رواية (وشمس أطلت على ديارنا الغريبة) ليارا إسعاف وهبي: المرأة السورية ونماذج روايات الحرب

رواية (وشمس أطلت على ديارنا الغريبة) ليارا إسعاف وهبي: المرأة السورية ونماذج روايات الحرب

تستعيد رواية (وشمس أطلت على ديارنا الغريبة) للكاتبة والصحافية السورية يارا إسعاف وهبي، تستعيد بشكلها السردي أسئلة الهاربين من جحيم الأسد التي حفزت مغامرة خوض المياه أو الموت غرقاً، وهنا يضعنا السرد في لجّة مياه عميقة لم تسبر أغوارها تماماً، وقاربت الكاتبة وهبي مشروعها الإبداعي، بأدوات ووسائل تعبيرية تجعلها مختلفة عن غيرها.

الحدث الروائي

"أجساد لغرقى يطفون على سطح البحر، عيونهم مغلقة، أجفانهم أذابها الملح، أفواههم مفتوحة على أقصاها، وصدى صراخهم يطاردها كالشبح، أنقذونا أنقذونا أنقذونا".

هذه الكلمات كابوس رواد (شمس) بطلة رواية (وشمس أطلت على ديارنا الغريبة)، قبل خروجها لاستقبال قطارات اللاجئيين السوريين الذي سيصلون مدينة "زالفد" التي ستكون مساحة لكابوسية جحيم الأسد،" والحرب لا تتوقف حينما تتوقف المدافع وحسب؛ حيث ينتحر الطفل (رامي) ويترك حنيناً لأخته ونعرف أسرار الكثير من النساء والرجال على حدا سواء، ونكتفي بالقدر هذا حفاظاً على التشويق والإثارة.

نماذج نسائية سورية

خلق صورة دالة للمرأة السورية بعد الحرب، ووقف السرد على التشابه الظاهري لصور ما يمكن أن نسميها "بطلات"، ربما أهم سمات هذه الرواية، فهذه البطلات الساعية للتمرد عن "الأبوية" التي يكرسها الرجل، تجعل من بطلاتها نماذج مستقرة في الذاكرة الثقافية. وفي تراثنا العربي نماذج عدة، كنموذج (شهرزاد) في (ألف ليلة وليلة) ورابعة العدوية، عاشقة التصوف، والشاعرة الأندلسية ولادة بنت المسكتفي؛ ويظهر الاستقصاء والتحليل هنا أن بطلات هذه الرواية من "غادة" و"نوال" وحتى "شمس" وغيرهن.. هن نماذج للأم السورية بتحويراتها المختلفة، وهن نموذج للمرأة المقاتلة المختبئة وراء أقنعة عديدة؛ وهنا ظهرت لي الكتابة مخلصة لذاكرتها البعيدة، ووعيها المُخلص لأمهاتها الغابرات.

صورة المرأة الكاتبة

عرضت رواية (وشمس أطلت على ديارنا الغريبة) صورة جديدة للمرأة في روايتها، هي صورة المرأة الكاتبة التي تعاني من هموم الكتابة الإبداعية مثلما تجلت لدى "شمس" بطلة روايتنا، ونبين هنا أن الرواية التي تتعرض للمرأة الكاتبة؛ رواية حديثة، وأنها طرقت جوانب من معاناة الإبداع تختص بالمرأة من مثل تعلقها بقصص كثيرة عن نساء ورجال سوريا بعد الحرب، وتبدو دمشق "الملاك" الذي يسكن في أعماق "شمس" ومحاولة تعريف بتاريخ شفوي لنساء لم يعرفهن أحد، "الجدة" مثالاً واضحاً، وجهودها الكبيرة لإعطاء قيمة اعتبارية لنساء هن أخوات وأمهات والحصول على التقدير الاجتماعي لهن، مثلما أضاء السرد على معاناة الكاتبة في مجتمع ثقافي ذكوري تطرقت لمعاناة بطلاتها، وحتى أبطاله في مرات.

الرواية النسوية ونماذج ما بعد الحرب 

ارتهنت الرواية السورية في صيرورتها وتطورها الأخير بمعطيات للحرب التي تمر بها سوريا، والأزمات التي لحقت بها منذ البداية، لم يلتبس حضور الآخر/المستبد الوطني، ووجوده المفروض قسراً على التراب السوري؛ بل بدا عميق الحضور في صناعة المشهد الدامي للحرب، هنا تتجلى الرغبة في الحفاظ على الأصالة الذاتية، وقد وجد تعبيراتها في الرواية بمقاربة الحجاب والعلاقات العاطفية والعادات والتقاليد والأعراف، وتتجلى لاحقاً في تنويع هموم السرد رغبة في التجديد والتحديث بما يتوافق مع قضايا أرض اللجوء الجديدة (ألمانيا)، من خلال عمل "شمس" في مكتب يمنح كورسات لغة للسوريين والأجانب، وفي المراحل اللاحقة للسرد شكلت أزمات الواقع الجديد وهزائمه وانتصاراته؛ عملاً مهماً للرواية السورية بعد الحرب، ويمكن لصورة المرأة في هذه الرواية، أن تعطينا فكرة عن هذا التغيير الذي يصب حيناً السطح وأحياناً الجذور، إذ تنوع التعبير عن المرأة فنياً، واتخاذها هذا "التبئير" في العمل الروائي، أمراً غير مألوف سابقاً، ولكن صورتها ظلت تراوح بين نموذجين أصليين في الثقافة السورية: 

- امرأة مثالية الخَلق والخُلق، رمز الطهر والنقاء كالعاشقة البريئة "شمس" مثالاً.

-  المرأة الجسد رمز الإغواء والشر والخير والخطيئة والشهوة.

إنها المغوية المهلكة ومثالها في العمل "أم العندلبية" المرأة الدمشقية التي تعشق جذورها وتفخر بها حد الإفراط، تؤكد انتماءها الدائم للشام بقولها: "أنا من جوا السور" تتزوج من رجل ألماني يقع في غرامها حين سماعها تغني؛ وهما صورتان نابعتان من خيالات الكاتبة، ويصح أن تكون تعبيراً عن "الأنا الأعلى" للكاتب وأشواقه للكمال وطموحه للارتقاء، والصورة الثانية صورة قاتمة؛ يصح أن تكون تعبيراً عن"الهو" المكبوتة، وما تشتمل عليها من غرائز واندفاعات. وليست هاتان الصورتان على الصعيد الفني سوى وعي الكاتبة عن نفسها.

ولكن ما يجدر الإشارة إليه، أخيراً، أن قيمة العمل الروائي (وشمس أطلت على ديارنا الغريبة) للكاتبة والصحافية يارا إسعاف وهبي، لا تأتي فقط من الثيمات المعالجة، بقدر الوسيلة الفنية والثقافية والفكرية التي عبر من خلالها عما أرادت الكاتبة قوله، فكانت يارا وهبي على قدر تحدي تغيير الأساليب التقنية الخاصة بكتابتها، وامتلاك الأدوات لسردياتها بكثير من التمكّن، ناهيك عن الرؤية التي تتجلى، بينما السوري ينهار من حوله العالم.

التعليقات (2)

    sundus

    ·منذ سنة 5 أشهر
    لم اقرأ بحياتي اسخف مثل هذه الخربطه التي يسميها البعثي السابق صلال مقاله عن كتاب... لك لو بقيت بفرنسا الف سنه فلن تتنظف روحك البعثيه وسخافتك ابدا روح انجب واشتغل بمطعم ما , او سواق تكسي ممكن تحكي للناس عن اخبار الادب ...
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات