في ضرورة دعم الناجيات من سجون الأسد

في ضرورة دعم الناجيات من سجون الأسد

لا يستقيم الكلام عن القهر السوري وتجلّياته على السوريين دون الحديث عن الاعتقال والتعذيب في سجون النظام السوري، وبالذات اعتقال وتعذيب النساء. من وجهة نظري، الخاسر الأكبر في الثورة السورية هو المرأة. ما عدا الحالة التي تكون فيها المرأة السورية عقدة للقهر، أي عندما تكون أماً لشهيد، أو زوجة، أو عمة، أو خالة...، فإن المرأة السورية الأسيرة في سجون النظام هي الحالة الأكثر كارثية في القضية السورية. تنبهت العديد من منظمات المجتمع المدني لهذا الموضوع -دعم الناجيات- وأجرت عدت نشاطات تشكر عليها، ولكن ما يهمني هنا محاولة للوصول إلى ما هو أبعد من الخوف والرعب للمرأة السورية وهي قابعة في أقبية الأسد.

الحية الميتة

لا يقتصر التعذيب على مجرد إنهاء الضحية مادياً، بل تدمير كيانها وذاتها بتحويلها إلى مجرد أداة يستحوذ عليها جلادو الأسد. يتم ذلك عبر حفلة من التعذيب المتناهي في العنف والذي لا يُدخل ألم الضحية في الاعتبار. هذه الحفلة تبدأ بمجرد أن تطأ قدم الضحية عتبة فرع المخابرات، وتنتهي عندها إنسانية الإنسان "انطلاقا من عدم الاعتراف بها"، فنحن أمام حالة من سفول المشترك الإنساني بكل معنى الكلمة. فمن خلال الاستماع لشهادات الناجيات والناجين، يتبين لنا إلى أي مدى ممكن أن يصل الأذى بحق الكيان الإنساني. وبالتالي، تتعاظم الكرامة بالموت. يمكن القول إن النظام السوري اتبع ثلاثة أساليب على مستوى التعذيب، وهي: الضرب العنيف، الإجهاد، التحكم بحاجات الجسد الأساسية. 

الأسلوب الأول يهدف إلى محاولة كسر مقاومة الضحية، من خلال التسبب بأشد الآلام قسوة، وليكتمل مشهد الحقارة، يتم استهداف الأماكن الأكثر حساسية في الجسد، كاقتلاع الأظافر، والضرب المؤلم على المناطق الحساسة. ولا يمكن أبداً نسيان الاغتصاب، ليس الاغتصاب الجنسي فقط، بل بإدخال أدوات مؤذية. والاغتصاب بالذات، من "أكبر عمليات التعذيب إثارة للعار الثقافي"، حيث لا يبقي للضحية أي حيز من الخصوصية أو الحرمة خارج سيطرة الجلاد.

هذا الأسلوب لا يؤذي الجسد فقط، إنما ينفي الدلالة الإنسانية عن الضحية ويوصلها إلى أعلى درجات التحقير والإذلال. الزمن في هذه الحالة يتميز بالاستطالة، أي يبدو كأنه أبدي، الثانية بيوم مما نعد، لأن الضحية ولعدم علمها بالوقت الذي سينتهي به التعذيب؛ تكسر وتفنى إرادتها وتصبح المقاومة بلا جدوى. هذا الأسلوب، وبالذات الاغتصاب، ألم جسدي يزيده سوءاً بشكل لا يحتمل نسف الحصانة وألم العار. 

ليست حفلة واحدة بل حفلات. يتبع الحفلة الأولى سلسلة من العمليات أهمها التحكم بالحاجات الجسدية والإجهاد لإنهاك الضحية، صحيح أنها قد تخلو من الأذى الجسدي، إلا أن آثارها لا تقل كارثية عن الأسلوب الأول. ومن أبرز عمليات الإجهاد المنع من النوم، وهناك حالات كثيرة من المعتقلات تشبه حالة "رجب" بطل رواية "شرق المتوسط"، إذ يقول: بدا لي النوم في تلك اللحظة أجمل لذة يكن للإنسان أن يمارسها. ولكن النوم يصبح مستحيلاً وأنت واقف في الماء البارد. أو أن ترش الضحية بماء بارد في جوِ شديد البرودة، وهذا لا يعتدي على حرمة الجسد فقط، بل يشكل خطراً حقيقياً على التوازن النفسي للضحية. أيضاً في هذه الحالة يبدو الزمن وكأنه أزلي. ومن أبرز الأمثلة على التحكم بحاجات الجسد: التحكم بقضاء الحاجة والذهاب للحمام، يمارسها الجلاد إما بمنعها أو إجبار الضحية على قضاء الحاجة أمام الآخرين. ولك أن تتخيل أن رمز الحياء تفعل ذلك وهي مجبرة أمام غيرها.

النيل من صميم الاعتبار

الحالة الأكثر تأثيراً هنا هي تعرية المرأة من ملابسها. المرأة السورية متمسكة بحرمة جسدها وستره، وقد أمعن النظام بانتهاك هذه الحرمة وأدرك منها ما أراد بها، وأحدث فتقاً في صورة الذات قد لا يبرأ أبداً. لأنه يزيد من الإحساس بالعار، ويصعب إلى حد بعيد البوح بذلك للأقران/المجتمع. وبالتالي، صراعاً مع الذات واعتبارها. في الأساليب السابقة والحالة محل الحديث؛ تحاصر المرأة السورية الأسيرة من جميع الجوانب وعلى مختلف الصعد، ولا يمكن للمرأة أن تتحمل ذلك إلا إذا كانت من ذوات البأس والمنعة النفسية والاجتماعية الشديدة، وهنَّ قليل. أكثر النساء الناجيات يعشن صراعاً مع الذات والمجتمع، ففوق القهر والأذى الذي لحق بها، تلقى نفوراً من المجتمع ونظرة دونية في غالب الأحيان من البيئة التي تعيش فيها. من المحتمل، ولهول ما يتعرضن له؛ أن تتحول نسبة منهن إلى أشباه نساء، لأننا فعلاً في حالة من تبديد كيان إنساني في كرامته وحرمته، تبديد كيان بذاته، ونسف لإنسانيتها.  

إن تبديد كرامة الضحية ليس في الزنزانة فقط، بل يمتد بعد إطلاق سراحها أيضاً، من خلال التدمير النفسي والبدني الذي يحدثه التعذيب. فالمصاب الصحي والإنساني قد لا يتوقف بعد الخروج من مسالخ الأسد. فالواقع يقول إن نظام الأسد يتقصّد إلحاق الأذى ليس بالضحية وحدها فقط، بل في أهلها، بطريقة تدمر حياة الجميع. ويقوم بذلك قبل اعتقال الضحية وأثناء الاعتقال ويستمر ذلك بعده. جاء في الدليل التشخيصي الإحصائي الرابع الصادر عام 1994، أن الأعراض النفسية التي تظهر بعد إطلاق السراح، تندرج ضمن الحالة النفسية المرضية المسماة "اضطراب الشدة التالية للصدمات". وهو اضطراب نفسي يتفجر حين التعرض لكوارث، وأبرزها حالات الاعتقال والتعذيب والتصفيات الطائفية. 

أخيراً، بغياب الجهات الرسمية عن موضوع دعم الناجيات والناجين، تتجلى أهمية منظمات المجتمع المدني الفاعلة في هذا الأمر، وتستحق كل التقدير والاحترام على محاولاتها /نجاحاتها في/لإرجاع النساء الناجيات لحالتهن الطبيعية، ودعمها لهن بإعادة إدماجهن في الحياة من جديد.  

التعليقات (4)

    سوري حر

    ·منذ سنة 4 أشهر
    بعد أن تخرج المعتقلة من سجون نظام العهر ، تتعرض الغالبية العظمى منهن لظلم اجتماعي عنيف ، لا يقل قسوة عم عانينه في معتقلات النظام بأثره النفسي ، فأهل المعتقلة في كثير من الحالات هم من يباشر هذا الظلم ، و ذلك بسبب النظرة المتجذرة في عقلية شعوبنا حول موضوع الشرف و لو كان ذلك خارج عن نطاق إرادة الفتاة الحرة ، و هذا يستلزم نشاطا إصلاحيا كبيرا على المستويين الاجتماعي و النفسي ، و بحاجة لعمل منظم و دؤوب ، لتبين أن ما حدث لهذه المعتقلة وصمة عار ليس على هذه الحرة العفيفة أو على أهلها ، و إنما وصمة عار على شرف الإنسانية الضائعة التي ترى و تسمع و لا تحرك ساكنا .

    سوري مُشرد

    ·منذ سنة 4 أشهر
    خنازير العصابة النصيرية الطائفية الحاكمة يعيشون من أجل السرقة و القتل و الإغتصاب يستمتعون باغتصاب حرائر أهل السنة لأن النصيريين أدنى مرتبة من البهايم و أنجس من أي حيوان و أكثر دياثة من الخنزير نفسه و نظراً لكونهم ملة ملحدة نتنة و عفنة فكل مايفعلونه بأهل السنة يعكس عقيدتهم الضالة السافلة البهيمية الساقطة الشيطانية و مهما قيل في حقهم فهم أحقر و أوطى منزلة من أي مخلوق على وجه الأرض و ستتولى الثورة بإذن الله تخليصنا من شرهم و ترسلهم إلى جهنم.

    الحسيني الشامي

    ·منذ سنة 4 أشهر
    حسبنا الله ونعم الوكيل

    اللهم عليك بالظالمين

    ·منذ سنة 4 أشهر
    اللهم عليك بالظالمين والمستبدين واتمجرمين الذين ظلموا الشعب السوري وقتلوه وعذبوه وشردوه
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات