احتضان الأيتام.. وسيلة منتشرة في الشمال السوري لحمايتهم من الضياع وتخفيف أعباء الملاجئ

احتضان الأيتام.. وسيلة منتشرة في الشمال السوري لحمايتهم من الضياع وتخفيف أعباء الملاجئ

بعينين دامعتين وصوت تخنقه العبرات، تستذكر الطفلة هبة مسعود (10أعوام) لحظات مقتل والديها بغارة جوية نفذتها طائرات روسية على منزلهم الكائن في مدينة خان شيخون منتصف عام 2019، حين فقدت حنان وكنف أهلها، وبقيت بعهدة جارتهم التي احتضنتها وقدمت لها الرعاية والأمان.

" بابا وماما ماتوا وما ضللي غير الخالة سعاد" تقول هبة في إشارة منها إلى المعاملة الجيدة التي تتلقاها من "عائلتها الثانية" التي تكفّلت برعايتها والعناية بها وحمايتها من تبعات اليتم والتشرد، وساعدتها على تحمّل أعباء الحياة، في ظل افتقارها لحنان أبويها اللذين غدرت بهما طائرات الأسد وروسيا.

ومع ازدياد أعداد الأطفال الأيتام الذين شرّدتهم الحرب في محافظة إدلب وشمال غرب سوريا، لجأت العديد من العوائل والنساء لاحتضان أطفال فقدوا ذويهم، وأخذت على عاتقها تربيتهم عبر كفالتهم والاعتناء بهم ضمن أجواء أسرية، تخفف عنهم تبعات الأوضاع النفسية والاجتماعية الناجمة عن اليتم والتشرد، من خلال مساعدتهم على مواجهة أعباء الحياة حتى يصبحوا قادرين على تحمّل مسؤولياتهم والاعتناء بأنفسهم.

سكن هبة مع عائلة "الخالة سعاد" خفّف عنها الكثير من التبعات النفسية والإجتماعية "المضطربة" التي رافقتها بعد فقدانها لأبويها، كما أتاح لها استكمال ومتابعة دراستها، حالة من الاستقرار الأسري في ظل المعاملة والعناية الجيدة التي تحصل عليها.

وتتابع الطفلة اليتيمة أنه لا يوجد لها أي أقرباء باستثناء خالة مقيمة في ألمانيا، ما جعلها تشعر بالوحدة والعزلة، قبل أن تقطن مع عائلة صديقة والدتها حيث الرعاية، وشعورها بأنها جزء من هذه العائلة التي احتضنتها وساعدتها على مواجهة أعباء الفقد والوحدة.

سعاد الصغير (35عاماً) تروي لأورينت نت سبب احتضانها للطفلة وتقول إن قرار الاحتضان جاء من منطلق إنساني، خاصة في ظل علاقة "الأخوّة" التي كانت تجمعها مع والدة هبة، لتجد نفسها فجأة المسؤولة الوحيدة عن هبة بعد وفاة والديها، وتتخذ قرارها بالاعتناء بها مع أطفالها الثلاثة.

ورغم اقتراح أقربائها عليها وضع الطفلة في إحدى دور الأيتام في البداية، إلا أنها بقيت متمسكة بكفالتها واحتضانها حتى النهاية.

" وجدت راحتي النفسية بالقرب منها، صحيح أن الله لم يرزقني طفلة، إلا أنني أشعر أن هبة بمثابة ابنتي، لا أميز بينها وبين أطفالي الآخرين" تقول سعاد.

مأساة اليتامي والأرامل

ووفق إحصائية  لفريق (منسقو الاستجابة) بلغ عدد الأطفال الأيتام في مناطق شمال غرب سوريا (203.743) طفلاً دون سن الثامنة عشرة ، فيما وصل عدد النساء الأرامل دون مُعيل إلى (47.771) امرأة.

وعلى مقربة من مخيمات دير حسان شمال إدلب، يعيش الأخوان رائد العمر (تسعة أعوام) وشقيقته ندى (ستة أعوام) مع عائلة عمتهما بعد وفاة والدهما بغارة جوية استهدفت محله التجاري الكائن في مدينة سراقب شرق إدلب.

يقول رائد لأورينت نت إنه وبعد وفاة والده، وزواج والدته من رجل آخر وسفرها معه إلى تركيا، بقي هو وأخته بعهدة عمتهما التي ترعاهما وتؤمّن لهما احتياجاتهما منذ نحو أربع سنوات.

" مالهن غير الله" تقول يسرى العمر (28عاماً) عمة الطفلين، في إشارة إلى عدم وجود أي أقرباء آخرين للطفلين سواها، لتعمل على احتضانهم ورعايتهم بالرغم من الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها وسط الفقر هي وزوجها الذي يعمل في مهنة البناء الشاقة.

وأضافت أنها تتعامل مع الطفلين بحذر شديد نتيجة الأزمات النفسية التي عصفت بهما وشعورهما المستمر بالوحدة واليتم، ما دفعها لتقديم كل التسهيلات اللازمة لإدخالهما المدرسة، ومساعدتهما على الخروج من أجواء النزوح الذي فاقم معاناتهما، " فلا فرق بينهما وبين طفليّ، وآمل أن يحصل جميعهم على الرعاية والاهتمام والتربية الصالحة".

 

معاناة متواصلة

ويعاني الأطفال الأيتام في محافظة إدلب من غياب الدعم والاهتمام في الوقت الذي تتزايد فيه أعدادهم، في حين يعيشون أوضاعاً اقتصادية ومعيشية واجتماعية غاية في الصعوبة، زاد من حدّتها النزوح والعيش في بيئة مهمّشة لا تتناسب مع طبيعة ظروفهم النفسية التي يواجهونها.

ونهاية العام 2021، لجأت غدير الشيخ أحمد (35عاماً) لاحتضان الطفل مرهف (5 أعوام) إثر وفاة جدته المسؤولة الوحيدة عنه، بعد يأسها من إمكانية الحمل والإنجاب الذي بات الآن مستحيلاً بحسب ما أخبرها الأطباء.

تقول غدير إن الطفل مرهف كان يعيش برفقة جدته المُسنّة في مخيمات تل الكرامة شمال إدلب، بعد أن خسر والديه نتيجة الحملة العسكرية الأخيرة التي شنتها ميليشيا أسد على مدينة معرة النعمان، ليبقى وحيداً دون سند أو معيل بعد وفاة جدته في مواجهة خطر الضياع والانحراف.

"قمة السعادة أن تُنجِد مستقبل طفل يتيم" تقول غدير، وتضيف أنها لجأت لكفالة الطفل واحتضانه كونه عملاً خيرياً وإنسانياً بالدرجة الأولى، بالإضافة لعدم قدرتها على الحمل بسبب إصابتها بالعقم ومشاكل صحية منعتها من الأمومة.

ولا تُخفي الشابة رفض زوجها احتضان الطفل في بداية الأمر لأسباب دينية تتعلق بتحريم الإسلام "للتبنّي"، إلا أنه وافق على فكرة الاحتضان بعد أن أكد له خطيب المسجد جواز الاحتضان والكفالة على ألّا يتم تغيير اسم الطفل ونسبه.

مشيرةً إلى أنها لن تتخلى عنه حتى يتمكن من الاعتماد على نفسه بشكل كامل وفق تعبيرها.

من جهتها تقول خلود الأمين (38عاماً) وهي مرشدة نفسية واجتماعية مقيمة في مدينة إدلب، إن ظروف الحرب الدائرة خلّفت أعداداً كبيرة من الأطفال الأيتام الذين يعانون من غياب الرعاية والاهتمام، حيث باتت فئة مهمشة ومنسية في ظل غياب الحلول الدائمة لهم واقتصار هذه الحلول على مراحل معينة ومحدودة، وهو ما تسبب بازدياد ظواهر " أطفال الشوارع، والتسول، والانحراف، وتعاطي المخدرات" والتي يُعَدّ سببها الأول الحرمان المطلق من أدنى حقوقهم في عيش طفولة تضمن لهم التكيف الاجتماعي.

وأضافت أن فكرة "الاحتضان" تُعدّ وسيلة اجتماعية مُثلى للحفاظ على مستقبل الأطفال الأيتام الذين فقدوا ذويهم، خاصة أنها تمكّن الطفل من العيش في بيئة أُسرية طبيعية وخصبة. 

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات