هروب مئات العائلات السورية من مناطق سيطرة الأسد إلى الشمال بسبب الجوع والبرد

هروب مئات العائلات السورية من مناطق سيطرة الأسد إلى الشمال بسبب الجوع والبرد

دفع تفاقم الأزمة الاقتصادية وتردّي الواقع المعيشي مئات السوريين للفرار من مناطق سيطرة ميليشيا أسد إلى الشمال المحرر، بالرغم من كل المخاطر التي قد يواجهونها على الطريق.

ولجأ أكثر من 200 عائلة سورية وأكثر من 300 شاب من مناطق مختلفة في سوريا خاضعة لسيطرة ميليشيا أسد إلى مدن عفرين والباب وإعزاز ومحافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال غرب سوريا على مدار اليومين الماضيين، وفق صحيفة "الشرق الأوسط".

وقالت الصحيفة إن مناطق المعارضة تشهد خلال الآونة الأخيرة، تدفّق مئات المواطنين والعوائل من مناطق ميليشيا أسد بشكل يومي، بالرغم من مخاطر الموت أو الاعتقال؛ هرباً من الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي لم يسبق لها مثيل منذ اندلاع الحرب في سوريا قبل 11 عاماً.

"لم نذق طعم الخبز"

ولفتت إلى السوريين باتوا يفرّون بسبب أزمة الوقود الخانقة وغلاء أسعار السلع إلى مستوى قياسي، وتوقف الكثير من الخدمات والمرافق في المناطق التي تحكمها ميليشيا أسد.

ويصل السوريون من مناطق أسد إلى الشمال على دفعات من خلال طرق تهريب للبشر مقابل مبالغ مالية؛ بدافع البحث عن لقمة العيش والدواء وحليب الأطفال، بعد تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي بشكل مفاجئ في مناطق ميليشيا أسد وشلل شبه تام للحياة، وفق روايات عدد من الفارّين.

وتحدّث أبو محسن (52 عاماً)، الذي لجأ وعائلته قبل أيام من ريف حمص الشمالي وسط سوريا إلى أحد أقاربه في مدينة عفرين، قائلاً: "إن خيار الفرار من مناطق ميليشيا أسد الآن هو القرار الصائب لكل إنسان سوري عاقل، وخصوصاً بعدما دخلت تلك المناطق نفق الفقر والجوع والغلاء الفاحش لكل السلع الغذائية وانعدام الثقة بحكومة ميليشيا أسد في إنقاذ الاقتصاد وتوفير مستلزمات المواطنين الضرورية كالوقود والخبز والدواء وحليب الأطفال وتوفير فرص العمل للسوريين، وعلاوة على ذلك وقوع المواطن بين مطرقة الفقر وسندان الهيمنة من قِبل سلطات أمن الميليشيا على رقاب الشعب وأصحاب المنشآت التجارية والاقتصادية وسلب إتاوات شهرية".

ويضيف أبو محسن للصحيفة: "عشنا مدة شهر قبل مغادرتنا منطقتنا لم نتذوق فيه طعم الخبز بسبب نفاده في الأسواق بعد توقف الأفران عن إنتاجه بسبب شح الوقود، واعتمدنا، خلال ذلك، على البرغل (المنقوع) والحشائش التي توفرها لنا حدائق منازلنا، قبل أن نتواصل مع أقاربنا في مدينة عفرين، وتأمينهم لنا مبلغ مليون ليرة سورية لندفعه لأحد الشخصيات المقرَّبة من الأجهزة الأمنية، مقابل تسهيل عبورنا الطرق التي تنتشر فيها الدوريات الأمنية ضمن مناطق النظام في حمص وحلب، وتأمين الوصول إلى خطوط التماس ومناطق المعارضة في عفرين، وكذلك عشرات الأُسر".

رحلة محفوفة بالمخاطر

وبعد رحلة استغرقت أسبوعاً كاملاً محفوفة بالمخاطر، هرباً من الجوع، وصل ياسين (47 عاماً) وعائلته قبل أمس، من مدينة دوما في ريف دمشق إلى منطقة الباب شرق حلب، وأقام مع أسرة أخيه الذي هُجّر قبل أعوام من منطقته، وهو بصدد البحث عن فرصة عمل يؤمِّن من خلالها قُوت أطفاله.

وقال ياسين: "الهروب من الموت جوعاً أو مرضاً إلى أي مكان آخر خارج مناطق ميليشيا أسد، بغض النظر عن الثمن لبلوغ ذلك، بات هدفاً رئيسياً في رأس أي مواطن سوري يعيش في تلك المناطق، بعد تدهور المعيشة وصعوبة الحياة، ولجأتُ إلى مناطق المعارضة، وإن كانت الحال فيها ليست بأفضل بكثير من مناطق ميليشيا أسد، إلا أنه يمكن للمواطن أن يحصل فيها على فرصة عمل يؤمِّن من خلالها الحد الأدنى من مستلزمات أسرته الحياتية من طعام وخبز ودواء، وأيضاً المنظمات الإنسانية التي تقدم للنازحين كميات من الغذاء والألبسة".

وأوضح أنه "منذ ما يقارب الشهر بدأت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، تزامناً مع بدء شح المحروقات، التدهور تدريجياً في العاصمة دمشق والمناطق المحيطة بها، واشتداد الخناق على المواطنين، وكانت البداية في توقّف حركة النقل التدريجية بسبب نفاد المحروقات في المحطات وتشكل الازدحامات البشرية في المواقف وكراجات النقل".

من جهته، قال أيهم الشهابي وهو ناشط بريف حلب: "تشهد مناطق المعارضة منذ سنوات لجوء مواطنين من مناطق ميليشيا أسد في حلب وحمص وحماة ودمشق، بدوافع مختلفة؛ إما بقصد لمّ الشمل مع أقارب لهم فرّقتهم ميليشيا أسد بعمليات التهجير القسري قبل سنوات، وإما بقصد البحث عن حياة آمنة والعيش الكريم، إلا أن المنطقة منذ ما يقارب الأسبوع شهدت موجة لجوء مرتفعة عن السابق لمئات العائلات السورية والمواطنين، فرّوا من مناطق مختلفة في سوريا إلى مناطق المعارضة، وجُلُّهم تحدثوا عن الأوضاع الإنسانية الكارثية التي عاشوها مؤخراً مع الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مناطق ميليشيا أسد وتدهور الحياة فيها إلى مستوى لا مثيل له منذ اندلاع الحرب السورية قبل 11 عاماً تقريباً".

وتابع: "إضافة إلى العائلات التي تلجأ إلى مناطق المعارضة في شمال غرب سوريا، هناك مئات الشباب السوريين يفرّون أيضاً من مناطق ميليشيا أسد؛ هرباً من سوقهم إلى الخدمة الإلزامية في صفوف قواته العسكرية، وبعضهم يطمح إلى الهجرة عبر تركيا إلى أوروبا، لبدء حياة جديدة".

وأوضح أن "وصول العائلات من مناطق ميليشيا أسد إلى مناطق المعارضة مكلف مادياً، وقد تصل تكلفة عبور العائلة الواحدة إلى ما يقارب 4 آلاف دولار أميركي، تذهب للمهرّبين وذوي النفوذ في مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية لتأمين عبورهم إلى مناطق المعارضة بأمان من دون تعرّضهم للاعتقال على أيدي عناصر ميليشيا أسد في الحواجز المنتشرة على الطرق الرئيسية والفرعية".

يذكر أن مناطق الشمال السوري ليست بأفضل حال من مناطق سيطرة ميليشيا أسد، إلا أن العديد من السوريين فضّل اللجوء إليها رغم الأزمات والمشاكل التي يعاني منها، إذ تبقى مناطق أسد هي الأسوأ على الإطلاق من الناحية المعيشية منذ سنوات.

أزمة محروقات في مناطق سيطرة أسد

وتشهد مناطق سيطرة ميليشيا أسد شللاً تاماً في القطاعات الحيوية، ولا سيما قطاعي النقل والكهرباء، إذ تتوالى إعلانات الميليشيا ووسائل إعلامه عن اتخاذ إجراءات تصفها بـ"المؤقتة" بسبب فقدان المحروقات من الأسواق.

وتأتي هذه الإعلانات وسط توقّعات بطول وشدة أزمة المحروقات الحالية، وسط اتهامات لمسؤولي الأسد بالوقوف وراء تلك الأزمة "المفتعلة" لمصلحة شركات محروقات خاصة.

وتأثّرت 5 قطاعات حيويّة بشكل كبير، نتيجة فقدان مادة المازوت بمناطق سيطرة أسد منذ عدة أشهر بدون إيجاد أي حلول، فمن قطاع المواصلات والنقل إلى رغيف خبز الناس، إلى التعليم، والقطاع الخدمي، وحتى قطاع الترفيه لم يسلم من الأزمة الحالية.

كما إن تصريحات حكومية ميليشيا أسد نبّأت بطول وشدة الأزمة الحالية، في ظل قطع ما تبقّى من موارد نفطية عنها، ولا سيما الدعم الإيراني الذي توقّف لأسباب عديدة، وزعمت حكومة أسد قبل أيام أن ناقلات النفط الإيرانية تواجه صعوبة في الوصول إلى سوريا.

موارد التهريب

واعتمدت ميليشيا أسد على شبكات التهريب خلال السنوات الخمس الماضية، لنقل الوقود والنفط من مناطق سيطرة قسد شرق الفرات، بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليه بسبب ارتكابه جرائم حرب تجاه الشعب السوري خلال السنوات العشر الماضية، وتهدف تلك العقوبات لإجباره للانصياع للقرارات الأممية الرامية للانتقال السياسي في سوريا.

وتحتاج ميليشيا أسد وسطياً، إلى ما يقارب 200 ألف برميل يومياً، لسدّ حاجته من المحروقات، وتشكّل مناطق شرق سوريا الخاضعة لسيطرة ميليشيا قسد والتحالف الدولي نحو 25 بالمئة من واردت النفط والوقود لحكومة أسد، إضافة للنفط الإيراني الذي كان يعتمد عليه النظام لمواجهة الأزمة الاقتصادية المرتبطة بالعقوبات الدولية وخاصة قانون (قيصر) الأمريكي.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات