تشابه بلدان الربيع العربي واختلافها

تشابه بلدان الربيع العربي واختلافها

هل باستطاعتنا أن نستخلص ملامح عامة لوضع مجتمعات الانتفاضات الثورية العربية، والتي تفسر ثوراتها؟
الجواب نعم، والنعم هذه تسمح لنا أن نرفع هذه الملامح إلى مستوى من مستويات الضرورة التاريخية، أو الملامح القانونية، فأن تشتعل كل الجمهوريات العربية في فترة زمانية واحدة، وتشابه قل نظيره يفرض الاعتراف بقانونية الظاهرة. وإلا كيف نفسر هذا المد الثوري في تونس ومصر سوريا واليمن والجزائر وليبيا والسودان ولحقت بهذه الجمهوريات المستبدة  فيما بعد العراق. 
والتأمل بالمشترك والتشابه مع تمايزات ذات علاقة بالتاريخ الخاص الذي حدد مسارات الثورات ومازال يساعدنا على تجاوز النظرة السطحية للصراع.


ماهي هذه الملامح المتشابهة للجمهوريات التي اشتعلت فيها الثورات؟
أولا: جميع بلدان الربيع العربي تخضع لحكم ديكتاتور عسكري ،بن علي.مبارك. القذافي.علي عبدالله صالح. بشار الأسد.عمر البشير. وجميعها شهدت أنظمة جاءت بعد انقلاب عسكري أو ورثته عن انقلاب.
ثانياً : جميع هذه الأنظمة الحاكمة ذات طابع عائلي،أو مناطقي أو عشائري أو طائفي. فعصبية الحكم هنا عصبية متخلفة،وهي أقرب إلى العصبية التي تحدث عنها ابن خلدون مع الاعتراف بأن العصبية الطائفية هي أسوأ أنواع العصبيات التي ثار عليها الشعب في نموذجها السوري.
ثالثاً: جميع هذه الأنظمة أنظمة ينطبق عليها مصطلح الدولة الرخوة،حيث استشرى فيها الفساد استشراءً أعلن فيها موت الحياء. ولم يعد هناك فصل سلطات، حيث استولت سلطة القمع الديكتاتورية على السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية، وراحت تلعب لعبة الانتخابات المزورة بالمطلق.
رابعاً: في جميع هذه البلدان تأسست بنية أمنيّة قمعية سادية، أطاحت بالقوانين والأعراف والعادات المعشرية بين الناس، حطمت الأمان النفسي الضروري للحياة، وزرعت الخوف في النفوس التي لم تعد قادرة إلا على التمثيل.
خامساً: في  أغلب هذه البلدان حزب شكلي واحد يختبئ خلفه الديكتاتور،وتعدد شكلي زائف لأحزاب موالية له.
سادساً : أغلب هذه البلدان تعاني من تدني مستويات المعيشة وتعاني من ازدياد الفقر، باستثناء ليبيا.
ونمت فيها الفئات المهمشة-البروليتاريا الرثة.
سابعاً: في جميع هذه البلدان ما إن بدأت الثورة حتى برزت إلى العلن الحركات الأصولية الإسلاموية.
هل أستمرّ بسرد التشابه؟! وهل هناك داعٍ للسؤال لماذا انفجرت الثورات!
لكن هذا التشابه لا ينفي الاختلافات والمآلات بسبب الاختلافات التاريخية. فالجيش في مصر وتونس والجزائر كان قادراً على تولي زمام الأمور ولم يشهد أي انشقاقات، ما سهّل عملية إزاحة الرؤساء الثلاثة، ودون تدخل خارجي تقريباً،فيما لم يستطع الجيش الليبي الحفاظ على تماسكه وتحولت المناطقية إلى أساس الولاءات، وكان للتدخل الخارجي العسكري دور كبير في إعدام القذافي،أما في اليمن فلقد أدى تحالف علي عبدالله صالح مع الحوثيين إلى انشقاق المؤسسة العسكرية، وراح عبدالله صالح ضحيةً من قبل حليفه الحوثي حين شعر الحوثي بموقف جديد له. وشكّل الحوثيون مع بقايا جيش علي عبدالله صالح وبدعم من إيران حركة مسلحة توازي قوتها جيش الشرعية.
فيما طبيعة الجيش الطائفي السوري جعل عدداً من السُنة وهم أقلية عسكرية تقوم بالانشقاق، وتأسيس الجيش الحر، وراحت الحركات الأصولية تشكل الميليشيات العسكرية، وأول ما قامت به تصفية الجيش الحر.
واجتمع الجيش الطائفي والميليشيات الشيعية من لبنان والعراق وإيران مع القوات العسكرية الإيرانية والجيش الروسي وأجّلوا عملية التخلص من النظام.
وعندي بأن جميع بلدان الربيع العربي تعيش مراحل انتقالية لا نعرف حدودها الزمنية، فالماضي يحتضر وقد يطول احتضاره بفعل عوامل خارجية وداخلية، أما موته فهذا مما لا شك فيه أبداً.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات