قصص"امرأة من سنديان": أقرب للخواطر وإيهاب يموت بأيدي وحوش الأسد الوسخة بسبب كلمة

قصص"امرأة من سنديان": أقرب للخواطر وإيهاب يموت بأيدي وحوش الأسد الوسخة بسبب كلمة

جاهدتْ مبادرة "نكتب لننجو" التي نظّمتها "منصّتكِ نحو التغيير" في السويداء مؤخراً لاستخراج هواجس السرد وبناء الحبكة القصصية من نساءٍ لم تخالط الكتابة حياتهنَّ على نحوٍ جاد فيما سبق، كنَّ يحضرن إلى ورشة عمل أشرف عليها الكاتبان خالد خليفة وسلوى زكزك طيلة أسبوعين، ليصغن خلالها نصوصهنَّ القادمة من التياع الغياب والفقدان بعفويةٍ غلبت تكنيك الكتابة القصصية وتقنياته المعروفة، وما تمخّض عن تلك المبادرة كان مجموعةً قصصية حملت اسم "امرأة من سنديان" طبعتها دار أتار للنشر والتوزيع، وحَوَتْ تسعة عشر نصّاً متقاربة المستوى، ضعيفة الأثر، تشبه التجريب الأولي أكثر من كونها نصوصاً متكاملة الدلالة والنضوج.

التداعي الحر كرهانٍ سرديّ

لا يمكن الركون إلى البناء القصصي وخصائصه في تشكيل الحبكة وخيوط السرد، والوصول إلى العقدة والذروة القصصية لدى مطالعة تجربة "امرأة من سنديان"، إذ إن نصوصها جاءت أقرب ما تكون إلى الخاطرة الأدبية، أو إلى سردياتٍ مبسّطة طفحت من بين شقوق تداعٍ حرّ لمكنونات النفس البشرية، لكنها حَمَتْ أيضاً ضفاف التذكّر من الانحسار والتراخي لنساءٍ فقدن زوجاً أو ابناً أو أباً خلال حرب النظام السوري مع غيره، فالمعاناة الناضجة المفترضُ تصفُّحها في نتاج مجموعة "امرأة من سنديان" لم تتجلَّ بصورٍ متّقدة وأكثر تعلّقاً بالواقع وخصائصه العميقة المتبدّلة في سوريا، بل بدت أقل قيمة من ارتهانها الواقعي بعد سردها، حيث ظلّت مترددةً في الإيغال أكثر داخل الصورة القاتمة المعادية للحياة، والتي تستوطن داخل مخيال السوريين من كتّاب أو أناس عاديين جداً.

ويبدو أن تجربة الكتابة لأولئك النسوة لم تكن تجربةً حميمة وأصيلة في آن، بقدر ما كانت اقتياداً إلى نمط صياغةٍ تجريبي حاول نقل الواقع الحسي من مكانه الواضح والصريح إلى فضاء متخيّلٍ جاء أقل جودةً وابتكاراً من أصله الواقعي، ومن الواضح أيضاً أن خليفة وزكزك لم يشتغلا كفايةً على إعادة توجيه تلك النصوص نحو بنائية قصصية جادة، والأرجح أن يكونا قد اكتفيا بما صاغته نساء المبادرة، حتى وإن كان ما كتبن مجرّد خواطر ونثر حرّ ركيك، فاختيار نساء المبادرة كما فهمنا اعتمد على الصدفة، وجاء على عجالة بلا بحثٍ كافٍ عن خاماتٍ تستطيع الكتابة القصصية بالفعل، ومع ذلك حصلت كلُّ امرأة في المبادرة على مبلغ ثلاثمئة ألف ليرة، نصفها جاء كتنازل عن حقوق نشر ما كتبنه، ونصفها لقاء انتظامهن في يوميات التدريب خلال أيام عمل الورشة.

الخاطرة مكان القصة في امرأة من سنديان

في "خيبة أمل" لنور رمضان تغيب الحبكة تماماً، ويكون السردُ سردَ ترحالٍ للأسرة في الحكاية، لكنه سرد ناقصُ الذروة، بالكاد نلمح تشبيهاً واحداً، مثل الذي ذكرته "بدأت أتوتر توتراً شديداً كأني آلة رق". 

وفي نص "عذراً" لرغدة أبو شاهين يظهر التمادي في تتبع شذرات هائمة لا ترتبط بوحدة الزمان والمكان داخل هندسة الحبكة، إذ إن السرد عبارةٌ عن أربعة مقاطع نثرية فيها أوصاف ركيكة الدلالة، كثيرة الفجاجة مثل "دعست على قلبي".

لكن، وربما تكون قصة "لن تكوني وحيدة" لإيفيلينا كنج الأكثر نضجاً ودراية ببناء الحبكة، وطلاقة السرد مقارنةً بباقي النصوص، دون إغفال أنها تمادت بسرد الخط الأفقي للزمن ومدّته خمس سنوات، نقرأ عندها تشابيه موفّقة مثل "الشمس تنتصب مخترقة الضباب مثل إكليل نحاسي سائل على بيوت مهترئة" و"لكن المرساة في فمي قيّدت لساني عن الحركة" و"مرّت ساعتان أجلس على السرير فاغرةً عينيّ" الصفحة 22.

أما نص "ذاك الوجه الباسم" لرغدة مداح، فإنه إنشاء لغةٍ صريح يفتقد حبكة التكوين القصصي، بل هو سردٌ بلا معنى لزوج مات على إحدى جبهات النظام تاركاً وراءه أرملةً وفتاتين.

 ثم نجد كيف يطغى الإنشاء بصلافة على نص "قرّة عيني" لرسمية أبو عمار ليكون النصُّ خاطرة أدبية، نقرأ منها "أتى ذلك اليوم الذي اضمحل فيه النور، ومنعت الشمس وشاحها عنّي، فتركتني في ظلمة، لا شيء يحدّ سوادها، ولا شيء قادر على تخفيف عتمتها". وهذا ينطبق على نص "الموت بعد الموت" لريما مطر، حيث الخاطرة الأدبية حاضرة ومتمكّنة من تشكيل النص القصير، الأمر الذي نجده أيضاً لدى قراءة "لولا مقلتاه الصغيرتان" لشذى الحلبي حيث التمترس خلف الخاطرة الأدبية ولغة الإنشاء، نقرأ فيها "لقد فقد حياته، وهي فقدت نصف قلبها وروحها وجمال أيامها"، والحال ليس أفضل مع نص "ذاكرة" لعبير عبد الله إذ لا شيء يطرق باب الانتباه بالرغم من كل أحمال الإنشاء الأدبي المتدفق منها، وهي خاطرة كسابقاتها عن معاني الترمّل والفقدان والمسؤولية الجديدة المرهقة للكيان البشري، أما نص "امرأة من سنديان" فهو بالإضافة لكونه خاطرة أدبية بامتياز غير أنه تحصّن بالمونولوج الداخلي للشخصية الرئيسية فيه، نقرأ في الصفحة 78 "أهي من حرمني فرحتي بصباي البرّاق؟!أم أنا التي ظلمت نفسي عندما استسلمت لها، وتمسكت بألمي وقوّتي الهشة؟!، فاستنشاق أنفاس الخاطرة الأدبية يظهر أيضاً في نص "أحلام في لحد" لجنى رضوان حيث تدفق المشاعر الملاحقة لغياب الأب في وقت مبّكر من حياة ابنته.

البحث عن الحبكة والمعنى، عملٌ شاق!

تخرج قصة "أبواب مغلقة" لعائدة الحجلي بسلام من بين براثن الخاطرة الأدبية التي تسلّطت على أغلب نصوص "امرأة من سنديان"، حيث الأم التي تبحث عن أثر ابنها المعتقل، وتستذكر كيف كانت تزور زوجها المعتقل فيما مضى، نقرأ في الصفحة 65 "كانوا يستمتعون بتعذيبهم ونقلهم من كان إلى آخر، وأينما كان كنت أعود إلى زيارته متحمّلةً الانكسارات والتعامل غير الإنساني وغير اللائق" لكن الحبكة تظلّ فقيرةً لدى الحجلي، متخففة من الدعائم اللازمة لشدّ بنيتها، وتجسيرها باتجاه ذروة النهاية، كما يمكن أن نعتبر نصّ "القصة لولدي الشهيد إيهاب" لميسون أبو صعب عنواناً فارقاً في تلك المجموعة من النصوص، لجهة تشكيل المعنى وجعله حليفاً لصيقاً للواقع، حيث السرد الذي يتناول سيرة ابن الكاتبة إيهاب وصولاً إلى اعتقاله على أحد حواجز النظام يوم عيد الأم من عام 2013، نقرأ في الصفحة 81 "وفي اليوم ذاته حضرت الشرطة والأمن لتفتيش المنزل ولم يجدوا شيئاً، يا لهم من وحوش!!…..لأنه قال كلمته الحرة يعاقب ويموت تحت أيديهم الوسخة".

وفي قصة "أحزان الفقد" لأمل نعيم نعثر على الكاتبة داخل إنشائها الفسيح وهي تحاول اقتناء حبكة لائقة، ولأنها تستميل الواقع في تثمين المعنى، نجدها أن سردها لا يغرق في قتامة الإنشاء كسواه، تصف موت زوجها في الصفحة 93 "اجتمع المعارضون والمعارضات ليتغنوا باستشهاده وبطولاته ضد نظام قاس لا يعرف العدل" ثم يأخذ السرد طابعاً حسّياً دلاليّاً أكثر من انغماسه في حبكة مدججة بالمعنى وتطوره، لكن خاتمتها الإنشائية تعيد تثبيت السرد  إلى لجاجة الذبول. 

بينما نجد كيف اشتغلت روبينا شقير على الصورة والمجاز التشبيهيّ في قصتها "الصباح الأخير" مثل "وجه فارس يتعمشق جدار قلبها، لا يهدأ، رائحتهُ تحتلها، تلفُّ روحها، وتسكن تحت جلدها" كما نقرأ في الصفحة 56 عن اختفاء زوجها حين ذهب ليحطّب بعضاً من أشجار بستانه "البستان بعيد عن البلدة، وهو يتوسط ما بين حاجز لجيش يتبع النظام الحاكم، وحدود بلدة يحميها جيشٌ منشق عن النظام يدعى الجيش الحرّ"، لكن مشكلة سرد شقير وقوعه داخل حبكة ضعيفة، فزوجها فارس لا ندري من قتله، أجيش النظام من فعل؟! أم الجيش الحر؟! ويترك مريم أرملةً مع ابنيه ورد وحلا.           

 ثم نجد كيف آثرت ربيعة القنطار في قصتها "حب قديم" تبنّي حبكة تقليدية في خطّها الزماني رسمت بعضاً من ملامح الحب والخذلان والانكسار، ثم المعاناة بصورها المضنية بعد فقدان رنا لزوجها. وتلك ملامح حبكةٍ مقبولة نجد ما يماثلها في قصة "البيت المهجور" لغازية مزهر، حيث يشك الزوج بسلوك زوجته التي تغادر البيت كل صباح ليكتشف لاحقاً بأنها تزور حماتها التي رماها الزوج بلا ضمير.     

 وفي قصة "امرأة من الجنوب" لوفاء أبو سعيد نجد الاستناد الكلّي إلى السرد المتشعّب الموغل في التفاصيل وتثبيتها، كثيرِ التناسل، وهذه سمات السرد الروائي لا القصصي، فالكاتبة تسرد علينا تفاصيل حقبة زمنية طويلة من تاريخ عائلة درزية، لكن السرد يعود فيسقط ضحية اللا معنى في الحبكة القصصية، إذ تغيب الذروة عن الحبكة المتوارية أصلاً. وفي "تاجرة صغيرة" قصة لينا نصار نعاين سرداً مبسّطاً كلاسيكي البنية لفتاة تهوى التجارة وتمارسها لتعيل أسرتها، ثم يصادر الزواج شغفها ذاك، وحين موته تكتشف بأن التجارة لم تعد عملاً آمناً كما السابق، وفي "هجران" قصة دنيا الكردي يطاردنا سردٌ يحتجز المعنى في نهاية الحبكة حيث أسرة تهاجر من حمص إلى دمشق لدرء الخطر عنها، ويُساق ابنهم إلى جيش النظام، ويبقى مصيره معلّقاً.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات