التجار بمناطق سيطرة أسد يتخذون خطوة تعمق عجز السوريين وأزمتهم الاقتصادية

التجار بمناطق سيطرة أسد يتخذون خطوة تعمق عجز السوريين وأزمتهم الاقتصادية

يدخل السوريون مرحلة جديدة من مراحل العجز المالي والاقتصادي، بعد تقليص أصحاب المحال التجارية في مناطق سيطرة ميليشيا أسد عمليات البيع الآجل خشية تعرّضهم لخسائر مضاعفة، جراء التضخم المتسارع في أسعار السلع وعدم الاستقرار الذي تعيشه الليرة السورية.
وشهد سعر صرف الليرة تذبذبات كثيرة ما بين صعود وهبوط خلال الأسابيع القليلة الماضية، قبل أن تنخفض وتصل إلى 5200 ليرة سورية يوم 28 من شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري، نتيجة السياسات النقدية الجديدة للمصرف المركزي، وما يعتبره اقتصاديون شح إمدادات النقد الأجنبي، الأمر الذي أثّر على واقع السوق وحركة البيع والشراء.

إقفال دفاتر الديون

وبحسب من تواصلت معهم أورينت في مناطق سيطرة ميليشيا أسد، فإن الكثير من الباعة وأصحاب البقاليات قرروا وقف البيع الآجل "الدَّين" وبشكل خاص للموظفين والعائلات الفقيرة، بسبب الارتفاع المستمر في الأسعار وعدم قدرة الزبائن على سداد الديون المترتبة عليهم بشكل منتظم، الأمر الذي يضاعف مصاعب الحياة.

"أبو أحمد" وهو مدرس من مدينة حلب، أوضح أن نسبة كبيرة من السكان يلجؤون إلى الشراء بالدّين لتأمين احتياجاتهم حتى يقبضوا رواتبهم أو يتلقون تحويلات الإعانة الدورية من أقاربهم الموجودين في الخارج، ويقول: "بسبب الفقر وتدهور الوضع زاد اعتمادنا على دفتر الديون عند الباعة في شراء كل شيء تقريباً من الخضار والمواد الغذائية والتموينية ومستلزمات الأطفال وغيرها، مقابل السداد على دفعات أو الدفع مع نهاية كل شهر كما هو متعارف عليه".

ويضيف: "منذ أسبوعين وأكثر توقف صاحب دكان شارعنا عن البيع بالدين، مرجعاً السبب إلى عدم قدرته على مواكبة أسعار السوق المستمرة، ما زاد الأعباء علي، إذ صرت مجبراً على استدانة الأموال من الناس لشراء كيلو رز أو كيلو بطاطا أو تدبر أمورنا دون طبخ ليوم أو اثنين، بعد أن كان الأمر مقتصراً على الاستدانة من رجل واحد". 

ويؤكد أبو أحمد على أنه "رغم عمله في مهنتين من الدوام المدرسي إلى معمل للألبسة، إلا أنه عاجز عن تأمين حياة كريمة لعائلتي، فدخله الشهري بالكاد يصل إلى 320 ألف ليرة، بينما تتراوح تكلفة المعيشية لأصغر الأسر السورية اليوم بين مليونين إلى ثلاثة ملايين ليرة بسبب الغلاء الفاحش، لذا فالوضع صعب عليه وعلى أصحاب المحلات".

تعميق الأزمة المعيشية

أما عبد الله، فقد أشار إلى أن توقف المحال في حيه عن البيع بالدين، قد أفسد خطته الاقتصادية التي كان يعتمد عليها في إدارة شؤون حياته منذ أكثر من سنتين، والتي تقوم بشكل مباشر على تأجيل الدفع حتى يتسلم حوالته المالية من عائلته المقيمة في تركيا.
ويقول: "أعمل في ورشة للخياطة، وأجري فيها متفاوت ولا يمكن البناء عليه في معيشة عائلة، لذا يقوم والداي وإخوتي المقيمون في تركيا وألمانيا بإرسال مبلغ مالي شهرياً بين 100 إلى 150 دولا، رتّبت بناء عليه مصاريفي، بحيث أسدد دفعات بقيمة الحوالة لأصحاب المحالات الذين أستدين منهم طيلة الشهر، بينما أحتفظ بأجر عملي للطوارئ".
ويضيف: "بعد تقليص البائعين في المنطقة البيع بالدين قبل شهرين وأكثر، حيث اقتصر بالنسبة إلى محال المواد الغذائية على مأكولات الأطفال والمعلبات فقط، انهار نظام المعيشة لدي وصرت مضطراً على دفع كل شيء نقداً، ما أجبرني على تحمل المزيد من التقشف ووضع متطلبات ابني الصغير أولوية على حساب طعامنا".
وكانت صحيفة "قاسيون" التي يديرها قدري جميل رئيس ما يسمى منصة موسكو المعارضة، قد أشارت إلى ارتفاع تكلفة المعيشة للأسرة المكونة من 5 أفراد ليصل إلى نحو 3 ملايين و500 ألف ليرة سورية، بينما يبلغ متوسط راتب الموظف نحو 150 ألف ليرة.


الديون خسارة

وبحسب العديد من التجار في مناطق سيطرة النظام، فإن السوق المحلية ومنذ مطلع العام الجاري، تعيش حالة من عدم الاستقرار على مستوى توافر السلع والأسعار، نتيجة تذبذب سعر صرف الليرة واحتكار فئات محددة من التجار سوق الاستيراد وتحكمهم بالأسعار.
أبو محمود وهو تاجر مواد الغذائية في مدينة حلب، أوضح أن أصحاب محال التجزئة باتوا غير قادرين على تعويض السلع المباعة، نتيجة ارتفاع سعرها في حال توفرها وقلة السيولة النقدية لديهم بسبب البيع بالدين.
وعن سبب توقفه عن البيع بالدين، يشرح أبو محمود قائلاً: "قبل شهر تقريباً كان الدولار الأمريكي يساوي 4000 ليرة تقريباً أم اليوم فيتراوح بين 5000و5200 ليرة، ما يعني خسارتنا أكثر من ألف ليرة عن كل دولار موجود في دفتر الديون، فضلاً عن تضاعف الأسعار الغير منطقي، فعلبة زيت الطعام التي بعناها قبل شهر بنحو 12 ألف ليرة زاد سعر جملتها اليوم على 16500 ليرة، وهذه الفروق تعتبر خسائر بالنسبة لنا، لعدم قدرتنا على التخزين وشراء السلع فور بيعها".
ويضيف: "انهيار الليرة وتلاعب التجار الكبار بالسوق بحيث يحتكرون السلع لرفع سعرها ثم يطرحونها بالسوق، تسبّب بخسائر كبيرة بالنسبة لنا نحن تجار التجزئة ونوافذ البيع المباشر للمستهلك، حيث أجبرتنا الظروف المعيشية والاقتصادية للسكان على البيع بالدين، ما يعني أن أرباحنا ورأس المال صار في بطون الناس، فضلاً عن أن عملية السداد تكون غالباً عند نهاية كل شهر، وبالتالي فإن سعر السلعة التي بيعت بالدين قد تضاعف خمس مرات على الأقل عند الدفع".


الدائرة تشمل الجميع

أمر يتفق معه "أبو خالد" موزع مواد غذائية في حي "جب القبة" بحلب القديمة، الذي أكد أن الخوف من الإفلاس أجبر جميع التجار ممن هم على تواصل مباشر مع السكان المستهلكين على وقف البيع بالدين، رغم الارتدادات السلبية لهذه الخطوة على الحركة التجارية عموماً.
ويقول: "الغلاء الأخير وصل مستويات لم يسبق تسجيلها من قبل، حتى في أصعب مراحل انهيار الليرة سابقاً، حيث أدى الضخم السريع والمفاجئ في أسعار السلع والمواد إلى تعليق التجار عمليات البيع والتوزيع للأسواق، خشية خسارة السلع وفقدان رأس المال القادر على تعويضها".
ويضيف: "كما هو متعارف عليه فإن تجار الجملة يقومون بتوزيع البضائع لمحال التجزئة مقابل السداد عند البيع وعلى دفعات، لكن اتساع فئة المشترين بالدين وضمنها من كانوا يُعتبرون ميسوري الحال، قلصت السيولة النقدية بيد الجميع وجعلت أصحاب محال التجزئة عاجزين عن سداد ديونهم، وبالتالي عجزنا أيضاً عن شراء البضائع من الموردين".
يؤكد سكان مناطق سيطرة ميليشيا أسد أن موجة التضخم الأخيرة قد تجاوزت ارتدادات انحدار قيمة الليرة أمام الدولار، ويحمّلون أسبابها لحيتان الاقتصاد المقربين من عائلة أسد، ممن يحتكرون كل ما هو متعلق بقوت الأهالي مقابل استنزافهم، لكن هذا الاستنزاف يبدو أنه وصل مرحلة متقدمة مع ظهور بوادر اختفاء نظام البيع الآجل الذي يُعتبر المحرك الرئيس لسوق مناطق أسد.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات