لماذا أضحت الغارات الإسرائيلية أسبوعية في سوريا؟

لماذا أضحت الغارات الإسرائيلية أسبوعية في سوريا؟

جدّدت إسرائيل يوم أمس الأول ضرباتها على مطار حلب بعد أيام قليلة من الضربة الأولى التي جاءت مساء 31 من آب، وفي 26 من ذات الشهر استهدفت بسلسلة غارات مواقع لميليشيا أسد وإيران تضمّ مستودعات ومراكز بحثية وصواريخ في محافظتي طرطوس وحماة، كانت الـ21 منذ بداية العام الجاري 2022، وإذا ما أخذنا بالحسبان التوغلات البرية التي كان آخرها في تموز/ يوليو الماضي والعمليات والهجمات السرية وغير المعلنة يمكن الاستنتاج بسهولة أن الغارات والهجمات الإسرائيلية أضحت أسبوعية تقريباً ضد مواقع النظام وإيران وميليشياتها في سوريا.

ثمة أسباب وعوامل عديدة تقف خلف هذا المعطى أو المتغير الجديد المتمثل بتحوّل الغارات الإسرائيلية إلى أسبوعية تمكن الإشارة إليها باختصار وتركيز على النحو التالي:

أول الأسباب يتمثل بمنع وإجهاض ما تصفه إسرائيل بالتموضع الإيراني الإستراتيجي في سوريا بعد مرحلة مسؤول الحرس السابق قاسم سليماني ومحاولة خلَفه إسماعيل قاآني ملء الفراغ وإثبات قدراته عبر إقامة معسكرات وقواعد في مناطق عديدة بسوريا، والغارات الأخيرة أتت بعد محاولات إيرانية للتنقل بين مطار تي فور في حمص ثم مطار دمشق، وأخيراً ميناء اللاذقية وطرطوس مع الانتباه إلى سعي الإيرانيين لإقامة مصانع وورش للصواريخ الدقيقة ومستلزمات عسكرية أخرى بعد تعذّر نقلها إلى سوريا براً ثم جواً وأخيراً بحراً بعد ضرب خط العراق البري الأساسي إثر التحولات في هذا البلد والانتفاضة العارمة ضد إيران وميليشياتها، كما الرقابة الإسرائيلية الصارمة في البحر والجو بما في ذلك قصف مدرجات مطار دمشق وإخراجه من الخدمة بعدما حوّلته إيران إلى مطار عسكري ومحيطه إلى ثكنة مركزية لها ولمليشياتها في المنطقة.

هذا يفسر بالطبع "ضمن أسباب أخرى" كثافة الغارات وزيادتها، كما اتساعها جغرافياً أيضاً مع محاولات إيران الهرب من الغارات أو حتى الاحتماء منها بوهم المظلّة الروسية الصاروخية قرب قاعدة حميميم. وهذا يشرح أيضاً اقتراب وتركيز الغارات بالفترة الأخيرة من محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، حيث نقاط الوجود المركزي للاحتلال الروسي.

هنا لا بد من الإشارة إلى تعرض معهد البحوث العلمية في حماة والذي بات يُستخدم من قبل الحرس الإيراني لتطوير صواريخ وأسلحة أخرى بعد تعذّر نقلها والشعور أنه مكان ملائم وبعيد نسبياً، وأن ثمة فرصة للاختباء والاحتماء بالقرب من القاعدة الروسية بحميميم والميناء فى طرطوس مع الانتباه إلى أن الغارة الأخيرة استهدفت المنطقتين في نفس التوقيت أي حماة وطرطوس معاً.

في أسباب تكثيف وتيرة الغارات الإسرائيلية تمكن الإشارة كذلك إلى رغبة الدولة العبرية في منع حزب الله بصفته أداة إيران الإقليمية المركزية ليس من التموضع والانتشار في معسكرات النظام بغرض حمايته ومنع سقوطه "وهو أمر مقبول ومفهوم إسرائيلياً" وإنما إنشاء قواعد أو معسكرات وحتى تموضع خلايا صغيرة تسمح له بالرد أو مهاجمة إسرائيل، "علماً أنه لا يفعل ذلك" أو فتح جبهة محتملة ضدها في المستقبل. هذا يوضح من جهة أخرى خلفيات وأهداف التوغلات البرية والغارات ضد عناصر حتى مع تبعيتها للنظام، لكن مع خضوعها لإمرة حزب الله بما في ذلك إلقاء إسرائيل منشورات تحذيرية بالاسم لضباط النظام كي يتوقفوا عن فعل ذلك، مع ضرورة التذكير هنا باستخدام القضية الفلسطينية وعدالتها وقداستها والتذرع بمحاربة إسرائيل للتغطية على انخراط الحزب إلى جانب النظام وإيران ضد الشعب السوري وشعوب عربية أخرى.

أما السبب الثالث، فيتعلق بإعادة انتشار أو تخفيف روسيا وجودها في سوريا بعد استنزافها في حرب أوكرانيا التي خدشت بل كسرت هيبتها ونفوذها إقليمياً ودولياً حيث حاولت إيران ملء الفراغ وتوسيع انتشار واحتلال المواقع التي أخلَتها القوات الروسية – كما حصل في حماة وجنوب سوريا - وهذا جعلها بالطبع عرضة أكثر وهدفاً أسهل للطائرات الإسرائيلية وبالتبعية أدى أيضاً إلى ارتفاع وتيرة الهجمات والغارات الإسرائيلية ضدها.

ثمة عامل آخر قد لا يبدو ظاهراً للعيان يتعلق بالمفاوضات الجارية الآن في فيينا أو الحديث عن اقتراب التوصل إلى تفاهم  يسمح  بالعودة إلى الاتفاق النووي بين أمريكا - والمجتمع الدولي – وإيران، وتتحسب إسرائيل أن الأجواء ولو الأولية التي سيخلقها الاتفاق قد لا تكون مؤاتية تماماً  -وليس بالضرورة أن تكون مُعيقة أو تضع عراقيل أمامها- بحجة إعطاء الفرصة لتنفيذ الاتفاق وعدم خلق عراقيل وموانع أمامه، لذلك تسعى لاستغلال الفرصة المتاحة ونافذة الوقت لضرب أكبر عدد ممكن من الأهداف قبل إنجاز الاتفاق وتصعيب محاولة البدء من جديد على إيران.

إلى ذلك لا يمكن إغفال البعد الإسرائيلي الداخلي كون الدولة العبرية لا تملك سياسة خارجية، وإنما داخلية فقط كما يردد دائماً وزير الخارجية الأمريكي الأسبق المفكر الإستراتيجي هنري كيسنجر، ولا شك أن قرب موعد الانتخابات يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب والتجاذب، ومن هنا تجيير الغارات والهجمات داخلياً من قبل رئيس الوزراء يئير ليبد الذي يكاد يرتدي عباءة الجنرال العسكري في الفترة الأخيرة، كما وزير الدفاع الجنرال بيني غانتس الذي يعتبر معسكره الوطني رمانة الميزان في الساحة الحزبية الأساسية الإسرائيلية.

في الهجمات والغارات الأخيرة ثمة أمور تثير الانتباه أيضاً يجب التوقف عندها ملياً تتمثل باقترابها من نقاط وجود الاحتلال الروسي في طرطوس واللاذقية وعلى بعد كيلو مترات معدودة، من القواعد والمطارات والرادارات الروسية. 

هذا يعني أولاً أن روسيا لا تزال ملتزمة بالتنسيق الأمني والخط الساخن الذي لا يزال يعمل بين حميميم ومبنى الكرياه-رئاسة الأركان- في تل أبيب، والذي يَعلَم الروس من خلاله بالغارات قبل دقائق من حدوثها،  وكما العادة دون أن يحذّروا إيران وعناصرها وميليشياتها.

وبعد ورطتها في أوكرانيا واضح أن موسكو لا تستطيع أيضاً مجابهة التكنولوجيا الغربية التي تملكها إسرائيل ويقال حتى إنها لا تملك قدرات الجيش الإسرائيلي نفسه في التخطيط والتنفيذ والمناورات.

من هنا يمكن فهم الدفاع اللافت جداً، والمهووس من قبل ما يسمى مركز المصالحة في حميميم وحتى من موسكو نفسها عن التكنولوجيا الروسية وإحصاء الصواريخ التي أسقطتها دفاعات النظام، وهو أمر غير صحيح ومثير للسخرية أمام الخسائر الكبيرة في الأعداد الكبيرة من القتلى والجرحى كما المؤسسات والممتلكات كما رأينا مثلاً في مطار دمشق وإخراجه من الخدمة لأسابيع طويلة.

أما اللهجة الروسية العالية نسبياً ضد الهجمات الإسرائيلية في الفترة الأخيرة فتتعلق بالخلاف حول الموقف الإسرائيلي من أوكرانيا لمنع وكبح رفع سقف الموقف العبري باتجاه دعم عسكري وبيع أسلحة لكييف. وهذا هو الهدف الروسي دائماً، علماً أن رئيس الوزراء الحالي يئير ليبد المنتمي أيضاً إلى اليمين الوسط ولكن من خلفية سياسية أقرب إلى المنظومة الغربية منه إلى سابقيه بنيامين نتنياهو ونفتالي بينيت الذين ينتمون إلى إسرائيل الجديدة اليمينية المتدينة.

كما العادة لا يثير موقف نظام الأسد العاجز الاستغراب، وإنما السخرية وحتى الغثيان كونه لا يستطيع منع إيران من استخدام قواعده ونشر وحتى تصنيع أسلحة فيها، ولا يستطيع-هذا إذا أراد- منع إسرائيل من قصفها حتى مع فقدانه جنوداً وضباطاً كباراً كما حصل في الغارة الأخيرة، ويبدو أنه غير مبالٍ لذلك ولا لشعارات الهيبة والسيادة طالما استمر في السلطة ولو صورياً.

وتبدّت المفارقة في هذا السياق في إيجاد وزير خارجية النظام فيصل المقداد الوقت لإدانة ممارسات وتوغلات وانتهاكات فرنسا في مالي بعدما باتت أو في طريقها لتصبح محمية أمنية روسية – ليس لدى روسيا ما تقدمه سوى العسكرة -بينما كانت إسرائيل تقصف في طرطوس وحماة نفسها ولا تكاد تتوقف عن القصف في سوريا.

كما تبدت قمة الانفصام والازداوجية في عدم رد النظام على الغارات الإسرائيلية الأسبوعية، بينما شن هجمة سياسية وإعلامية عبر أبواقه والناطقين باسمه ضد حركة حماس بحجة عدم الرد على الهجمات والعدوان الإسرائيلي الأخيرة ضد غزة.

• باحث وإعلامي

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات