الجوائز الأدبية والمال الثقافي: مواقف بعض الأدباء ورفضهم تسلّمها!

الجوائز الأدبية والمال الثقافي: مواقف بعض الأدباء ورفضهم تسلّمها!

أثار الروائي والكاتب المصري شادي لويس زوبعة من الجدل والنقاش، بعد إعلان رفضه جائزة ساويرس عن روايته المعنونة بـ "تاريخ موجز للخليقة وشرق القاهرة" التي صدرت عن دار العين عام 2021.

وكانت جائزة ساويرس قد أقامت حفل توزيع جوائزها السنوية لدورتها الثامنة عشرة في القاهرة، في التاسع من هذا الشهر.

أعلن شادي لويس عن سعادته بالفوز، وامتنانه للجنة التحكيم على اختياره، ولكنه تنازل عنها مادياً ومعنوياً، وطالب بشطب اسمه من قوائم الفائزين، اتهم بعضهم لويس بالصبيانية، وتعمّد إثارة الجدل بهذا الفعل، فهو قد وافق مسبقاً على ترشّح عمله للجائزة، لأن هذه الموافقة باتت من الشروط التي تحرص عليها بعض المسابقات!

الروائي شادي لويس المقيم في لندن منذ سنوات أكد أن الأدب هواية، وليس لديه طموحات مهنية، وأبدى تحفظه على الجوائز التي تُعطى، فقد سبق وانتقد جائزة البوكر، وتكلّم عن الماضي الاستعماري للإخوة بوكر، ومحاولة تبييض صفحتهم المليئة بالسلب، ونهب الشعوب بإحداث هذه الجائزة.

وربما يكون رفضه لجائزة ساويرس متساوقاً ومنسجماً مع ما كتبه منذ عام بالضبط عن هذه الجائزة تحت عنوان "جوائز ساويرس: أدباء وجامعو قمامة"، حيث شنّ هجوماً على الجائزة وأصحابها، إذ إنها تأتي حسب رأيه من باب الإحسان والصدقة!

لويس عبّر عن استيائه فيما كتب من الجائزة، وخاصة عندما تحدث ساويرس عن عمال النظافة، كما سماهم "الزبالين" حيث كانت والدته تأخذه مع إخوته إليهم، لمعاينة الفقر المدقع، وجاء كلام ساويرس في حفل توزيع الجائزة في إحدى دوراتها، وتم الجمع بين الأدباء، وجامعي القمامة، ما أثار سخطاً كبيراً عند بعضهم. يقول لويس في مقالته:

"ترسخ رأسمالية الإحسان الفوارق الطبقية القائمة، والاختلال الفادح في توزيع الدخول والثروات، بتعميتها على أدوار الثروات السوبر في إفقار الملايين، ومن ثم توظيف ذلك الفقر المدقع، لمراكمة رأسمال معنوي يكتسب من أخلاقيات الكرم والعمل الخيري، بطريقة مشابهة، تعمل جائزة ساويرس على تطبيع الأدب مع نوع بعينه من الرأسمالية، نوع منها يُقبل على مضض كأمر واقع، بل ويعترف به كمعيار للقيمة وختم لها".

من الجدير بالذكر أن جائزة ساويرس تأسست عام 2005، وتقدمها سنوياً "مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية" في مجالات الرواية والقصة القصيرة، والنقد والسيناريو السينمائي، والنص المسرحي، وأدب الطفل بقيمة تصل إلى 1.5 مليون جنيه (نحو 55 ألف دولار).

أعاد شادي لويس برفضه جائزة ساويرس إلى الأذهان حوادث مشابهة، فقد ذكّرنا بما فعله الروائي المصري صنع الله إبراهيم، عندما رفض الكاتب الكبير تسلم جائزة "ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي" عام 2003، وحضر حفل توزيع الجائزة، وقال حينها في خطاب رفضه للجائزة: "كل ما أستطيعه هو أن أشكر مرة أخرى أساتذتي الأجلّاء الذين شرّفوني باختياري للجائزة، وأعلن اعتذاري عن عدم قبولها، لأنها صادرة عن حكومة لا تملك، في نظري، مصداقية منحها، وشكرا"،

وقال أيضاً وسط عاصفة من التصفيق، وبحضور فاروق حسني وزير الثقافة: "يرفض تسلم الجائزة من السلطة التي تعمل على قمع الشعب المصري، وترهن سياستها الخارجية بإسرائيل، وتقبل بوجود السفير الإسرائيلي، رغم كل الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، من قمع وسفك للدماء".

وفي مصر أيضاً تردّد بأن عباس محمود العقاد رفض جائزة الدولة التقديرية في الآداب التي منحها له الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ورفض كذلك الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة، ولكن هناك من يدحض هذه الرواية، ويؤكد تسلّم العقاد للجائزة.

ولو تركنا الجوائز العربية، وانتقلنا إلى الجوائز العالمية، وأشهرها وأوفرها حظاً جائزة نوبل التي أسسها مخترع الديناميت ألفرد نوبل، والتي ربما كانت كفّارة عن ذنبه في اختراع الديناميت، وقتل البشر سنلقى كثيراً من الأدباء الذين رفضوا هذه الجائزة، وأولهم الكاتب الإيرلندي الساخر جورج برنارد شو في  سنة 1925، حيث قال في ذلك: "هذه الجائزة أشبه بطوقِ نجاة يُلقى به إلى شخص وصل برّ الأمان، ولم يعد هناك خوف عليه من خطر".

وقال برنارد شو يومها في سخريّة من مؤسّس الجائزة: "إنّني أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت، ولكنّني لا أغفر له أنّه أنشأ جائزة نوبل.. إنّني أكتب لمَن يقرأ، لا لأنال جائزة".

ويقال بأن برنارد شو تراجع عن رفضه، وقبِل التكريم، وأخذ مال الجائزة، ووزّعه.

ومن الأدباء الذين رفضوا جائزة نوبل الروائي والشاعر الروسي بوريس باسترناك 1890 - 1960 الذي اشتُهر في بلاده كشاعر مرموق، لكنه حقق شهرة واسعة في الغرب، عن طريق روايته الملحمية الشهيرة "دكتور زيفاكو" التي تتحدث عن روسيا بين عامي 1903 و1929، وبسبب الرقابة، وتكميم الأفواه في الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت لم يستطع نشرها في روسيا، فقام بتهريبها عبر الحدود إلى إيطاليا، ونُشرت عام 1957، وقوبلت بالترحاب في الغرب، وحققت أصداء إيجابية، ولكن قوبلت بالانزعاج والغضب في الاتحاد السوفييتي، ووصل الأمر إلى المطالبة بطرده من البلاد، وظلتِ الرواية ممنوعة في الاتحاد السوفييتي، حتى وصول الرئيس السابق غورباتشوف للسلطة عام 1987، فسمح بنشرها.

في العام 1958 منح باسترناك جائزة نوبل في الآداب، لكنه رفضها بعد الضغوط التي تعرض لها في بلاده، وتهديده إن سافر لتسلّم الجائزة، فبعث رسالة إلى رئيس الوزراء خروتشوف آنذاك يعلن فيها رفضه الجائزة.

أما الفيلسوف والكاتب الفرنسي جان بول سارتر 1905 - 1980، فقد عبّر عن رفضه الجائزة بالقول: "أنا أرفض صكوك الغفران الجديدة التي تمنحها جائزة نوبل"، وذلك بعد منحه الجائزة عام 1964، وجاء في حيثيات المنح يومها: "لأعماله الثرية المملوءة بالأفكار، وبروح الحرية، والبحث عن الحقيقة التي تترك تأثيراً بعيد المدى في عصرنا"، لكن سارتر رفض الجائزة موضحاً أن قراره شخصي وموضوعي، ويتسق مع معتقداته وأفكاره الوجودية.

وهناك أدباء آخرون رفضوا الجوائز، ولا يتسع المجال لذكرهم جميعاً، وذلك على الرغم من المبالغ الضخمة التي رُصدت لهذه الجوائز، والتي يسيل لعاب كثير من الأدباء للفوز بها، والتهافت عليها، حتى ولو كان ذلك على حساب الأفكار والمبادئ والقناعات! يمكن القول أخيراً: إن هناك اليوم صيادي جوائز، وشغلهم الشاغل أن يبحثوا عن المسابقات والجوائز، ليشتركوا بها، وهم يقدمون الأعمال التي تتوافق مع الجائزة وشروطها، والبلد الذي يقيمها، ولا نستغرب أن يبلغ التهافت بهم حدّاً يجعلهم يشتركون بمسابقات وجوائز خُصصت لمَن هم في بداية طريقهم الأدبي، مع أنهم بلغوا من الكِبَر عِتياً، ولا نستغرب أيضاً أن بعضهم مستعد لأن يفعل أي شيء في سبيل الجائزة، حتى وإن زوّر شهادة ميلاده، أو كتب عملاً، ونسبه لشقيقه، أو أحد أقربائه، ليتوافق مع الشروط الواجب توافرها.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات