تعزيزات سياسية بأدوات عسكرية

تعزيزات سياسية بأدوات عسكرية

مع ازدياد زخم وتسارع التصريحات التركية حول المصالحة مع نظام الكبتاغون في دمشق, ومع الخطوات المتلاحقة المتمثلة باستمرار اللقاءات الأمنية بين الطرفين, ثم اجتماع موسكو الموسّع لوزراء دفاع روسيا وتركيا ونظام الأسد بحضور رؤساء أمن تلك الدول, ساد شبه هدوء لجبهات القتال الشمالية التي دائماً ما كانت تعكرها خروقات مقصودة من قبل ميليشيات أسد وعلى معظم خطوط التماس, حتى طيران قاعدة "حميميم" المقاتل والمسيّر والاستطلاعي, الذي لا يفارق سماء المناطق "المحرّرة" عادةً, غاب في تلك الفترة عن الأجواء, وكأن تلك الأطراف أرادت إرسال رسالة فحواها أن المصالحة ستحمل معها الهدوء, وتوقف القصف, وعودة الاستقرار, وغياب الموت.

 لكن فجأة ومع إعلان رئيس نظام دمشق عن شروطه القديمة الجديدة للمصالحة مع أنقرة, ومع رفع سقف تلك المطالب لحد لا قدرة لأنقرة على القبول بها, عادت السخونة للجبهات, وعاد القصف, وعادت عمليات التسلل, وفجأة تذكّر أبو محمد الجولاني أن نظام الأسد محتل, وأن إسقاطه في دمشق مهمة وطنية وشرعية, فخرج علينا هو الآخر بخطبة عصماء, خرقاء, ليحدثنا عن التحرير وعن رفضه المصالحة وليعلن جهاده المقدّس, وكان عليه فقط أن يتحف مسامعنا بنفس خطاب حسن نصر الله, الذي اعتبر أن تحرير القدس يمرّ عبر السيطرة على محافظات حمص وحماة وحلب ودير الزور, والجولاني هو الآخر اعتبر تحرير دمشق يمر عبر احتلال هيئة تحرير الشام لعفرين والباب وإعزاز وجرابلس.

للحظة يشعر المراقب أن الأوامر التي صدرت لميليشيات أسد على الجبهات الشمالية بتسخين الجبهات قد وصلت نسخة منها لمرؤوسهم الجولاني الذي عمل على تطبيق محتوى تلك الأوامر, وإلا ما سر هذا التنسيق الرفيع المستوى فيما يريده الأسد ويطبقه الجولاني.

بالتأكيد ورغم كل الأثمان الباهظة والجرائم التي تتعرّض لها الحاضنة الشعبية للثورة, لكنها لم تطالب يوماً بوقف فتح الجبهات, لكنها تريد أن يكون فتحها مثمراً وإيجابياً, ويعيد تحرير القرى والبلدات والمدن وإعادتها لأصحابها, لا أن يكون قتالاً عبثياً تُدفع فواتيره من خلال تبادل قصف وفعل ورد فعل يجد فيه المقاتل خندقاً يحميه لكن بيوت المدنيين تُدمّر ويُقتل أهلها, خاصة أن معلومات رصد الجبهات تؤكد أن مقدرات وأعداد المقاتلين في الجيش الوطني والجبهة الوطنية للتحرير وهيئة تحرير الشام تزيد بأضعاف مضاعفة عما يرصده نظام الأسد وحلفاؤه على جبهات الشمال في إدلب وأريافها وأرياف الساحل وحلب, وأنه باستثناء التفوق بالجهد الجوي (الذي يمكن تحييده بأساليب قتالية يُتقنها أصحاب الخبرة والمعرفة), هناك ضعف عسكري للأسد في جبهات الشمال, وبدلاً من قصف هنا وتسلل هناك, وإن كانت الفصائل جادة بما تقوم به وهدفها نصرة الثورة وتحقيق أهدافها, فلم لا تكون هناك عمليات عسكرية حقيقية, عمليات تعيد لأهل مدينة سراقب مدينتهم, أو تعيد معرة النعمان مثلاً, أو تعيد تلك الفصائل مدينة حلب, وعلى أقل تقدير تعيد السيطرة على كامل الأرياف الشمالية أو الشمالية الغربية لمدينة حلب, وتعيد السيطرة على طريق الإم فور الخارج من حلب حتى ما بعد سراقب وتعيد حصار النظام هناك؟؟ 

ما حصل كان سيناريو مخطّط قرأته الحاضنة الثورية وكل ذي عقل, أن إعادة تفعيل الجبهات كان عبر أوامر عسكرية لمن يملك قرار حملة السلاح, من أجل تحقيق أهداف سياسية تخص طرفي المصالحة, وليس مصادفة أن تزداد فجأة عمليات التسلل وعمليات القصف التي ترافقت مع دفع ميليشيات نظام الأسد وفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام عبر غرفة عمليات "الفتح المبين" لتعزيزات عسكرية ضخمة إلى المواقع المتقدمة في أرياف إدلب وحلب, وشملت التعزيزات آليات عسكرية ثقيلة ودبابات وراجمات صواريخ, وكذلك فعلت ميليشيات أسد وإيران عبر تعزيز قدراتها العسكرية بأرياف إدلب والساحل وكامل مناطق سيطرتها في أرياف حلب الغربية وخاصة تل رفعت وأورم الصغرى والفوج "46", وتركيا بدورها دفعت بتعزيزات وأرتال عسكرية إلى أرياف حلب، وأقامت مهبطاً للطيران المروحي قرب قاعدة لقواتها في بلدة بليون بجبل الزاوية، ضمن منطقة خفض التصعيد في إدلب.     

من المؤكد أن أنقرة تدرك أن لا فوائد سياسية أو اقتصادية لنظام دمشق بالمصالحة معها, وأن الأسد ينفّذ فقط الضغوط الروسية التي لا يمكنه رفضها, وأن خطواته يمكن تسميتها بـ "زواج بالإكراه", لأن الأسد لا مصلحة له باستقرار الجبهات, وعودة الهدوء, وغياب مبررات يضعها للسوريين لتبربر تقصير نظامه بغياب خدمات تقدّمها عادة الدولة مع شح بالمواد الغذائية ومصادر الطاقة, ولا مصلحة للأسد بعودة اللاجئين وهو العاجز عن تأمين من يوجدون تحت سلطاته, وبنفس الوقت لا يريد تقديم خدمات انتخابية لحزب العدالة والتنمية أو للرئيس أردوغان بعد أن حاربوه لأكثر من عشر سنوات.  

لكن على الضفة التركية الوضع مختلف, يقول فيتالي نعومكين رئيس «معهد الاستشراق» التابع لأكاديمية العلوم الروسية/ موسكو: الانتخابات التركية ستكون بمثابة اختبار جاد لقوة أردوغان وحزبه، فهل سيستطيع الرجل، الذي يسميه بعض الخبراء بأنه من أنجح القادة في العالم، اجتيازها؟ ولماذا احتاج إلى عملية تقديم موعد الانتخابات، الأمر الذي من المتوقّع أن يعلن عنه رسمياً في مارس (آذار)؟ وماذا سيكسب لو بلغت الحملة الانتخابية ذروتها في رمضان؟

الواضح أن قيادة الكرملين ستفعل ما تستطيع لدعم الرئيس أردوغان للنجاح بالانتخابات التركية, فهو شريكها المفضل لمواجهة الكاوبوي الأمريكي, والرئيس أردوغان بانتهاج سياسة أو تكتيك المصالحة مع الأسد يسحب أوراقاً غاية بالأهمية من يد المعارضة التي تنافسه على السلطة, وملف اللاجئين حجر الأساس ونقطة غاية بالأهمية للناخب التركي, وهنا تبرز أهمية خطوة أنقرة نحو دمشق بالمصالحة عبر سيناريو هندسه الوزير الروسي سيرغي لافروف وعدل عليه الوزير التركي جاويش أوغلو, لكن إيران قادرة على تخريب أي اتفاق لا يتناسب مع مصالحها, برغم تصريحات مسؤوليها البهلوانية والمرتّبة بجهد دبلوماسي والتي يغلب عليها التقية السياسية, إلا أنه لا مصلحة لإيران بانعطاف دمشق نحو أنقرة وشرعنة الوجود التركي على أراضيها وزيادة نفوذها, ولا مصلحة لطهران أيضاً بجعل الربط والحل السوري في موسكو.

الاتصال الهاتفي الأخير بين الرئيسين أردوغان وبوتين, وزيارة وزير الخارجية الإيراني لأنقرة بعد دمشق وبيروت أعادت الهدوء للجبهات, وهو أمر متوقّع لأن هؤلاء هم أصحاب القرار بفتح أو تسكين الجبهات, وأن كل تصريحات أمراء الحرب بالتحرير والسيطرة ومن كلا الطرفين بما فيه الجولاني باستثناء قلة قليلة, ليست سوى خردة تصريحات لا تباع ولا تشرى حتى بسوق النخاسة, وأنهم أدوات تنفيذ لا أصحاب قرار, وأن معظم ما جرى من تحركات وحشود عسكرية على جبهات القتال لن تغيّر بخرائط النفوذ المتوافق عليها في أستانا, بل كانت غايتها رفع أسقف مطالب سياسية تحتاجها الوفود على طاولات المفاوضات القادمة.

ويبقى السؤال: إلى متى تُدفع فواتير الرهانات السياسية ومشاريع الدول ومصالحها ونفوذها من دماء شعب أراد الحياة فطالب بالحرية؟؟

التعليقات (2)

    بدر

    ·منذ سنة 3 أشهر
    حياك الله

    sundus

    ·منذ سنة 3 أشهر
    طيييييييييييييييييييييط با مرتزقة ويا سبابيط في ارجل الجيش التركي
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات