لا يزال مصطلح "جمهورية الموز" هو الأكثر تعبيراً عن واقع البلدان الفاشلة والمُتخَمة بسلسلة من الأزمات، والتي تحكمها ديكتاتوريات فاشلة في إدارة جميع مفاصل البلاد، ما عدا مفصل قمع الحريات واستعباد الشعب.
المصطلح الساخر الشهير استُخدِم للمرة الأولى في القرن التاسع عشر، على يد الكاتب الأمريكي أوليفر هنري، الذي وصف جمهورية "أنكوريا الخيالية" في كتابه "الكرنب والملوك" (1904)، وفيه يتحدث عن تجاربه في دولة "هندوراس" التي عاش فيها ستة أشهر عندما كان مطلوباً في الولايات المتحدة بتهمة الاختلاس من أحد البنوك.
ويمكن إجمال معنى "جمهورية الموز" في الدول التي تنطبق عليها الأوصاف التالية:
1- غير مستقرة سياسياً، وتعيش على وقع أزمات تمنع استقرار الحكم فيها.
2- ليس لها ثقل اقتصادي بين دول العالم، وتعتمد في اقتصادها على قطاعات محددة، وقد تكون وحيدة، مثل "زراعة الموز".
3- محكومة بمجموعة صغيرة ثريّة وفاسدة، تستخدم البلاد وسكانها كمشروع خاص، تسعى من ورائه إلى جني أكبر قدر ممكن من الأموال.
4- ديكتاتورية قمعية، تمنع السكان من أيّ انتقادات أو احتجاجات على نظام حكمها.
5- تسمح ببناء مستعمرات زراعية شاسعة على أراضيها مقابل المردود المالي.
6- الانتخابات فيها مزوَّرة وفاسدة، ولا قيمة فيها لأصوات الناخبين.
وعند التأمّل في هذه الأوصاف التي تنطبق على "جمهورية الموز"، لا يمكن أن يخطر في ذهن القارئ السوري سوى بلاده المحكومة منذ أكثر من 50 عاماً على يد عائلة عبثت بماضي الدولة وحاضرها ومستقبلها، ورهنت مقدّرات البلاد للحلفاء الذين ضمنوا بقاءها، وبات معظم اقتصادها قائماً على صناعة المخدرات وترويجها عالمياً.
كل الأوصاف التي تنطبق على "جمهورية الموز" لا تخرج نهائياً عن وصف نظام الأسد، غير أن هذا قد يُزعج ملايين السوريين حالياً، ولا سيما القاطنون منهم تحت حكم بندقية الأسد، لأن الأخير جعل سوريا نموذجاً للفشل في كافة المجالات، حتى باتت تتذيّل دائماً قوائم الاقتصاد والتعليم والخدمات والرياضة.. والأمان، بينما تتصدّر دائماً قوائم الفساد والمحسوبيات والخطر والفقر.
من حقّ السوريين أن يعترضوا على وصف بلادهم بأنها من "جمهوريات الموز"، لأن المواطن السوري في الوقت الحالي لا يهمُّه الموز نهائياً، ولم يعُد يحلُم بأدنى حدّ من خدمات الكهرباء والماء والإنترنت والمواصلات وكل البنية التحتية.
في هذه الأثناء دخلت مادة "البصل" على "البطاقة الذكية"، وهي بطاقة تموينية تستخدمُها بعض البلدان لتأمين الأقوات التي يحتاجها الشعب بشكل دائم وبسعر مدعوم، كالطحين والشاي والسكر والمحروقات، غير أن السوريين اليوم يصطفّون بالطوابير للحصول على 2 كيلو غرام "مدعومة" من البصل أسبوعياً مقابل 6 آلاف ليرة للكيلو الواحد ( 0.8 دولار)، بينما يبلغ سعر هذه المادة ما يقارب 13 ألف ليرة ( نحو دولارين) في "السوق السوداء"، وطبقاً لكل هذا وذاك، يحقّ للسوريين أن يفرضوا على العالم مصطلحاً سياسياً جديداً ينطبق على بلادهم الغارقة في الدمار والفساد والخوف، يحقّ لهم بلا تردّد أن يسمّوا سوريا الأسد بـ "جمهورية البصل"، وسط أحلام بعيدة بأن تعود يوماً ما من ضمن "جمهوريات الموز"!!.
التعليقات (3)