وُلدت في العام الذي وُلد فيه حافظ الأسد: رحلت أنطوانيت نجيب بالوع.. وبقيت (نعيمة) الفصول الأربعة!

وُلدت في العام الذي وُلد فيه حافظ الأسد: رحلت أنطوانيت نجيب بالوع.. وبقيت (نعيمة) الفصول الأربعة!

بحساب السنوات والأعمار، تكبر الفنانة أنطوانيت نجيب البالوع (وهذا هو اسمها الكامل) تكبر حافظ الأسد ببضعة أشهر فقد ولدت في العشرين من شباط/ فبراير عام 1930، وهو نفس العام الذي ولد فيه حافظ الأسد في السادس من تشرين الأول.. كما قيل حين جعلوا من ميلاده متوافقاً مع انطلاقة حرب تشرين.. أما بحساب الفن والأدوار.. فقد بقيت أنطوانيت نجيب جزءاً من ثقافة (سورية الأسد) سوريا التي هندس تركيبتها الطائفية مُجايلها حافظ الأسد.. فلم تكن لهذه السيدة المسيحية المولودة في درعا، والتي دخلت الفن وهي على أبواب الثلاثين من العمر في مطلع ستينات القرن العشرين، أي رغبة أو طموح أو حتى مجرد تفكير أن ترى فيما ثار السوريون من أجله "ثورة كرامة وحرية" بل “مؤامرة كونية”! 

على أية حال تجنّبت السيدة أنطوانيت نجيب في لقاءاتها - ما أمكنها ذلك - الحديث في السياسة إلا عندما كانت تواجه أسئلة مباشرة في مقابلات تلفزيونية محاوروها شبيحة. ربما أدركت أن عمرها لا يسمح لها بأن تصبح في بؤرة التجاذبات السياسية الحادة، وهي تعرف في ظل أي نظام همجي ومخابراتي متوحش تعيش، فآثرت حينا أن تتحدث في كل الموضوعات باستثناء الحديث عن مأساة الوطن الذي تعيش فيه. وتحدثت حينا فمجدت البوط العسكري وبشار الكيماوي والعميل الإيراني حسن نصرالله!  

المسرح العسكري والعثور على شريك الفن والحياة

المعلومات المنسوخة والمتداولة عن أنطوانيت نجيب على الشبكة العنكبوتية، تغفل عن جهل وانعدام معرفة طبعاً، أن بداياتها الفنية كانت من خلال المسرح العسكري، حيث نجحت بمسابقة انتقاء عناصر جديدة للمسرح عام 1961 في زمن كان يضم هذا المسرح نخبة من الفنانين المعروفين أمثال: سعد الدين بقدونس ومحمود جبر وأديب شحادة ومحمد الشماط وهاشم قنوع إلى جانب الفنان يوسف شويري الذي سيصبح زوجها فيما بعد وسترتبط به بعلاقة زوجية امتدت من عام 1962 حتى وفاته عام 2005  وكانت ذروة مشاركاتهما المشتركة هي مسلسل (حكم العدالة) الإذاعي الشهير في إذاعة دمشق، حيث اعتاد يوسف الشويري بصوته الجهوري الصادح النبرات، الذي لا تتوه عنه أذن أي سوري عاش في النصف الثاني من القرن العشرين، أن يلعب بأستاذية أدوار المجرمين والمحترشين، في هذه الدراما البوليسية الإذاعية التي شغلت السوري على مدار ثلاثة عقود من الزمن. 

قبل أن تنضم إلى نقابة الفنانين عام 1968، شاركت أنطوانيت نجيب في العديد من عروض المسرح العسكري مثل (كيد النساء) و(سوء تفاهم) و(سراديب الضايعين)، وهي أعمال قُدّمت في ستينات القرن العشرين، قبل أن ينفرط عقد هذا المسرح بالمعنى الفني لا الإداري (إذ لا يزال مستمراً حتى اليوم)، ويصبح مكاناً ليؤدّي فيه الفنانون المدعومون والمقربون من السلطة خدمتهم العسكرية الإلزامية المؤجّلة، ثم يتولى إخراج عروضه ضباط وملازمون علويون يرون في العمل المسرحي مناسبة لكل شي عدا تقديم فن. 

من دولاب غسان جبري إلى بيادر فردوس الأتاسي

في التلفزيون انطلقت أنطوانيت نجيب في أدوار صغيرة أو مساعدة في العديد من مسلسلات الأبيض والأسود في سبعينات القرن العشرين، أمثال مسلسل (دولاب) من تأليف أحمد قبلاوي وإخراج غسان جبري وإنتاج التلفزيون السوري عام 1972 وفي مسلسل (بريمو) تأليف أحمد قبلاوي وإخراج رياض دياربكرلي وإنتاج عام 1973 وفي مسلسل (البيادر) تأليف علي عقلة عرسان وفوزي الدبعي ومن إخراج محمد فردوس أتاسي وإنتاج التلفزيون السوري عام 1976 فقد شكلت هذه الأعمال الثلاثة ركائز بداياتها التلفزيونية، من دون ان ننسى ولو على سبيل الذكرى مشاركتها بدور صغير بمسلسل (صح النوم) مع دريد ونهاد، الذي كان وقتها أول إنتاج درامي تلفزيوني لشركة سورية خاصة خارج التلفزيون الرسمي السوري. 

كذلك كان لأنطوانيت نجيب مشاركاتها في بعض الأعمال العربية التي كان يشارك في صناعاتها مخرجون أو كتاب سوريون وتصور خارج سورية، كمسلسل (سيف دحيلان) الذي كتبه أديب السيد وأخرج علاء الدين كوكش وصور في قطر عام 1982،  والمسلسل التاريخي (أواخر الأيام) الذي كتبه جوزيف حرب وأخرجه جلال غنيم وصُوّر في لبنان عام 1982 ولعب بطولته نخبة من الفنانين اللبنانيين والسوريين والأردنيين والمصريين أمثال أحمد مظهر ويوسف شعبان، وعبد المجيد مجذوب ورشيد علامة، وعبد الرحمن آل رشي وهاني الروماني، ومسلسل الدراما البدوية (جلوة راكان) الذي كتبه السوري أديب السيد وأخرجه عروة زريقات وصور وأنتج في الأردن عام 1983. 

الممثلة التي عملت مع كل المخرجين 

وبعد فورة الدراما السورية في تسعينات القرن العشرين، وظهور الإنتاج التلفزيوني الخاص وانتشاره عربياً، غدت أنطوانيت نجيب الممثلة التي عملت مع كل المخرجين المخضرمين والشباب على الساحة بلا استثناء. بدءاً من هيثم حقي في (هجرة القلوب إلى القلوب) 1990 وموزاييك (1993) و(خان الحرير) 1992، وعلاء الدين كوكش في (أمانة في أعناقكم) 1998 و(حي المزار) 1999 و(الرجل سين) 2001 ومأمون البني في (شبكة العنكبوت) 1991 و(القصاص) 1996، و(مرايا) 2000، وخلدون المالح في (الجمل) ورياض ديار بكرلي في (الخطوات الصعبة) و(الأخوة) وسليم صبري في (الشقيقات) 1995وبسام الملا في (الخوالي) 2000  وغسان باخوس في (الشريد)  و1992، و(أهلي وأهلك) 1996 وفردوس أتاسي في (العروس) و( مذكرات عائلة) و(المحكوم) 1996، وهشام شربتجي في (الغريب والنهر) 1996 و(رياح الخماسين) 2008، وسمير سلمون في (ابتسامات وألحان) 2000،  وطلحت حمدي في (لوين) و(هاني الروماني في (حمام القيشاني)، وواحة الراهب في (خرزة زرقاء) 1994 ونجدت أنزور في (الجوارح) 1994 و(أخوة التراب) 1996... و عبد الغني بلاط في مسلسل (دنيا) 1999، والليث حجو في (بقعة ضوء) عام 2001- 2003 وسامر برقاوي في (معكم).. وزهير قنوع في (وشاء الهوى) 2006 ورضوان شاهين في الدراما الحلبية (كوم الحجر) 2007، ورشا شربتجي في (القانون ولكن) 3003 (الولادة من الخاصرة) 2011 ومؤمن الملا في (حمام شامي) 2013 وغيرهم الكثير الكثير..  حتى ليمكننا من خلال مشاركات السيدة أنطوانيت نجيب التلفزيونية، أن نحصي أسماء المخرجين الذين علموا خلال العقود الثلاثة الأخيرة  من عمر الدراما التلفزيونية.

(الفصول الأربعة) وحاتم علي تلفزيونياً وسينمائياً 

إلى جانب كل هؤلاء كان لأنطوانيت نجيب مشاركات هامة مع المخرج الراحل حاتم علي في العديد من الأعمال: (أحلام كبيرة) 2004 و(على طول الأيام) 2006 ومن قبل (الفصول الأربعة) الذي كتبته دلع الرحبي وريم حنا بجزأيه،  الأول: 1999 والثاني 2002  فضلا عن الفيلم السينمائي (الليل الطويل) الذي كتبه هيثم حقي وأخرجه حاتم علي عام 2009

في (الفصول الأربعة) كانت أنطوانيت نجيب جزءاً من حالة بطولة جماعية، فقد جسدت دور خادمة عائلة ثرية، هي أقرب إلى المربية التي تصبح جزءاً من أفراد العائلة ونسيج يومياتها، وقد أولاها نص السيدتين المرهفتين دلع الرحبي وريم حنا عناية خاصة فجعلوا لها نصيباً من بطولة بعض الحلقات. وبأدائها النزق وطلّتها العفوية، وحدّتها المغلّفة بالحكمة والحنان، استطاعت أنطوانيت نجيب، أن تجعل من شخصية (نعيمة) إحدى العلامات البارزة والنادرة في مسيرتها الفنية، الحافلة بالأدوار الكثيرة، والشحيحة بالأدوار والشخصيات ذات القيمة والأثر التي يمكن ان يضع أنطوانيت نجيب في مصاف الفنانين الكبار أو حتى ممثلي الدرجة الثانية المؤثرين!  

أزمة جيل يرحل

إن رحيل أنطوانيت نجيب، يأتي في زمن تعاني فيه الدراما السورية من فقدان جيل بكامله من الفنانين المخضرمين الذين طالما أدّوا أدوار الأمهات والجدّات ببراعة وإحساس.. ومما لا شك فيه تعاني هذه الدراما التي عادت آمال السوريين بالحرية والكرامة، ليس من أزمة شعبية في لحظة تاريخية فارقة وحسب، بل أيضاً من أزمة أدوار تمثيلية لفناني الجيل القديم الذين يرحلون تباعاً، دون أن تتاح شروط صحية لتأهيل فناني الجيل الوسط لملء المساحة الشاغرة التي تركوها. 

التعليقات (2)

    خبر

    ·منذ سنة 8 أشهر
    ولم يذكر تاريخها الحافل بانها كانت صديقة للجاسوس كوهين

    رامي

    ·منذ سنة 8 أشهر
    و يلعن روحك يا حافظ على الجحش اللي خلفته
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات