ماذا لو سقط النظام السوري؟

ماذا لو سقط النظام السوري؟

في الآونة الأخيرة كثرت الأخبار والمعلومات القادمة من مناطق النظام التي تشير إلى وجود أزمات اقتصادية ومعيشية لم تعد تطاق، وفي ظل العجز الواضح من قبل النظام السوري أصبح البعض يستبشر خيرا بقرب انهيار النظام. لكن ذلك التفاؤل المباح لا يلبث أن يصبح تفاؤلاً مضطرباً بعد أن تحضر بإلحاح بعض التساؤلات؛ فماذا لو سقط النظام؟ وما موقع قوى الثورة والمعارضة بعد سقوط النظام؟ أما زالت الجماهير تحلم بالكرامة والحرية؟ وهل نحن بديل صالح؟

في كتابه أصول النظام السياسي ينقل هنتغتون عن والتر ليبمان قوله: "ما من حاجة – بالنسبة إلى الذين يعيشون جماعات – أشد إلحاحاً من أن يكونوا محكومين: بحكم ذاتي إذا أمكن، بحكم جيد إذا كانوا محظوظين، لكن أن يكونوا محكومين على أي حال." والأبلغ من ذلك؛ هو تعليق هنتغتون على هذه المقولة، حيث قال: "كتب السيد ليبمان هذه الكلمات في لحظة يأس من الولايات المتحدة". فاليأس من إصلاح السلطة السياسية – أو صلاحها – هو الذي يدفع الناس إلى قبول أي نوع من السلطة ولو كانت استبدادية جائرة.

ينطبق هذا الكلام، ولو جزئياً على المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة المؤقتة، وهي المناطق الوحيدة خارج سلطة النظام التي تدّعي تمثيل الثورة. وعبارة الخاضعة لسلطة الحكومة المؤقتة، يُقصد منها تحديد المنطقة الجغرافية فقط؛ لأن تلك المناطق فعلياً تحتضن جماعة من البشر غير محكومين بأي نوع من أنواع الحكم، وإنما هناك مجموعة كبيرة من الجهات التي تتقاسم النفوذ فيما بينها وتفرض نوعاً من التوازن العجيب الذي يشكل قوة عطالة هائلة تضفي على البيئة السائدة ثباتاً وجموداً تصعب زحزحته.

يعيش الناس في تلك المناطق في ظل مناخ ملتبس، وحالة من الشعور باليأس والعجز والقهر، ويلجؤون إلى تفسير الأحداث والمواقف بشكل سلبي، وتسود علاقات اجتماعية ضعيفة وشعور بعدم الانتماء. وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة لا يجدون جهة محددة يوجهون إليها اللوم أو النقد، فيما تتقاذف الجهات صاحبة النفوذ الاتهامات؛ كل يلقي باللائمة على غيره في محاولة للتنصل من مسؤوليته عما وصلت إليه تلك المناطق من حالة متردية على كافة الأصعدة. وهو ما خلق ما يمكن أن نسميه "تشتت المسؤولية"، بحيث إنه كلما زاد عدد الفاعلين كلما قل المبادرون لفعل شيء، فكثرة عدد الفاعلين تضعف الشعور بالمسؤولية تجاه الحدث.

تكمن فينا جميعاً نزعة إلى البحث خارج أنفسنا عن العوامل التي تصوغ حياتنا، أو كما يقول "هنري ثورو": عندما يشكو المرء شيئاً يحول بينه وبين القيام بواجباته، حتى عندما يجد ألماً في أمعائه... فإنه يبادر إلى محاولة لإصلاح العالم. لذلك، من الطبيعي أن تسمع من كل جهة يُظن أنها مسؤولة عن الحالة المزرية التي وصلت إليها تلك المناطق ما يكفي من الحجج والمرافعات المشفوعة بالأدلة والبراهين التي تثبت براءتها.

ولعل ميل السوريين الفطري لتصديق مقولات نظريات المؤامرة يضفي على الكثير من الادعاءات هالة من السحر تجعلها ذات جاذبية خاصة. وبالتالي تحولها إلى ما يشبه الحقيقة. وتنحصر تلك المقولات والادعاءات بأن غياب السلطة وتشتت المسؤولية وتردّي أحول الناس ليست سوى نتاج إرادة دولية لا طاقة للسوريين على تحديها أو مخالفة أوامرها، وهو ما يخلق ما يمكن أن نسميه بالمزاج المنخفض الذي يتسبب في تغيير طريقة الإنسان في معالجة المعلومات، ويجعله يفكر بطريقة أكثر سلبية؛ مبتعداً في معظم الأحيان عما يُعتقد أنه العلة الحقيقية إن لم تكن الوحيدة.

هناك مقولة لـ "دوستويفسكي" تضيء على جانب مهم من المشكلة؛ "فمن يحترفون إثارة الفوضى في المجتمع هم بالتأكيد الذين لا يملكون حلاً لمشكلاته ولكن يبحثون عن الزعامة وسط الفوضى". فالمزاج المنخفض الذي يهيمن على الأغلبية الساحقة من سكان تلك المناطق، يقابله مزاج مرتفع وشعور بالرضى، بل والنشوة لدى أقلية متنفذة ممن احترفوا إثارة الفوضى ووصلوا إلى مبتغاهم (زعامتهم) من خلالها. فهؤلاء هم أعداء الدولة أو ما يشبه الدولة، وهم لن يسمحوا بإقامة سلطة تُشعر الناس أنهم في حالة طبيعية مهما كلف الثمن؛ لأن قيام السلطة، بكل بساطة، يعني زوال مجدهم القائم على الفوضى التي يراد لها أن تدوم.

خلقت قوة العطالة الناجمة عن تقاسم النفوذ بين مثيري الفوضى وغيرهم بيئة لا تطاق، فالإنسان في وقتنا الراهن بدون دولة هو لا شيء، وهذا ما لاحظه البعض من أمثال "جوزيف شتراير" عندما قال: إن أفظع مصير يمكن معرفته في العالم الراهن، هو مصير من لا وطن له"، وإن شخصاً بدون عائلة، وبدون سكن ثابت، وبدون انتماء ديني يمكن أن يعيش حياة مكتملة بصورة كافية، لكنه بدون دولة ليس شيئاً، وليست له حقوق، ولا أمن، وعلى الأرض لا خلاص خارج إطار دولة منظمة. لذلك، فالاعتقاد بأن سكان تلك المناطق أصبحوا مستعدين للقبول بأي نوع من السلطة حتى ولو كانت استبدادية جائرة، وأنهم كفروا بكل شيء؛ هو اعتقاد لا يجانب الصواب.  

لقد استطاعت قوى الأمر الواقع وعن جدارة تحويل تلك المناطق وساكنيها للا شيء، وتكفي عبارة "لا شيء" للإجابة عن كل التساؤلات التي قد تخطر ببال أحد السوريين، فسقوط النظام لن يعقبه سوى ولادة نظام جديد من رحم النظام السابق؛ كل ما يمكن أن يقدمه هو العفو عن المطلوبين، وهو ثمن بخس جداً لتضحيات السوريين، فشكراً لكم.                                                                           

التعليقات (5)

    عيسى حسين المحمد

    ·منذ سنة 3 أشهر
    فعلاً

    👍

    ·منذ سنة 3 أشهر
    مقال جميل .... يبقى السؤال ..... ما هي اقتراحات الحل... لمواجهة الواقع....

    أنس زين الدين

    ·منذ سنة 3 أشهر
    نعم لم نعد نريد إلا لقمة العيش بامان وليحكمنا الشيطان .

    مواطن في المهجر

    ·منذ سنة 3 أشهر
    الأوضاع الحالية في سورية تمهد لتطبيع مع إسرائيل ونهاية نظام البعث الحاكم وبداية حقبة نظام جديد قد لايلبي كل تطلعات ومطالب الشعب ولكن يمنعهم امل في العيش بكرامة بعد عقود من الحكم الديكتاتوري الجائر.

    معلق ابن ثورة

    ·منذ سنة 3 أشهر
    ماذا لو سقط النظام ؟!!!!!! بالله عليك في نظام ؟ والله لو في نظام ما طلعت الناس ثورة ، ماذا لو وجد نظام ،في سوريا وهذا ما سوف يحدث في الايام المقبلة ،
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات