المشهد الأخير على مسرح الشمال

المشهد الأخير على مسرح الشمال

تفرض حالة الغزل السياسي والرغبة في إصلاح العلاقات وتطويرها بين الحكومة التركية ونظام أسد والتي تعكسها العديد من تصريحات الرئيس التركي التي يرى فيها أن لا خصومة دائمة في السياسة (!) وكذلك جهود المصالحة بينهما التي تبذلها روسيا في هذا السياق والتي ستتوّج غالباً بلقاء يجمع الأسد بأردوغان حتى قبل الانتخابات العامة التركية المقبلة، تفرض أو يتعيّن أن تفرض على القوى والأدوات السياسية والميليشياوية الــــ(معارضة) مقاربة جديدة ومختلفة فيما يتعلق برؤاها ومواقفها وسلوكها طالما أنها ماتزال حتى الآن ترى أو تزعم أنها مناهضة للنظام وعلى الضد منه، فيما يتعلق بحقوق السوريين في الانعتاق من الاستبداد وبناء منظومة حكم وإدارة ذات قيم وأهداف وطنية صرفة يمكن أن تسهم في نقل السوريين إلى مرحلة أخرى ومختلفة في حياتهم ومعاشهم وممارسة حرياتهم فضلاً عن مساءلة عتاة القتلة والمجرمين الذين استباحوا حياة وأعراض وأموال السوريين  . 

تبدو تلك التصورات أقرب اليوم إلى الأوهام أو الخيالات التي ماتزال تداعب براءتنا أو ربما بلاهتنا(الثورية) في ضوء مختلف متغيّرات المشهد الإقليمي والدولي وانزياحات المواقف على هذين المستويين، فضلاً عن الإنهاك الكامل للمجتمع السوري وتهافت القوى(المعارضة) وعدم قدرتها حتى على مجرد التعبير عن موقف رافض لأي مسار يفضي لإعادة ترميم منظومة السلطة الحاكمة – وكل المسارات الحالية تفضي إلى ذلك مع الأسف – وإعادة السوريين الذين نشزوا إلى بيت الطاعة، فالوظيفة الإقليمية والدولية لهذا النظام لم تستنفذ بعد. 

حتى الآن المشهد بعموميته لايؤشر إلى خير يرتجيه السوريون، فسقف الطروحات الدولية الذي ما يزال ينخفض لا يتجاوز أكثر من خلق حالة مساكنة بين النظام السوري ومعارضيه، كما لم يقدّم السوريون أنفسهم طوال عقد من الزمن إلا نماذج صارخة للفشل على مختلف المستويات، وخاصة بعد انخراطهم في مسار موازٍ لمسار جنيف المعطّل وكثير المطبات، هو مسار أستانا الذي فرض على السوريين من خلال الأدوات العسكرية المنخرطة فيه وبلادة المعارضة السياسية وبلاهتها مقاربات هي أقرب للتسليم والانكفاء منها للتسويات وأسقطت بموجبها حلب والغوطة ودرعا ومناطق كثيرة أخرى أعيدت للنظام بالمجان (!) .

 اليوم تركيا تجدد التزامها بتسوية علاقاتها مع النظام السوري على لسان غير مسؤول فيها بمن فيهم رئيس الجمهورية نفسه وهو في وجه من وجوهه شأن تركي خالص، لكن في وجوهه الأخرى سيكون له مترتبات مختلفة على المسألة السورية برمتها بالنظر إلى أن تركيا هي الممسك بتلابيب المعارضة السياسية أولاً وهي صاحبة القرار النهائي فيما يتعلق بالميليشيات المسلّحة وكل البنى والأدوات الأخرى الممسكة بخناق مناطق الشمال السوري، فهل ثمة ما يمكن – أو توقع - قوله أو فعله من قبل تلك الأدوات؟؟؟ 

 قراءتي للمشهد قد يعتبرها البعض سوداوية، وهي حقاً كذلك، ومجمل المسار والوقائع هي كذلك فعلاً وأنا أعتقد أن تركيا – إن حصل التقارب والصلح وعقدت صفقتها النهائية مع النظام - ستجبر الميليشيات المسلحة في الشمال على الرضوخ والامتثال – وأجزم أن تلك الميليشيات لا تمانع في ذلك  - لمضامين تلك الصفقة والتي أتصوّر أن تتحوّل بموجبها تلك الميليشيات إلى مايمكن تسميته(بالفيلق السادس) الذي سيكون مجرد قوات رديفة لميليشيات النظام السوري، وستكون ثمة( ضمانات ) روسية – تركية على غرار الفيلق الخامس في درعا (!) وستكون تلك الحكومة المؤقتة آخر الحكومات في تلك المناطق كما سبق أن أشرت في مقال سابق، أما بالنسبة للائتلاف فسيترك له إمكانية التشدق باستمرار العملية السياسية وسلة الدستور التي لن تفضي إلى أية نتائج جوهرية ولو استمرت اللقاءات لعقد آخر، فما عجز عن انتزاعه وهو على صهوة فرسه هو أعجز عن تحقيقه تسولاً، إلى أن تنضج ملامح الحل النهائي الذي سيكرس ويلحظ كل تلك التطورات والمتغيرات وتكون حصيلة مايحصل عليه السوريون هو صفر مربع. 

 أما عن موقف ماتبقى من الأفراد أو القوى المجتمعية الرافضة لهذا النظام، فالحقيقة أن أولئك وهم باتوا قلّة في الداخل، على أية حال لن يتمكنوا مع الأسف من إحياء جذوة الثورة مجدداً لا لعجز فيهم لكن لأن الحامل الاجتماعي للثورة في بعدها وهويتها الوطنية الصرفة لم يعد موجوداً بل غالباً لم يكن متوفراً ابتداء رغم توفر كل أسباب وموجبات الثورة على النظام الاستبدادي المجرم. 

 المشهد السوري الأخير – وحتى مدى زمني غير قصير – لن يكتبه السوريون .. وما ستكتبه روسيا وتركيا هو جزء من الفصل الأخير وليس الفصل كله، فما تزال ثمة مساحة للقلم الأمريكي أن يكمل كتابة الفصل ويضع خواتيمه ومن ثم يسدل الستار.   

التعليقات (2)

    عثمان اوسو

    ·منذ سنة 4 أشهر
    المصيبة أنه بعد كل ذلك الكل يتنازل للأسد واتبعه ومشغليه ويخدم مصالح الدول الداعمة وهم بنفس الوقت غير مستعدين لتقديم التنازل لبعضهم البعض خراف أمام الأسد وثيران فيما بينهم.

    Syrian

    ·منذ سنة 4 أشهر
    قبل الثورة ما كان فيه اي مقاومة او معارضين يذكرون وفجأة كبداية الكون حدث الانفجار العظيم. الذي سيبقى ويتمدد للابد مخلقا وراؤه مجرات من المعارضين والثوار ونجومه لن تطفأ مهما حدث ثقوب سوداء في داخله
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات