بالأمس القريب كتبت شذرة فيسبوكية هذا نصها:
"باختصار: تحيا إيران المنتفضة، تحية إلى حرائر إيران، تحية إلى الشعب العربي الأهوازي، الخلود للشهيدة مهسا اميني".
فاشتاط أحد الأكراد وأغلظ في القول الرعاعي لأني لم أذكر الكرد.
أما بعد:
ينتمي كثيرون إلى قضياهم الوطنية بروح قوية، ومن حق الإنسان المنتمي هذا أن يرى العالم من زاوية قضيته.
فمن حق الفلسطيني المؤمن بعدالة قضيته إيماناً مطلقاً، ولا يرى حلاً لقضيته إلا التحرير والعودة وزوال إسرائيل، أن يتمنى لو أن البشرية كلها تشاركه هذا الوعي بقضيته. ومن حق الفلسطيني أن يكافح من أجل هدف أقل من التحرير والعودة متمثل بدولة فلسطينية وعاصمتها القدس.
وقس على ذلك الانتماء إلى القضية الكردية، فمن حق الكردي أن يتصور أي حل يحقق له تقرير مصيره في دولة ما يتصوره من "كردستان التاريخية". ويتمني لو أن كل العالم يشاركه هذا الوعي بقضيته ويدعمه.
ومن حق الأحوازي المنتمي إلى قضيته المتمثلة بانتهاء الاحتلال الإيراني للأحواز وقيام دولة الأحواز العربية، أن يعبر عن هذا الهدف كما يشاء، ويتمنى أن يقف وراءه العالم كله ليحقق أهدافه.
هذه القضايا ذات الطبيعة الوطنية القومية تخلق لدى بعض المثقفين أو ما شابههم نوعاً من التعصب المنفر للآخر. تعصب يحول التعاطف مع قضيته إلى نفور، وبخاصة إذا استخدم المتعصب لغة سوقية شجارية مع آخر مختلف.
أعود إلى عنوان مقالي (أنا والقضية الكردية)... فموقفي ثابت من القضية الكردية كتابة وشفاهياً، لم يتغير ولن يتغير، لأنه متعلق بالحق، حق الكرد بدولة كردية مستقلة في كردستان التاريخية في العراق وإيران وتركيا. وحتى يأتي هذا اليوم يجب أن يتمتع الكرد بجميع حقوقهم الوطنية والثقافية في كل أماكن وجودهم.
المسألة السورية اليوم ليست هي المسألة الكردية. هي ثورة السوريين بكل أطيافهم، ضد كل أشكال الاضطهاد. والحل الوطني السوري الذي سيفضي إلى عقد وطني يجب أن يتضمن حقوق الكرد في الدولة السورية القائمة على العقد الاجتماعي، الدولة الديمقراطية البرلمانية. لا حل لأية فئة في سوريا خارج الحل الوطني السوري الكلي. وتعصب بعض الأكراد تعصباً قومياً شوفينياً والنيل ممن لا يرى رأيهم حمق قومي.
وقد قامت الدنيا ولم تقعد حين كتبت مقالاً بعنوان (دفاعاً عن العرب)، ولم أكترث بجعجعة العفوش من الكرد، كما لا أكترث بجعجعة العفوش السوريين والعرب المدافعين عن النظام في العراق وسوريا ولبنان وإيران.
رسالة إلى العزيز هوشنك أوسي
وفي ضوء هذا أرسلت الرسالة الآتية للشاعر الكردي العزيز هوشنك أوسي، هذا نصها.
" صديقي الشاعر. يقول الشاعر الكردي العبقري بيكه س:
يبدو أن الدماء هذه لن تنطفئ حتى
أوقدُ حقيقة داخل رأسي:
إني لستُ وحدي الجمال والألوان كلها.
إني لستُ وحدي الشمس والأشعة كلها.
إني لستُ وحدي الجياد والصهيل كلها
وقريباً من معنى هذا القول المرصع بالجمال كتبنا مقالاً بعنوان: (الفلسطيني والكردي) أشرنا فيه إلى أن: ما يتفق فيه الفلسطيني والكردي بأنهما ينظران إلى المحيط، وإلى كل ما يجري في العالم من أحداث انطلاقاً من قضيتهما فقط .
فالأول يضع نظارة فلسطينية على عينيه فيشاهد العالم باللون الفلسطيني، والآخر يضع النظارة الكردية فيشاهد العالم باللون الكردي.
لا شك إن هناك مبررات موضوعية لهذه الحال واستمرارها، ولكنها حال غير محمودة النتائج دائماً من حيث السلوك وفهم الوقائع.
مقالنا دفاعاً عن العرب لم يكن معنياً بالكرد أساساً، إنه دفاع عن البشر الذين يتعرضون اليوم لخطاب ناف لهم:
1-الخطاب الأصولي العنفي وبنوعية: الخطاب الشيعي والخطاب السني.
2-خطاب بعض ممثلي الأقليات القومية: كالكرد والأمازيغ
3-خطاب النزعات الأيديولوجية السلفية الماقبل إسلامية. كالفينيقية والفرعونية وما شابه ذلك.
4-خطاب السلطات الحاكمة بكل أنواعها.
ولقد تصديت لهذه النزعات المعادية للعرب، كما تصديت سابقاً للنزعات المعادية للكرد، ناقداً واقع العرب السياسي والاجتماعي والاقتصادي الخ. دون أي تعصب، داعياً، كما أدعو دائماً، إلى دولة ديمقراطية علمانية تحافظ على الحق بمعزل عن القومية والدين. ولا أخفيك بأن رد بعض الكرد علينا، بنوع من الشوفينية الرعاعية، قد حملنا على أن نستمر في هذه المهمة، وهي الدفاع عن العرب في الحرية والدولة العلمانية الديمقراطية.
دعني يا صديقي أقول لكم: ما من قومية تجعل من كرهها لقومية أخرى مقوماً من مقوماتها. فالكرد قومية مظلومة، وشاءت دول التحكم في مصير العالم أن يتوزعوا على أربع دول. وشعوب المنطقة ليست مسؤولة عن هذه الحال. وإذا كان عقل الدول الأربع عقل ما قبل فكرة الحق فإن القضية تزداد تعقيدًا. ولكن هذا التعقيد يتضاعف إذا ما تحول الوعي الكردي بذاته على أنه عدو للشعوب التي تشكل أكثرية سكان الدول.
هل تعلم بأن الفلسطيني، حتى الآن لا يقول العدو اليهودي، بل يشير إلى العدو الصهيوني، وإذا حدد أكثر قال العدو الإسرائيلي.
إن الدفاع عن قضية الشعب الكردي لا يعنى أن نضع نظارة الحركات السياسية الكردية على أعيينا لنرى العالم كما تراه هذه الحركات، ونبرر سلوكها في المناطق التي ساعدها الأمريكان في السيطرة عليها.
وأنت تعلم يا صديقي بأني أمة وحدي، ودفاعي عن الحق والحقيقة والحرية ليس مرتبطاً بهذا الشعب دون سواه، أو هذه الجماعة دون سواها.
فعقلية من أطلق اسم (روجافا) على أي منطقة في الجزيرة لا تختلف عن عقلية من أطلق اسم (القحطانية) على قرية كردية. فالموقف من الحق والحقيقة لا يتجزأ.
وبعد: إن موقفي من أية قضية مؤمن بها لا تتأثر أبداً بردود فعل سلبية جاءت من هذا أو ذاك، من هنا أو هناك.
فبعض الذين ينتمون إلى الثورة السورية ويعانون من عقدة الخصاء أمامنا، شتمونا، لكن موقفي من الثورة السورية ظل هو هو، ودون أن أكون منتمياً إلى أية جماعة، فأناي لا يتحمل العمل في الجماعات، وقس على ذلك، فإن موقفي من قضية الكرد لن يتزعزع جراء هيجان بعض التحوت الذين لا نكترث بهم كعادتنا.
أما فلسطينيتي فما زالت تمنحني الأمل بفلسطين كلها من البحر إلى البحر. لا لأني أحب انتمائي العربي-الفلسطيني فقط، وإنما لأنها مرتبطة بالحق الذي لا لبس فيه أيضاً.
لك محبتي وأشواقي. البرقاوي"
التعليقات (3)