  وقلنا الله بيهدينا

ولما صفينا النية وحبّينا هالصبية

ما عاد حدا يعطينا يعطينا يعطينا"

أمّا اليوم، فحياة العزوبية والغربة جعلت أحد أصدقائي "العزّابية" المقيمين في ألمانيا يغني:

"مرمرة أكلي وشربي مرمره

مسكين يلّي مالو مرَه"

وعندما سألته لمَن هذه الأغنية، أو الموّال؟ لم يعرف لمَن ينسبها، أو مَن يغنيها، فقد تكون من بنات أفكاره، ألّفها في ساعة تجلٍّ عزوبيٍّ محض؛ لأنني بحثت عن هذه الأغنية، ولم أجدها.

يقول هذا الصديق: إنّ هذه الكلمات تعبّر عن حاله أصدق تعبير، وما يعانيه في الغربة لكونه أعزبَ، ولا يستطيع أن يجد بنت الحلال المناسبة التي تؤنسه وحدتَه وغربته، وتكون سكناً له، ويبني فيها ذرّيةً صالحة.

يطلب هذا الصديق مني باستمرار المساعدة بتأمين عروسٍ له منَ الوطن، ويقول: أريد أن أكمل "نص" نصف ديني، فأجيبه؛ للتخفيف عنه ومواساته في وحدته وغربته: إنّ أحدهم تزوّج؛ ليصون ويُكمل نصف دينه، فذهب دينُه، ودين أمّه وجيرانه، كما جاء في إحدى النكات المتداولة؛ لأن العروس كانت سيئة الخلق والمعاملة، ولم يُحسن اختيارها. أنتَ بالأساس هل عندك "نص" نصف لتكمله؟! أنا أشكّ في وجود هذا النصف!

قلت له مرةً: لمَ لا تبحث عن بنتٍ مناسبةٍ عندك في ألمانيا؟

أجاب بأنّ البنات هنا لديهنّ طلباتٌ تعجيزية، فضلاً عن التغير الكبير في طريقة تفكيرهنّ، واعتدادهنّ باستقلالهنّ، حتى إنّ بعض اللواتي يأتين للزواج منَ الوطن، وبعد أن يدفع الزوج آلافاً مؤلفةً من الدولارات، للمّ شمل عروسه، تحدثُ بينهما خلافاتٌ بسبب الحياة الجديدة في أوروبا، ويكون الطلاق أبغض الحلال هو الحلّ، هذا إذا لم تتركه، وهو ينتظرها في المطار؛ لتذهب مع عشيقها الموعود، كما حدث مراراً في القارة العجوز. 

لم تكنِ العوائق والمشكلات التي تحول بين الشباب، وحلم الزواج معقدةً وشائكة، كما هو الوضع اليوم.

في الماضي، ومع الفقر والعوز لم يكن باستطاعة الشباب الزواج بيسرٍ وسهولة، أمّا اللصوص والمتنفذون في الدولة، فكانت حفلات أعراس أبنائهم الأسطورية تُثير السخط والعجب لدى سواد الشعب المحكوم بالحديد والنار، وكلّنا شاهدنا بعض هذه الحفلات، والبذخ الذي كان يُصرَف، حتى إنه في يومٍ من الأيام تمّ هدم مدخل فندق الشيراتون في دمشقَ، وتوسعته؛ لكي يتناسب مع موكب العرس الباذخ لأحد المحسوبين على النظام.

وصلت نسبة العنوسة اليوم إلى 70% حسب الإحصائيات، وهذه النسبة لا تشمل البنات فقط، بل تشمل كلا الجنسين من الشباب والبنات، ففي مناطق النظام خلتِ المدن من الشباب، بسبب الحرب، وعدد القتلى الكبير، وغلاء المهور، والهجرة فراراً منَ الواقع الاقتصادي المُزري، والاعتقال، والزج بالخدمة العسكرية التي قد تطول أكثر من خمس سنوات، ولكنْ في المقابل هناك فئةٌ منَ الناس اغتنتْ من التشليح والتعفيش والسرقات، والسمسرة، وبرزتْ على ساحة العمل التجاري، وهذه الفئة يقال بأنها واجهةٌ جديدةٌ لبعض أركان النظام، وهؤلاء حافظوا على حياة البذخ والترف، وتجلّى ذلك في مناسباتهم وأعراسهم.

إنّ أكثرية الشباب داخل سوريا وصل إلى قناعةٍ راسخةٍ: أنّ لا استقرار، ولا حياة في وطنٍ تنهشه الحرب، ويسوده الفقر والاستبداد؛ لذلك لا بد من الهجرة، وركوب البحر، حتى وإنْ كان في ذلك الموت الزؤام، فالوطن أصبح للّصوص، وتجار الحرب الذين لا يجدون صعوبةً في تزويج أبنائهم، وإقامة الأعراس الفخمة، وهذا ما عبّر عنه أحدهم بقوله: " إذا أردت أن تتزوّج بنت الحلال، فيجب أن يكون مال أبيك منَ الحرام".

وبسبب معاناة الشباب الكبيرة، وعدم شُمول "العزّابية" بما يُسمّى "البطاقة الذكية" التي تُمنح للعائلات، فقد صدر قرارٌ من حكومة النظام بإعطاء مَن يسكنون وحدَهم هذه البطاقة؛ لتخوّلهم شراء المواد الأساسية، والخبز بسعرٍ مدعومٍ.

قرار شُمول "العزّابية" بالبطاقة الذكية يشير إلى الحال التي وصل إليها الشباب، ومستوى المعيشة المتدني الذي دفع بعضهم للتطوّع كمرتزقةٍ لدى روسيا، فهم لا يتمكّنون من تأمين قوت يومهم، فكيف سيفكّرون بالزواج، ولو مجرّد تفكير!

كثيراً ما تأتينا اليوم اتصالاتٌ من أصدقاءَ ومعارفَ، وبعد التحية والسلام يطلبون المساعدة في إيجاد عروسٍ لهم، أو لأبنائهم في بلاد الاغتراب.

وفي هذا الصّدد يقول صديقي الذي يسكن في تركيا: إنه فوجئ بأحد معارفه القدامى الساكنين في أوروبا يطلب إضافته إلى قائمة أصدقائه في الفيسبوك، وعندما وافق، وأصبحا صديقين اتصل الصديق الجديد مُسلّماً يشكو حالة ابنه الأعزب الذي يبحث له عن عروسٍ مناسبة، وإنه في البلد الأوروبي الذي يسكن فيه لا يمكن أن يجد مبتغاه، وإنّ هذه المشكلة هي مشكلة غالبية الشباب الموجودين الذين هربوا من القصف والاعتقال بُعيد قيام الثورة السورية.

صديقي قال له يومها ممازحاً بأنه لا يحبّ المساعدة في هذا الموضوع؛ لأنّ (نانته) جدّته كانت دائماً تقول: "يسعى الواحد بجنازة ولا يسعى بجازة" وإلى الآن لا تنسى جدّته مَن دلّها على زوجات أبنائها، مع أنهم لم يرتكبوا إثماً، وكلّ ظنِّهم أنهم فعلوا خيراً، بتزكية إحدى البنات كعروسٍ لأحد أبنائها، فكانوا يأكلون نصيبهم من لعناتها، عند أيّ مشكلةٍ مع كنّاتها، حتى وإن غيّبهم الموت.

في نهاية الحديث اقتنع صديقي بمقولة "نيّال الذي جمع اثنين على مخدة واحدة" وترك ما حذرت منه جدّته.

يقول صديقي: سألت، وبحثت عن بنتٍ تتوافق مواصفاتها مع المطلوب، ووجدتها، وكنت صلة الوصل بين العائلتين. كانت العروس تسكن في الريف الإدلبي المُحرَّر، والمشكلة كانت كيف ستصل إلى تركيا تهريباً؛ ليتمّ لمّ الشمل مع العريس، وطبعاً كل ذلك مُكلفٌ مالياً، عدا عن خطورة التهريب، وأهواله.

الأمور سارت بمنتهى السلاسة، واستطاع العريسان الزواج، وتكوين أسرة، والأمر الجميل أن كلتا العائلتين حفظت هذا الصّنيع.

يمازحني صديقي قائلاً: إنه بسبب كثرة المتصلين به بحثاً عن نصفهم الآخر الحلو، صار يفكر في إنشاء مكتبٍ، أو جمعيةٍ للزواج، تكون بمنزلة (خطّابة) تساعد الشباب على الزواج، والالتقاء والتعارف في ما بينهم، 

وبالمناسبة فإنّ بعض الخطّابات في أوروبا لا تتقاضى أتعابها إلا بالإسترليني، ويبدو أنّ هذا العمل أيْ التوفيق بين رأسين بالحلال بات مطلوباً ومربحاً.

نية الزواج والاستقرار موجودةٌ عند الشباب، ولكنها تصطدم بعوائقَ، ومطباتٍ كثيرة، والمطلوب مساعدتهم من قبل الجاليات السورية المنتشرة في بقاع العالم، ولا شكّ بأنّ المنظمات والجمعيات والفعاليات التجارية والاقتصادية يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً في تمكينهم من هذا الأمر، في ظل ما يظهر اليوم من ابتعادٍ وعزوفٍ عن الزواج الباهظ التكاليف، وانتشار عللٍ، وأمراضٍ اجتماعية كالمساكنة وغيرها، وخاصةً في المدن الكبيرة.

وكذلك لا يمكننا إغفال الدور الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام في نشر الوعي  بمسألة الزواج، وغلاء المهور، وعدم تزويج البنات في سنٍ مبكرة، فهناك كثيرٌ من الحالات التي سُلّط عليها الضوء، لتلقى صدىً إيجابياً وإشادةً من الناس؛ لأن والد العروس لم يثقلْ بطلباته على العريس وأهله، واكتفى بمهرٍ بسيطٍ جداً، لتيسير الزواج، وفي المقابل حصدتْ بعض الحالات التي عُرضتْ على وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام الاستهجان والنقد؛ لطلب الأب عشرات آلاف الدولارات مهراً لابنته.

 

 

التعليقات (2)

    اي وبعدين ؟

    ·منذ سنة 9 أشهر
    اي كل هالحكي كلنا منعرفو ، بقصد طفل عمرو خمس سنين بيعرفو ، شو جبت شي جديد بمقالك ؟!! وللا بس مجرد صف حكي و تعباية صفحات و ..كلمات منمقة و فزلكة بلا طعمة ....!!!؟؟؟

    عزابي ولكن

    ·منذ سنة 9 أشهر
    بتمنى من صاحب المقال يبعتلنا رقم رفيقو !!!!!
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات